لم يبقَ التدريس المباشر الوسيلة الوحيدة لتعليم الطلاب، بلّ بات من الضروريّ الاستعانة بأساليب واستراتيجيّات تعلّم جديدة، وقادرة على تحقيق المطلوب من الدرس. ومن هُنا، جاءت أهمّيّة تنويع المعلّم في الأساليب المستخدمة في الغرفة الصفّيّة، ذلك لإعطاء فرص أفضل للطلّاب ليتمكّنوا من التعرّف إلى نتاجات الدرس بصورة فرديّة أو جماعيّة. وهو أمر يمكن تحقيقه من خلال توظيف مهاراتهم الشخصيّة، وقدرتهم على الإدراك، والتعلّم بالبحث والاكتشاف. لذلك، يحتاج المعلّم إلى توظيف أكثر من أسلوب تعلّم وتعليم في آنٍ واحدٍ، ومنها التعلّم باللعب.
كيف يكون التعلّم باللعب؟
من واقع عملي وخبرتي في العمل معلّمًا، أرى أنّ الفكرة السائدة عن التعلّم باللعب هي ربطهُ مع تدريس الصفوف الثلاثة الأولى، والمرحلة الدراسيّة المبكّرة، كمرحلة رياض الأطفال. أمّا في الحقيقة، فإنّه قابل للتطبيق في جميع المراحل الدراسيّة، ولكن مع توظيف الأدوات المناسبة لكلٍّ منها؛ فما ينجح استخدامه مع طالب في الصفّ الخامس، قد يصعبُ مع طالب في المرحلة الإعداديّة، وهكذا لكلّ مرحلة وسائلها وأدواتها أثناء تطبيق التعلّم اللعب.
ويكون التعلُّم باللّعب من خلال توظيف نشاط أو مجموعة أنشطة تعليميّة، تحاكي قدرات الطالب ومهاراته. ويكون ذلك من خلال الربط بين النتاجات المطلوبة في الدرس، والأنشطة المتوافقة معها بتوظيف الألعاب التعليميّة، القادرة على تعزيز فهم الطلّاب للمعرفة التي يتلقّونها. وأرى أنّ هذا النمط في التعلّم، يعدّ من الوسائل التي تزيد استمتاع الطالب بالدراسة، بغضّ النظر عن مرحلته العمريّة، كما يسهم في صقل شخصيات الطلّاب بإعطائهم القدرة على التعبير عن أنفسهم، باستخدام وسائل اللعب المتنوّعة.
وسائل التعلّم باللعب
أهتمُّ خلال حصصي بتوظيف التعلّم باللعب لمساعدة الطلبة على فهمهم الدرس، وتمكينهم من نتاجاته. ووجدتُ أنّ هذا النوع من التعلّم مفيدٌ جدًّا لدوره في محاكاة الدرس واقعيًّا؛ أي تحويله من نصّ جامد إلى تطبيق حقيقيّ. ففي درس المقصف المدرسيّ في مادّة التربية المهنيّة، وظّفتُ نمط التعلّم بتمثيل الأدوار. قسّمتُ الطلّاب إلى مجموعتين: المجموعة الأولى البائعون، وهم المسؤولون عن بيع الطعام والمواد الغذائيّة لزملائهم. والمجموعة الثانية المشترون، والذين يشترون البضاعة المعروضة من قبل زملائهم في المجموعة الأولى. وهكذا تمكّنتُ من تعليم الطلّاب كيفية الشراء والبيع، والتعامل في السوق، من خلال تطبيق نشاط أسهم في إيصال النتاجات والمهارات المطلوبة بطريقة سهلة وبسيطة وممتعة.
ومن الوسائل الأخرى للتعلّم باللعب، توظيف ألعاب الذكاء، مثل: البطاقات الملوّنة. في درس التعرّف إلى الخضراوات والفواكه، مثلًا، أعدّدتُ مجموعة من البطاقات، والتي يحتوي جزءٌ منها على أسماء خضراوات وفواكه، والجزء الآخر صورًا لها، ثم أعطيتُ كلّ طالبٍ بطاقة بشكل عشوائيّ، وطلبتُ إلى كلّ طالبين يحملان البطاقتين المتطابقتين معًا الوقوف متجاورين، ثمّ قراءة المحتوى المدوّن على البطاقات أمام زملائهم في الصفّ. وأعدتُ تنفيذ النشاط حتّى شارك فيه جميع الطلّاب، وهكذا تمكّنتُ من تعزيز التعاون بينهم، وتشجيعهم جميعًا على المشاركة، وكسر حاجز الخجل أو الخوف لديهم. وكثيرة الوسائل الأخرى التي يمكن توظيفها في استراتيجيّة التعلّم باللعب، ويجب على المعلّم اختيار المناسبة منها، وتوظيفها بما يحقّق أهداف الدرس.
