على رغم الأضرار التي تنتج عن الطلاق، إلّا أنّه يكون الخيار المنطقيّ الوحيد، في كثيرٍ من الأحيان، لإنهاء علاقةٍ زوجيّةٍ منهارة. إنّه قرارٌ يتردّد العديد من الأزواج في اتّخاذه، نظرًا إلى تأثيره السلبيّ في الأبناء. سواء جاء الطلاق ليضع حدًّا لرحلةٍ طويلةٍ من الخلافات والنزاعات، أو جاء بشكلٍ مفاجئٍ، ففي كلتا الحالتين يشكّل خسارةً كبيرةً للأبناء، خصوصًا مع الضغوط الناتجة عن التغيّرات المصاحبة له، مثل تغيير مكان السكن، والمدرسة أحيانًا، والصعوبات المادّيّة التي قد تؤدّي إلى تدنّي مستوى المعيشة. من الطبيعيّ أن تحمّل هذه التغيّرات الأبناء ضغوطًا شديدة.
تختلف ردود أفعال الأبناء على الطلاق بحسب مراحلهم العمريّة، فيعاني الأطفال في عمر ما قبل المدرسة اضطرابات النوم، واضطرابات التعلّق، وقلق الانفصال عن أحد الأبوين، أو قد ينتكسون نحو سلوكيّاتٍ طفوليّةٍ لم تكن ظاهرةً من قبل، مثل التبوّل اللاإراديّ أثناء النوم.
من المؤسف أنّ تداعيات الطلاق لا تقف عند هذا الحدّ، إذ قد يسيطر الشعور بالذنب ولوم النفس على الكثير منهم، وقد يتوهّم الأطفال الأصغر سنًّا أنّهم السبب في الطلاق، نتيجة خطأ ارتكبوه، أو سلوكٍ سيّئٍ صدر عنهم. بينما يميل الأكبر سنًّا إلى التعبير عن مشاعرهم بصورة نوبات غضبٍ، موجّهين اللوم إلى أحد الوالدين أو كليهما.
يمكن لفهم الأضرار المحتملة للطلاق على الأبناء، واستكشاف سبل التخفيف منها، أن يساعد الأهل في التعامل مع هذا التحوّل الصعب، بطريقةٍ تخفّف من تأثيره السلبيّ في أطفالهم.
أضرار الطلاق على الأبناء
التأثير على الأداء الأكاديميّ
تجربة الطلاق صعبةٌ على جميع أفراد الأسرة، خصوصًا الأطفال، فمحاولات فهم الديناميكيّات المتغيّرة داخل الأسرة تجعلهم مشتّتين ومرتبكين، ما يؤثّر في تركيزهم اليوميّ، وفي أدائهم الأكاديميّ.
أظهرت الدراسات أنّ أطفال الوالدين المطلّقين قد يعانون انخفاضًا في تحصيلهم الأكاديميّ، وفي اهتمامهم بالأنشطة اللامنهجيّةّ، بنسبةٍ أكبر من غيرهم. كما قد يواجهون صعوبةً في السيطرة على سلوكهم في المدرسة.
إضافةً إلى ذلك، تصحب الطلاق بعض التغييرات الديناميكيّة، مثل تغيير مكان السكن، وربّما تغيير المدرسة التي يرتادها الأبناء، ما يؤثّر بشكلٍ كبيرٍ في مستواهم الأكاديميّ، فقد يجدون صعوبةً في التأقلم مع المكان والمدرسة الجديدين، فيشعرون بعدم الرغبة في التعلّم، ويقاومون الذهاب إلى المدرسة.
الاضطراب العاطفّي والقلق
قد يؤدّي الطلاق إلى ظهور بعض المشاعر والاستجابات العاطفيّة الجديدة لدى الأطفال، لم يختبروها من قبل، مثل مشاعر الخسارة والغضب والحزن والقلق وغيرها الكثير، نتيجةً لهذا التغيير. فالطلاق حدثٌ كبيرٌ بالنسبة إلى الأطفال، سيتولّد عنه شعورٌ بالإرهاق النفسيّ والحساسيّة العاطفيّة، وقد لا يفهم الأطفال الصغار سبب حدوث الطلاق، ما قد يكثّف شعورهم بعدم الأمان.
