ما الاستراتيجيّة الأكثر فعاليّة التي استخدمتها في الغرفة الصفّيّة، وكيف تجاوب الطلبة معها؟
من الاستراتيجيّات التي أحبّها كثيرًا، والتي أثبتت فعاليّتها في الغرفة الصفّيّة، استراتيجيّة البوصلة. أجد أنّ هذه الاستراتيجيّة ملائمة لمرحلة رياض الأطفال وممتعة في الوقت ذاته، لأنّها تجمع بين اللّعب والحركة والحماس، كما أنّها مرنة وسهلة، ويمكن تكييفها لتناسب المفاهيم والأهداف المختلفة.
تتمثّل الاستراتيجيّة في توزيع بطاقات على جميع الطلّاب باستثناء ثلاثة منهم، والذين يتّخذون مواقع مختلفة في زوايا الصفّ حاملين لافتات كبيرة، بعد ذلك يفتح الطلّاب بطاقاتهم ويجري كلّ منهم نحو اللافتة المناسبة لبطاقته خلال عشر عدّات على سبيل المثال، وغالبًا ما تُدمج هذه الاستراتيجيّة بالرياضيّات، إضافة إلى الأهداف التعليميّة الأخرى للتطرّق إلى العدّ ومقارنة الأعداد، من خلال حساب عدد الطلّاب في كلّ مجموعة.
يتجاوب الأطفال مع هذه الاستراتيجيّة بشكل إيجابيّ جدًّا، فهي لا تعزّز فقط التفاعل النشط والمشاركة الفعّالة فحسب، بل تسهم أيضًا في تعزيز روح التعاون بين الطلّاب. كما أنّ الفرح والحماس الواضحين على وجوه الأطفال يعكس مدى فعاليّتها.
كيف توازنين بين توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ، والحفاظ على الجوانب الإنسانيّة والتفاعل الشخصيّ في التعليم؟
صارت مواكبة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعيّ في التعليم جزءًا أساسيًّا في العمليّة التعليميّة، وأمرًا لا مفرّ منه. ولا شكّ طبعًا أنّ هذه الأدوات تسهم في تقديم أساليب جديدة في العمليّة التعليميّة. ونحن في النهاية لا نريد أن ننشئ جيلًا منفصلًا عن الواقع، ولكنّ المحافظة على الجوانب الإنسانيّة ما تزال أمرًا بالغًا في الأهمّيّة، له دور كبير في ضمان تجربة تعليميّة متوازنة.
وفي هذا السياق، عندما أخطّط للأنشطة في الصفّ بصفتي معلّمةً رياض أطفال، أحرص على أن تكون بيئة التعليم بيئة متكاملة تراعي تنوّع الأساليب والوسائل التعليميّة. فأقوم بتضمين أركان مختلفة، مثل ركن الأنشطة التكنولوجيّة، وركن الأنشطة الحسّيّة، وركن الأنشطة الحركيّة، وركن الأنشطة الإبداعيّة. ولتعزيز التوازن، أمنح الأطفال فرصة المرور على جميع الأركان بشكل دوريّ. هذا التوزيع يضمن تفاعل الأطفال مع مختلف الأنشطة، ويعزّز من قدرتهم على التوازن بين التكنولوجيا والجوانب الإنسانيّة الغنيّة.
في بداية المسار المهنيّ في التعليم، يكتشف المعلّمون ممارسة خطأ يرتكبونها عن حسن نيّة، فماذا اكتشفت؟ وماذا فعلت في ذلك؟
في بداية مسيرتي التعليميّة، كنت أُسرع في تغطيّة المعايير والأهداف التعليميّة، من دون تركيز كافٍ على الجوانب الاجتماعيّة والعاطفيّة لنموّ الطلّاب. ومن دون شكّ أحد أسباب ذلك، أنّه عندما كنّا طلّابًا على مقاعد الدراسة لم نحظَ باهتمام كبير في هذه الجوانب، وبالتالي كان من السهل تجاهلها في بداية رحلتنا التعليميّة.
أمّا عمّا فعلته حيال ذلك، فقد بدأت بتغذيّة هذه الجوانب بنفسي أوّلًا، من خلال قراءة الكتب والمقالات التي تتناول تطوير الجوانب الاجتماعيّة، وتحرير المشاعر، والتي تركّز بدورها على تنميّة هذه المهارات للإنسان بشكل عامّ. حتّى منصّات وسائل التواصل الاجتماعيّ التي أتابعها، أغلبها يتمحور حول النموّ الاجتماعيّ والعاطفيّ. فكان من السهل لاحقًا دمج هذه الجوانب بشكل فعّال وحقيقيّ في ممارساتيّ التعليميّة.
