الوالديّة رحلة مليئة بلحظات تتفاوت بين فترات الراحة والتحدّيات. ولأنّنا نأمل أن نشهد نموّ أطفالنا وازدهارهم نزوِّدهم بأفضل تنشئة ممكنة. أمّا بالنسبة إلى الآباء والأمّهات الذين يربّون طفلًا مصابًا بالتوحّد، فقد تنطوي هذه الرحلة على تحدّيات إضافيّة لمساعدته على تطوير شخصيّته اجتماعيًّا ودراسيًّا. تُقدِّم لكم "منهجيّات" في هذه المقالة مجموعة من الطرق الفعّالة الموصَى بها خلال التعامل مع طفل التوحّد.
ما أهمّ السلوكيّات التي تظهر أثناء التعامل مع طفل التوحّد؟
غالبًا ما تظهر بعض العلامات واضحةً في سلوك الأطفال المصابين بالتوحّد، ولكنّها ليست تشخيصًا قاطعًا في النهاية، ولا تُغني عن التشخيص الطبّيّ. من هذه العلامات:
- - صعوبة في استيعاب لغة الجسد والتعبيرات اللغويّة وتمييز الحديث الفكاهيّ.
- - الحساسيّة المفرطة وقلّة المرونة نحو تغيير النظام المعتاد.
- - ضعف الذكاء الاجتماعيّ ومهارات التواصل مع الآخرين. لذلك، يصعب كثيرًا عليهم فهم مشاعر الآخرين واحتياجاتهم.
- - صعوبة تأدية نشاط لا يحقّق لهم المتعة المطلوبة أو يتطلّب الصبر والتركيز لمدّة طويلة.
- - ضعف المهارات التنظيميّة والقدرة على إدارة المهمّات من دون توجيه الآخرين.
- - الرهاب الاجتماعيّ الشديد وتجنّب الأوساط التفاعليّة.
- - طفرة في الذكاء الرياضيّ والمهارات الحسابيّة.
ما الخطوات الفعّالة للتعامل مع طفل التوحّد؟
هناك طرق لإجراء محادثات مع الأطفال المصابين بالتوحّد، ويمكنك جعلها أسهل بمراعاة الخطوات الآتية عند التعامل مع طفل التوحّد:
التشخيص
قد يحدث أحيانًا أن يشتبه الوالدان في غرابة سلوكيّات أطفالهما وعلاقة طبيعتها باضطراب التوحّد، ولكن يقف التشخيص الطبّيّ عائقًا أمام العلاج لسبب أو لآخر. هذه إحدى الأخطاء التي يقع فيها والدا طفل التوحّد، لأنّه كلّما بدأت رحلة العلاج من الاضطراب في مرحلة أبكر، زادت فرصة الطفل في التعافي، وتقليل الآثار المستقبليّة للاضطراب، وتهيئة الطفل ووالديه للتعامل مع المشكلات المتوقَّع أن يمرّ فيها في الوقت القريب. فإن لم يكن التشخيص الطبّيّ متاحًا لأيّ سبب، فمن الأفضل تنمية الوعي بكيفيّة التعامل مع طفل التوحّد والاستعانة بالمصادر الطبّيّة التثقيفيّة قدر الإمكان، إلى حين إمكانيّة التشخيص.
التمهيد
يجد طفل التوحّد صعوبة في فهم سبب اختلاف طبيعته عن أقرانه، وعجزه في التواصل معهم في سنواته المبكِرة. لذلك، من الضروريّ عند التعامل مع طفل التوحّد بعد التأكّد من تشخيصه أن تبدأ في التمهيد له، وتهيئته للصعوبات التي سوف يواجهها كلّما مرّ بتجربة اجتماعيّة جديدة. ولا تقتصر مرحلة التمهيد على طفل التوحّد، إذ لا تقلّ أهمّيّة تهيئة المُربِّي نفسيًّا عن تهيئة الطفل. فمِن الأخطاء الجسيمة التي تولِّد نتائج عكسيّة قلّة وعي الأهل باضطراب التوحّد، وأثره في طبيعة أطفالهم السلوكيّة، وما يجب عليهم تقديمه للأطفال.
الحوار
يعاني طفل التوحّد بالفعل من صعوبة في التواصل الاجتماعيّ والتعبير عن احتياجاته ومشاعره. لذلك، عند التعامل مع طفل التوحّد يقع على عاتق الأهل بذل الجهد الكافي لهدم الحواجز مع أطفالهم، ومحاولة تشجيعهم على الحوار والإفصاح عن مشاعرهم وأفكارهم. وهذه النقطة بالتحديد ليست بالأمر السهل أبدًا، ولكنّها تحتاج إلى الكثير من الصبر وبناء الثقة، فلا يجب أن يُحبَط الوالدان فورًا إن لم تدفع جهودهما طفل التوحّد إلى التفاعل الاجتماعيّ.