يحتاج الأطفال إلى شخصٍ يكون منفذًا لعواطفهم، يتحدّثون إليه، ويتفهّم مشاعرهم وأفكارهم. سيساعدهم هذا في تخطّي الفترة الأولى بأقلّ الأضرار النفسيّة.
الاضطراب السلوكيّ
تعدّ الاضطرابات السلوكيّة لدى الأطفال من أبرز أضرار الطلاق على الأبناء، مثل الميل إلى العدوانيّة، أو العناد المفرط، أو الانسحاب التامّ، أو صعوبات النوم، أو التغيّرات في النظام الغذائي. كما يلجأ بعض المراهقين إلى التعبير عن حالة الإحباط لديهم بالتمرّد، أو بالمشاركة في الأنشطة المحفوفة بالمخاطر، أو تعاطي المخدرات.
في بعض الحالات، لا يعرف الأطفال كيف يستجيبون للإرهاق النفسيّ الناجم عن طلاق والديهم، فيصبحون سريعي الغضب والانفعال، وقد يوجّهون غضبهم تجاه والديهم، وأنفسهم، وأصدقائهم، وغيرهم من المقرّبين. عادةً ما يتبدّد هذا الغضب لدى العديد منهم بعد عدّة أسابيع، لكن إذا استمرّ، فمن المهمّ أن نتوقّع أن يكون هذا أحد الآثار الدائمة، والذي قد يؤثّر في شكل حياة الأبناء المستقبليّة.
عدم الاهتمام بالنشاطات الاجتماعيّة
تشير الأبحاث إلى أنّ الطلاق قد يؤثّر اجتماعيًّا في الأطفال، إذ يواجه الذين تمرّ عائلاتهم بالطلاق من بينهم صعوبةً في التواصل مع الآخرين، ويميلون إلى قلّة المشاركة في التجمّعات والنشاطات الاجتماعيّة. في بعض الأحيان يشعر الأطفال بعدم الأمان، ويتساءلون عمّا إذا كانت عائلتهم الوحيدة التي وقع فيه طلاق، ويفضّلون الجلوس في المنزل على اللعب مع أصدقائهم والتفاعل معهم.
أظهرت الدراسات النفسيّة التي أجراها مكتب الإحصاء الاجتماعيّ في الولايات المتّحدة، على عددٍ من الأزواج، أنّ الأطفال الذين عاشوا تجربة طلاق والديهم، يكونون أكثر عرضةً للطلاق من غيرهم في المستقبل. يُرجّح السبب بانعدام إحساسهم بالثقة والأمان في الشركاء، وافتقارهم إلى بعض المهارات الاجتماعيّة المكتسبة من الأسرة، ونقص العواطف والمشاعر الجميلة، واستبدالها بمشاعر أكثر سلبيّة. تكون النتيجة فقدانهم القدرة على حلّ الخلافات الزوجيّة من دون اللجوء إلى الطلاق، فينتهي بهم المطاف بالسير على خطا والديهم، وهو ما يُعرف نفسيًّا بنظريّة "النمذجة الأبويّة".
المشاكل الصحّيّة
من الوارد أن تترتّب عن عمليّة الطلاق أثارٌ على صحّة الأطفال الجسديّة، وليس النفسيّة فحسب. فيظهر الأطفال الذين مرّوا بتجربة طلاق والديهم قابليّةً أكبر للإصابة بالأمراض، نتيجة العديد من العوامل، منها صعوبة النوم. كما قد تظهر عليهم علامات الاكتئاب، ما قد يؤدّي إلى تفاقم مشاعر فقدان الرفاهيّة، وتدهور حالتهم الصحّيّة، إلى درجةٍ قد تستدعي تدخّل مختصّين للحدّ من تفاقم المشكلة.
كيف أحمي أطفالي من آثار الطلاق
بالرغم من كلّ الأضرار التي يلحقها الطلاق بالأبناء، إلّا أنّ هناك ما يمكن للوالدين فعله للحدّ من تأثيره في أطفالهم، ودعمهم للتكيّف مع التغيّرات بطريقةٍ صحّيّة.