افترضي أنّك تقومين بإعداد ورشة عمل للمعلّمين، ما الموضوعات التي تشعرين بأهمّيّتها لتطوير مهاراتهم التعليميّة، والتفاعل مع الطلّاب؟
من الموضوعات المهمّة التي أحبّ تناولها عند إعداد ورشة عمل للمعلّمين: كيف يمكننا من خلال النشاط القصصيّ، هذا النشاط الذي قد يراه البعض بسيطًا، لكنّه يركّز على جوانب عدّة: تربويّة، وتعليميّة، ونمائيّة، أن نسهم في تطوير مهارات متعدّدة لدى الأطفال وتعزيزها؟ ومنها تحفيز مهارات التفكير وتطويرها، كما تطوير الأداء اللغويّ والتعبير عن المشاعر والتفكير بحلول للمشكلات، إلى جانب تنميّة مهارات الاستماع والخيال، ودعم مهارات القراءة والكتابة. وإضافة إلى عناصر السرد القصصيّ. يجب أن تركز الورشة على الاستراتيجيّات التي سنوظفها ونقوّمها بما يتناسب مع مرحلة رياض الأطفال.
هل ترين أنّ التشبيك والحوار بين المعلّمات والمعلّمين في العالم العربيّ مهمّ في خضمّ ما يمرّ بهِ التعليم من أزمات؟ وهل تقترحين مبادرةً لتحقيق التشبيك بينهم؟
نعم، التشبيك والحوار بين المعلّمين والمعلّمات في عالمنا العربيّ أمران مهمّان للغاية، وخصوصًا بالنسبةِ إلى الدول التي تتعرّض أو تعرّضت إلى أزمات، فهذا بكل تأكيد سيؤثّر، بشكل مباشر، في مواكبة مناهج هذه الدول للتطوّرات التعليميّة العالميّة، وأيضًا التطورات التكنولوجيّة في مجال التعليم. أمّا بالنسبة إلى المبادرات التي يمكن تنفيذها لتحقيق هذا التشبيك، فالمنصّات التعليميّة والدورات التدريبيّة المشتركة بين المعلّمين عن بعد، والمؤتمرات التعليميّة، تؤدّي دورًا هامًّا. ولكن هذه المبادرات ليست كافية بمفردها؛ نحن بحاجة ماسّة إلى إجراءات تتدخّل فيها الحكومات بشكل مباشر، مثلًا إرسال بعثات ميدانيّة لتبادل الخبرات، مع ضرورة التنسيق مع أعضاء البعثة لنقل المعرفة، وبناء برامج تضمن تكرار هذه البعثات. وأقترح أيضًا فتح فروع لمدارس ذات تجارب ناجحة في بلدان أخرى، ما يسهم في تطوير جودة التعليم ونقل الممارسات بشكل مستمرّ.
كيف تتعاملين مع أولياء الأمور وتشجّعينهم على المشاركة في تعليم أطفالهم؟
من بين الممارسات الجميلة والفعّالة التي تتّبعها مدرسة الأكاديميّة العربيّة الدوليّة التي أعمل فيها، تنظيم جلسات تعريفيّة لأولياء الأمور في بداية كل عام دراسيّ، نشرح فيها برنامج المدرسة وتطلّعاتنا وأهدافنا التعليميّة. هذه الجلسات تسهم كثيرًا في كسر الحواجز، وتبني علاقة لطيفة بين المعلّمين وأوليّاء الأمور في بداية العام الدراسيّ.
ومن الممارسات الهامّة أيضًا في هذا السياق مشاركة وليّ الأمر بالتطوّرات التي يحقّقها طفله في مختلف المهارات، من خلال صورة، أو فيديو يوثّق إنجاز الطفل وتقدّمه، يُنشر عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ الرسميّة للمدرسة. هذه المشاركة تعزّز من تفاعل أوليّاء الأمور، وتمنحهم فرصة للاحتفاء بطفلهم بشكل مباشر، وتشجّعهم على الاهتمام أكثر. كما نهتمّ في اجتماعاتنا مع أوليّاء الأمور، بالتركيز على إيجابيّات الطفل. وفي حال كان يواجه تحدّيًا في جانب معيّن، نوضح لوليّ الأمر أنّ هدفنا ليس تقديم ملاحظات سلبيّة عن طفله، إنّما نحن هنا لنتعاون على دعمه، ومساعدته على تحسين أدائه. هذه النقطة عندما تصل لوليّ الأمر ستشعره بالراحة والأمان، ويتحوّل من موقف الدفاع إلى طرف فعّال في العمليّة التربويّة والتعليميّة، وستعزّز الثقة بينه وبين المعلّم.
كيف تُحافظين على عافيتك وصحّتك النفسيّة في ظلّ التحدّيات المستمرّة؟
لا شكّ أنّ التطوّر السريع والتحدّيات المستمرّة في عمليّة التربيّة والتعليم، زادت من ضغوطات العمل والمهامّ الملقاة على عاتق المعلّم، والتي يمكن أن تؤثر في صحّتنا النفسيّة والجسديّة بشكل مباشر أو غير مباشر. نحن بحاجة ماسّة إلى الاهتمام بصحّتنا النفسيّة لضمان الاستمرار في العطاء؛ فالأطفال أوّلًا وأخيرًا يحتاجون إلى معلّم سعيد ومتزّن، وليس معلّمًا مرهقًا ومُسْتَنزفًا.