أهمّيّة التعلّم باللعب لدى الطلّاب
يعدّ تطبيق التعلّم باللعب من الاستراتيجيّات المهمّة في الغرفة الصفّيّة أو قاعة التدريس، لأنّه يزيد تفاعل الطلّاب مع البيئة التعليميّة ومصادر التعلّم. كما أنّ اللعب يُصنّف من بين الوسائل التي تساعدُ الطالب على إدراك المفاهيم المتنوّعة، والتمكّن من فهم معانيها، والتعرّف إلى طبيعة الأشياء المحيطة فيه. ومن تجربتي في توظيفه أداةً تعليميّة، وجدتُ أنّ أهمّيّته تظهرُ في تقليل الفروقات الفرديّة بين الطلّاب، لمقدرته على التكامل مع مهارات كلّ طالب، ما بدا واضحًا عندما وظّفتُهُ في تطبيق الأنشطة والتمرينات العمليّة، والتي شارك فيها الطلّاب، بغضّ النظر عن اختلاف مهاراتهم الشخصيّة.
في السياق ذاته، أخبرني زميلي معلّم مادّة الرياضيّات، أنّه وظّفَ التعلّم باللعب في تدريس الطلّاب الأشكال الهندسيّة، باستخدام مجسّمات للمثلّثات، والمربّعات، والدوائر، والمستطيلات، ثمّ طلب من الطلّاب رسمها في دفاترهم بالطريقة التي تناسب كلًّا منهم، ما أوجد تفاعلًا ملحوظًا في الصفّ، وأدّى إلى تنشيط قدراتهم، وزاد من رغبتهم في التعلّم. ولم يظل تعلّم كيفية رسم الأشكال الهندسية مقتصرًا على نقلها بشكل تقليديّ من الكتاب، بل صار بإمكان الطالب أن يُطلقَ العنان لأفكارهِ، وموهبته، كما بات أكثر قدرةً على تنمية إبداعه في توصيل ما يفكّر فيه، بأفضل الطرق وأكثرها سهولة، بما يتوافق مع مهاراته وقدراته.
دور التعلّم باللعب في تنمية مهارات الطالب
أرى أنّ التعلّم باللعب يُنمّي مهارات الطالب بدورِهِ في تطويرها. وقد صنّفها عالم النفس التربويّ جان بياجيه في مهارات معرفيّة، واجتماعيّة، وتواصليّة حركيّة. وهي مهارات مكتسبة ومتفاوتة بين الطلّاب، فيطوّرها التعلّم باللعب بدوره. تتطوّر المهارات الفكريّة باستخدام ألعاب الذكاء، كالكلمات المتقاطعة، بالبحث عن المفاهيم المطلوبة من الدرس بطريقة غير تقليديّة وبعيدة عن التلقين، ما يغذّي فكر الطالب ويضيف إليه المعلومات بيسر. ويعزّز اللعب مهارات التواصل والحركة، من خلال التفاعل في الصفّ بالحوار والنقاش وتبادل الآراء، والحركة أثناء تنفيذ النشاط أو اللعبة التعليميّة، ما يجعل الطالب اجتماعيًّا أكثر، ويقبل التعاون مع الآخرين، ويتفاعل مع الأنشطة التي تتطلّب عملًا جماعيًّا.
بناءً على ما سبق، ومن خلال متابعتي لطلّابي، تحديدًا أصحاب الشخصيّات الخجولة، أو الذين يميلون إلى الصمت أكثر من الكلام، أو من لم يكتشفوا مواهبهم وهواياتهم، بدا واضحًا أنّ لتطبيق التعلّم باللعب دورًا إيجابيّا في شخصيّاتهم؛ فتغيّرت مجموعة منهم إلى الأفضل، وصار بإمكانهم التعبير عن أنفسهم بسهولة، وقد تخلّص بعضهم من التوتّر والشعور برهبة التفاعل مع الآخرين، وقد وجد عدد منهم الطريقة المناسبة للتعبير عمّا يريدون قوله أو فعله. وهكذا يكون التعلّم باللعب من أهمّ استراتيجيّات التدريس التي توسّع آفاق الطلّاب، ليصير كلّ طالبٍ قادرًا على إثبات ذاته، ما يزيد من رغبته في التعلّم والتعليم.