الصداقة
تُعدّ الصداقة من أكثر الوسائل فاعليّة في التأثير إيجابًا لمعالجة الخجل الاجتماعيّ عند التعامل مع طفل التوحّد. لكنّها، في الوقت نفسه، من الصعوبات النفسيّة، لأنّ طبيعته المختلفة قد تحول بينه واكتساب الأصدقاء والمحافظة على علاقته بهم على المدى الطويل. لذلك، يحتاج طفلك إلى المساعدة ومراقبة طبيعة علاقاته باستمرار، وإلى دعمه لاكتساب دائرة آمنة من الأصدقاء، لأنّ اختلاط الطفل بالوسط غير المناسب أو تعرّضه للتنمّر أو السخرية قد تنتج عنه آثار كارثيّة تعمِّق موقفه السلبيّ من العلاقات الاجتماعيّة.
المكافأة
تُعدّ المكافأة من الوسائل التحفيزيّة الإيجابيّة التي تشجِّع طفل التوحّد على الإقبال على تعديل السلوك. لذلك، يجب ألّا يهمل الوالدان تقدير أيّ خطوة إيجابيّة يقوم بها الطفل، أو أيّ خطوة يتحاشى بها خطأً معتادًا في سلوكه.
العزيمة
الصبر وعدم الاستسلام الفوريّ قاعدتان رئيستان عند التعامل مع طفل التوحّد، حيث تتطلّب رحلة تعديل سلوك طفل التوحّد من الوالدين عدم استعجال التغيير، وتوقّع تكرار الأخطاء بشكل مستمر.
الأنشطة التطوعيّة
تفتح الأنشطة التطوعيّة أبوابًا جديدة للطفل لاكتساب المهارات واكتشاف نقاط القوّة والمواهب، وهي من الأساليب الإيجابيّة للحفاظ على صحّته النفسيّة، وتطوير مهاراته الاجتماعيّة تدريجيًّا لدرجة جيّدة، وإن لم تكن مثاليّة مثل أقرانه.
التميّز
عليك أن تعرف عند التعامل مع طفل التوحّد أنّ اضطراب التوحّد من الحالات التي تنطوي على المحنة والمنحة على حدّ سواء. فعادة ما يكون طفل التوحّد عبقريًّا وذا درجة عالية من الموهبة في جوانب معيّنة. وعليه، فإنّ اكتشاف نقاط قوّة الطفل وتوجيهه إلى تطويرها والتعبير عنها، يُعدّان من مفاتيح العلاج السحريّة لتعزيز ثقته بنفسه، وتلبية حاجته إلى التقدير.
التخطيط
على الأهل أن يتذكّروا دائمًا معاناة أطفالهم من ضعف وظيفيّ في تخطيط حياتهم ومهمّاتهم. لذلك، فإنّ دور الأهل في التخطيط لحياة الطفل وربطه بنظام يُحقّق له الاستقرار والإنجاز أمر في غاية الأهمّيّة، إذ لا تساعد طبيعةُ الطفلِ الطفلَ على تنظيم وقته ذاتيًّا والموازنة بين أولويّاته.
المرونة
على الرغم من أهمّيّة وضع نظام لحياة طفل التوحّد، إلّا أنّه من المفيد توقّع عدم سير الأمور بصورة مثاليّة. فيجب أن يتحلّى الأهل ببعض المرونة في تقبّل الطبيعة المعقّدة لأطفالهم، وعدم السعي إلى إخفاء آثار اضطراب التوحّد، بل إلى مساعدة الأطفال على التأقلم مع الوظائف التنفيذيّة لحياتهم.
التقبّل
وأخيرًا، ليست هناك وصفة علاجيّة أهمّ من تقبّل الوالدين طفلهما المصاب بالتوحّد وإشعاره بذلك، لأنّه سيواجه بالفعل الكثير من التمييز في المجتمع. يجب أن يكونا مصدر الحبّ الذي لا ينضب في حياته. لذلك، عندما تتعامل مع طفل التوحّد، تذكّر أنّك مأمنه وملاذه في مجتمعٍ ما زال كثير من أفراده يواجهون مشكلة في تقبّل قدرة طفل التوحّد على صنع إنجازات يفتخر بها.
اقرأ أيضًا
كيفيّة التعامل مع الطفل العصبيّ | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)
صعوبات التعلّم عند الأطفال | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)
المراجع
https://safeminds.org/news/five-ways-to-really-help-people-with-autism/
https://www.appliedbehavioranalysisedu.org/7-tips-for-talking-to-kids-with-autism/
https://ibcces.org/blog/2016/07/15/behavior-strategies/