الحفاظ على التواصل المفتوح
تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم، والاستماع إليهم من دون إصدار أحكامٍ، يعدّ خطوةً مهمّة. تجب طمأنتهم أنّ مشاعرهم مفهومةٌ وطبيعيّةٌ، وأنّه لا بأس في الشعور بالحزن أو الغضب أو الارتباك. يسهم التواصل المفتوح في تعزيز شعور الأطفال بأنّهم مسموعون ومفهومون، ما يقلّل من حزنهم، ويخفّف من إحساسهم بالعزلة.
توفير الاستقرار والروتين
يسهم إنشاء روتينٍ ثابتٍ داخل كلا البيتَين في تعزيز شعور الأطفال بالأمان، والقدرة على التنبّؤ. كما أنّ التشابه في أوقات النوم، وأوقات الوجبات، والأنشطة اليوميّة الأخرى، يمكن أن يساعد الأطفال في التكيّف بسهولةٍ أكبر مع التغييرات.
تقليل الصراع
من المهمّ حماية الأطفال من صراعات الوالدين، وتجنّب وضعهم وسط النزاعات، إذ تقلّل تربية الأطفال بشكلٍ ودّيٍّ، في بيئةٍ يحترم أفرادها بعضهم البعض، من التوتّر والقلق الذي يشعر به الأطفال. من الضروريّ أن يضع الوالدان خلافاتهما جانبًا، ويعملا معًا فريقًا واحدًا، لإعطاء الأولويّة لأطفالهما ورفاهيّتهم، وأن يحرصا على أن ينشأ الأبناء معهما في بيئةٍ صحّيّةٍ، رغم الانفصال.
الطمأنينة بشأن سلامتهم وحبّهم
يحتاج الأطفال إلى معرفة أنّ الطلاق ليس خطأهم، وأنّ كلا الوالدين ما يزالان يحبّانهم من دون قيدٍ أو شرط. يمكن أن يساعد التأكيد على ذلك في الحدّ من مخاوف الهجران، وطمأنة الأطفال بشأن مكانهم في حياة كلا الوالدين، وبأنّ الانفصال لا يعني أنّ عليهم اختيار أحدهما على الآخر.
تشجيع الدعم المهنيّ
يمكن أن تكون الاستشارة مفيدةً للأطفال الذين يكافحون في التعامل مع آثار الطلاق. يمكن للمعالج المختصّ أن يوفّر مساحةً آمنةً لهم، لاستكشاف مشاعرهم، وتطوير استراتيجيّات التأقلم على الوضع الجديد.
الحرص على إظهار العلاقات الصحّيّة
يتعلّم الأطفال بالملاحظة، لذا فالتواصل الصحّيّ، وإظهار الاحترام والتقدير للطرف الآخر، يمكن أن يساعد الأطفال في تكوين وجهة نظرٍ أكثر توازنًا حول العلاقات، ويحميهم من التورّط في علاقاتٍ لا يتحمّلون تبعاتها مستقبلًا.
أشركهم في العمليّة
عندما يكون ذلك مناسبًا، أشرك الأطفال في المناقشات حول التغييرات التي ستؤثّر في حياتهم، مثل ترتيبات المعيشة، أو الجداول الزمنيّة. امنحهم فرصة الاختيار بين بعض الأمور غير المصيريّة، فهذا قد يمنحهم شعورًا بالسيطرة، ويسهم في تقليل مشاعر القلق، ويجعل الانتقال أكثر سلاسة.
***
الطلاق تجربةٌ صعبةٌ، قد تخلّف آثارًا دائمةً على الأطفال، ولكنّ اتّباع نهجٍ واعٍ يدعم الوالدين في تسهيل عمليّة الانتقال، وتخفيف حدّة الآثار السلبيّة. بالحفاظ على الاستقرار والدعم والتواصل المفتوح، سيتمكّن الأبناء من الخروج من هذه المرحلة بمرونةٍ وأمانٍ، في ظلّ حبّ كلا الوالدين.