ولتعزيز صحّتي النفسيّة، أخصّص لنفسي وقتًا يوميًّا بعيدًا عن المهام المدرسيّة والمنزليّة، مهما كان هذا الوقت قصيرًا، بحيث أصبح جزءًا أساسيًّا في يومي. أمارس فيه الرياضة التي بدأت فيها مؤخّرًا، فهي تسهم كثيرًا في تجديد نشاطي. كما أمارس بعض تمارين التنفّس البسيطة بين الحين والآخر، والتي تساعدني على الاسترخاء. وأحبّ كثيرًا الاعتناء بالنباتات المنزليّة، فهذا النشاط من الأنشطة التي تمنحني طاقة إيجابيّة كبيرة. أيضًا القراءة في نهاية اليوم، حتّى لو لعشر دقائق، لكتب تكون غالبًا لا تتعلّق بالتربيّة والتعليم. شعاري دائمًا لتهيئة جيل متوازن: ابدأ بنفسك أولًا.
ما استراتيجيّاتك الشخصيّة لتنظيم الوقت عند تغطية الأعباء المتزايدة؟
أهمّ استراتيجيّة وأفضلها بالنسبة إليّ لتنظيم الوقت هي: التخطيط والكتابة؛ دفتر ملاحظاتي يلازمني من بداية اليوم، أدوّن فيه جميع المهامّ المطلوبة، مهما كانت بسيطة، مع ضرورة ترتيبها حسب الأولويّة، بما يتيح متابعة ما يجب إنجازه. وأكثر ما يشعرني بالإنجاز شطب المهام التي انتهيتُ منها. أشبّه هذه الاستراتيجيّة بشخص توجد أمامه مجموعة من الأوراق المبعثرة والملقاة بطريقة عشوائيّة، واستراتيجيّة كتابة المهام حسب الأولويّة ترتّب الأوراق أمامه بشكل منظّم.
اذكري أثرًا إيجابيًّا لمهنة التعليم في حياتك الشخصيّة، وآخر سلبيًّا.
ما لا يختلف عليه اثنان أنّ مهنة التعليم من المهن الإنسانيّة السامية، تتمتّع بالكثير من الجوانب الإيجابيّة. ولكن، من منظوري الشخصيّ، أراها من أكثر المهن التي تشعرك بالإنجاز العميق. ففكرة أن نلمس التطوّر الواضح على الأطفال بعد أسابيع قليلة، وأن نلاحظ نموّهم الأكاديميّ والشخصيّ بعد فترة قصيرة، والشعور بالإسهام في بناء مستقبل الأطفال وتنمية مهاراتهم، تجربةٌ إنسانيّة ممتعة لا تقدّر بثمن، تمنحني شعورًا بالرضا لا يضاهيه شعور. حتّى التقدير والامتنان اللذان نتلقّاهما من أولياء الأمور، كوننا نتعامل بشكل مباشر مع أبنائهم، يضيفان قيمة كبيرة إلى مهنة التعليم. أمّا عن السلبيّة، فهناك تحدٍّ أواجهه كأمّ، حيث أشعر أحيانًا بأنّ طاقتي قد استنزفت بالكامل خلال ساعات العمل، وأجد صعوبة في متابعة مهامّ أطفالي المدرسيّة، فتحقيق التوازن هنا يحتاج إلى طاقة كبيرة جدًّا.
ما أطرف حادثة حصلت معك في مسيرتك التعليميّة؟
في عالم رياض الأطفال تكاد لا تخلو أيامنا من المواقف الطريفة والبريئة، لكن هناك لحظات تظلّ عالقة في الذاكرة دائمًا. أثناء تدريسي مرحلة الروضة الثانيّة في مدرسة بريطانيّة، حيث الأطفال لا يتجاوزون الخامسة من عمرهم، صادفتني حادثة كانت من أطرف اللحظات وأجملها.
لغة طفلي يوسف الأولى كانت الإنجليزيّة، واللّغة العربيّة التي تعرّض إليها كانت اللهجة العاميّة لبلده. وكانت لديه رغبة كبيرة بالتحدّث دائمًا بالفصحى، خصوصًا أنّنا في الصفّ نستخدم اللغة العربيّة الفصحى والمبسّطة قدر الإمكان. جاءني يوسف صباح أحد الأيام، ويبدو أنه قد تعرّض إلى حادث بسيط في المنزل، وكان يرفع يده بطريقة غريبة. لاحظت وجود خدش بسيط على ذراعه، فسألته: ما بك يا يوسف؟ ما الأمر؟ صمت لثوانٍ وأجاب: معلّمتي هذه هي "واوتي" (طبعًا كلمة "واوا" يقصد بها مكان الخدش). هنا اختلطت مشاعري بين الضحك والفخر من تعبيره البريء، ومحاولته الدائمة للتحدّث بالفصحى في أيّ موقف. هذا اللحظات كفيلة بأن تذكّرنا بأنّ الأطفال يعبرون عن أنفسهم دائمًا بطرق مبدعة ومؤثّرة، وإنّ لم تسعفهم الكلمات.