عبر التاريخ، كان للمعلّمين دورٌ بالغ الأهمّيّة في تعليم الأجيال وتشكيل عقولهم. في الحضارات القديمة، كانوا يُوقَّرون ويُحتَرمون؛ لكن لم تكن لرفاهيّتهم أولويّة. لم يستمرّ الأمر على هذا النحو حتّى القرن العشرين، عندما بدأت المواقف تجاه رفاهية المعلّم تتحوّل، حيث أدّى ظهور النقابات العُمّاليّة، ومجموعات الدفاع عن المعلّمين إلى لفت الانتباه إلى ظروف عمل المعلّمين وصحّتهم العقليّة. ومع ازدياد احترافيّة مجال التعليم، كان هناك اعتراف متزايد بأهمّيّة دعم المعلّمين، من أجل ضمان نجاح الطلّاب (Kell, 2020 & Bethune,).
كما أكدت البحوث الحديثة على أهمّيّة دعم المعلّمين والربط بين رفاهيّتهم وأداء الطلّاب؛ ممّا يجعل تعزيز رفاهيّتهم من الأولويّات في جهود الإصلاح التعليميّ. فغالبًا ما يجد المعلّمون أنفسهم غارقين في متطلّبات المهنة، ويؤثِّر ذلك سلبًا في صحّتهم ورضاهم؛ ممّا ينعكس على جودة التعليم الذي يقدّمونه إلى طلّابهم (Gkonou, 2022 & Brierton).
تُعرَّف رفاهية المعلّم بأنّها الظروف المعرفيّة والنفسيّة والصحّيّة والاجتماعيّة المتعلّقة بعمل المعلّمين ومهنتهم، لما لها من آثار مهمّة في التعليم (OECD, 2021)؛ أي أنّ رفاهية المعلّمين تشمل جوانب مختلفة من صحّتهم الجسديّة والعقليّة والنفسيّة. وتعدّ ساعات العمل الطويلة، وأعباء العمل الثقيلة، ومستويات التوتّر العالية، والضغوط المستمرّة، من التحدّيات الشائعة التي يواجهها المعلّمون يوميًّا. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يضطر المعلّمون إلى التعامل مع طلّاب صعبي المِراس، ومع أولياء أمور متطلّبين، فضلًا عن محدوديّة الموارد، وكلّها أمور يمكن أن تؤثِّر سلبًا في رفاهيّتهم. وبدون الدعم والموارد المناسبة، قد يعاني المعلّمون الإرهاق، وعدم الرضا الوظيفيّ، ومشكلات الصحّة البدنيّة (Green, 2022).
يشكّل خلق بيئة عمل إيجابيّة أحد العوامل الرئيسة في تعزيز رفاهية المعلّم. وعلى المدارس أن تسعى جاهدة لتزويد المعلّمين بالموارد اللازمة، والدعم، وفرص التطوير المهنيّ لمساعدتهم على النجاح في أدوارهم. ويشمل ذلك التدريب المناسب، والتوجيه، وفرص التعاون مع الأقران. بالإضافة إلى ذلك، لا بدّ للمدارس من إعطاء الأولويّة للصحّة العقليّة، ورفاهية المعلّمين، بتوفير الوصول إلى خدمات الاستشارة، وبرامج إدارة التوتّر، ومبادرات الصحّة (Hopman, 2020).
جانب آخر مهمّ لرفاهية المعلّم هو التوازن بين العمل والحياة المجتمعيّة. غالبًا ما يصاب المعلّمون بالضغوط النفسيّة والعقليّة أثناء قيامهم بمسؤوليات متعدّدة، بما في ذلك تخطيط الدروس ووضع الدرجات والاجتماعات والأنشطة اللامنهجيّة. فمن الضروريّ أن يكون لدى المعلّمين الوقت لرعاية النفس والاسترخاء والأنشطة الشخصيّة خارج العمل (Allies, 2020).
علاوة على ذلك، يمكن لتعزيز ثقافة التقدير والثناء أن يؤثّرا كثيرًا في رفاهية المعلّم. يعمل المعلّمون بلا كلل لتعليم طلّابهم وإلهامهم؛ إلّا أنّ جهودهم لا يُعتَرف بها ولا تُقدَّر دائمًا. يجب على المدارس أن تعترف بالعمل الجاد وتفاني المعلّمين وتحتفل به بتقديم الجوائز والحوافز والتقدير العام. يمكن لثقافة التقدير أن تعزِّز الروح المعنويّة والتحفيز والرضا الوظيفيّ بين المعلّمين (Gregersen & Mercer, 2020).
المراجع
- Allies, S. (2020). Supporting Teacher Wellbeing: A Practical Guide for Primary Teachers and School Leaders. Taylor & Francis.
- Gkonou, C. and Brierton, K. (2022). Cultivating Teacher Wellbeing Paperback: Supporting Teachers to Flourish and Thrive. Cambridge University Press.
- Green, A. (2022). Teacher Wellbeing: A Real Conversation for Teachers and Leaders. Amba Press.
- Gregersen, T. and Mercer, S. (2020). Teacher Wellbeing. Oxford University Press.
- Hopman, J. (2020). Surviving Emotional Work for Teachers: Improving Wellbeing and Professional Learning Through Reflexive Practice. Taylor & Francis Group.
- Kell, E. and Bethune, A. (2020). A Little Guide for Teachers: Teacher Wellbeing and Self-care. SAGE Publications.
- OECD (2021). OECD Review of Well-being Policies and Practices in Dubai’s Private School Sector. OECD publishing.