لو طُلب مني معنى دمج التعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ في التعليم، في ثلاث كلمات لا أكثر، سأقول: "تهيئة الطلّاب للحياة". لطالما كان هدف التعليم الأكبر هو الجانب الأكاديميّ العلميّ، مقابل إهمال الجانب الوجدانيّ الاجتماعيّ، ربما من دون قصد؛ فالأعباء الملقاة على كاهل المعلّمين والإدارة التعليميّة كثيرة.
وممّا لا شك فيهِ أنّ الذكاء العقليّ يدفعُ إلى النجاح، لكنّ الذكاء العاطفيّ الاجتماعيّ يدفعُ إلى الحياة. فماذا لو اجتمع الذكاء الأكاديميّ مع الذكاء العاطفيّ والذكاء الاجتماعيّ؟ بالطبع سيتغيّر الكثير.
كم وددتُ وأنا طالبة صغيرة، لو أنّهم علّموني بجانب المعلومات، كيف أتعرّف إلى مشاعري وأعبّر عنها وأفرّغها بشكلٍ إيجابيّ. وددت لو أنّهم علّمونا كيف نسامح ونعفو عند الغضب، فقلوبنا لا يليق بها إلّا البياض. وددت لو أنّهم علّمونا كيف نتقبّل النقد وننظرُ إلى نصف الكوب الممتلئ، وكيف نتقبّل اختلافات الآخرين، ونتعاطف، فكلّنا سواسية، والاختلافات بيننا تجعلنا نتكامل. وهذا هو الهدف من دمج التعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ في التعليم: أن يدرك المعلّمون والطلّاب والأهل والمجتمع، أنّ النجاح الأكاديميّ وحده لا يكفي للحكم على شخص بأنّه ناجح في حياته. سنة 1995، صرح دانيال جولمان، مؤلّف كتاب الذكاء العاطفيّ، بأنّ الذكاء مؤشّر ثانويّ فقط للنجاح في الحياة، إذ تُشير المهارات العاطفيّة والاجتماعيّة بشكل أفضل بكثير إلى النجاح. وكما قال أرسطو "المهارة النادرة هي أن تكون غاضبًا مع الشخص المناسب، بالدرجة الصحيحة، في الوقت المناسب، للغرض المناسب وبالطريقة الصحيحة".
تعريف التعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ SEL
هو تزويد الطلّاب بالمهارات اللازمة لمعرفة المشاعر ونقاط القوّة والضعف وإدارة المشاعر، والشعور بالآخرين، وتكوين العلاقات الصحّيّة الإيجابيّة، واتّخاذ خيارات مسؤولة.
كيف يمكن دمج التعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ في التعليم
يمكن دمج المهارات العاطفيّة والاجتماعيّة في التعليم من خلال كفايات أساسيّة خمسة، وهي:
1. الوعي بالذات؛ أن يكون الطالب قادرًا على معرفه مشاعره ونقاط قوّته ونقاط الضعف. ويمكن توظيف أنشطة صفّيّة عديدة تُشجّع كفاية الوعي الذاتيّ، مثل نشاط فحص المشاعر، ونشاط تمثيل المشاعر، ونشاط دولاب المشاعر.
2. كفاية إدارة الذات؛ وهي قدرة الطالب على تشجيع نفسه، والتحكّم في مشاعره المختلفة. ويمكن للمعلّم تعزيز هذه المهارة من خلال عدّة أنشطة، مثل نشاط ميزان الحرارة، ونشاط دائرة القوّة، ونشاط قراءة القصص.
3. كفاية الوعي الاجتماعيّ؛ وهي تزويد الطالب بالمهارات اللازمة كي يشعر بالتعاطف مع الآخرين، والإحساس بهم في المواقف المختلفة. ويمكن تعزيز هذه الكفاية من خلال أنشطة لعب الأدوار التي يطبّقها المعلّمون بكثرة خلال العام الدراسيّ، وأيضًا نشاط التشابه والاختلاف.
4. كفاية إدارة العلاقات؛ وهي قدرة الطالب على بناء علاقات إيجابيّة صحّيّة مع المعلّمين وزملائه وأصدقائه، ويتعدّى ذلك للمجتمع. ويمكن تعزيز هذه الكفاية من خلال نشاط بالونات الهواء، ونشاط الكراسي، والأعمال الجماعيّة داخل المدرسة، مثل الرسم والتنظيف.
5. كفاية اتّخاذ القرارات المسؤولة؛ وتعني قدرة الطالب على اتّخاذ قرار، بعد الأخذ بعين الاعتبار جميع العوامل المحيطة، وتقييم المخاطر بدقّة. ويمكن تعزيز هذه الكفاية من خلال عدّة أنشطة، مثل نشاط w/m، ونشاط نتحاور معًا.
من خلال تجربة دمج التعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ في التعليم: ما الآثار الإيجابيّة؟
بعد خوضي تجربة دمج التعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ في التعليم، أشعرُ أنّني اختلفت عن قبل. تغيّرت نظرتي للحياة والتعليم، بعد إن اقتصرت سابقًا على تحصيل العلامات. وتوسّعت إلى ملاحظة الطالبات اللواتي يتمتّعن بذكاء اجتماعيّ، القادرات على تكوين علاقات ايجابيّة صحّيّة مع زميلاتهنّ. وهذا ما أحاول غرسه في الطالبات، فمجرّد وجود علاقات جيّدة مع الآخرين بعيدًا عن تحصيلك الأكاديميّ، يعني بحدّ ذاته أنّك ذكيّ عاطفيًّا واجتماعيًّا.
لاحظت زيادة قدرة الطالبات على ضبط النفس، ولا سيّما في المواقف التي تتطلّب الهدوء، حتّى إنّ بعض الطالبات بدأن في ابتكار أفكار تساعد على الاسترخاء وضبط النفس عند الشعور بالغضب.
المهارات الاجتماعيّة زادت من التعاون والمحبّة بين الطالبات، واستُغلّت بشكل جيّد في مساعدة مرتَفِعي التحصيل لضعاف التحصيل، ومدّ يد العون. فلا شكّ أنّ كلّ شخص منّا يستطيع تحقيق الكثير لو وجد شخصًا يؤمن به، ويربط نجاحه به. وهذا هو الهدف من دمج المهارات الوجدانيّة العاطفيّة؛ تحسين الجانب الأكاديميّ، وصنع أشخاص قادرين على مواجهة الحياة بأنفسهم حين يتطلّب الأمر. ففي كلّ مرّة نذكر الطالب بلوحة القوانين وأهمّيّتها، وأنّه يجب أن يحترم غيره، نغرس فيه مهارة الضبط الذاتيّ التي تقلّل من عدد المرات التي ينفعل فيها، وبالتالي تقلّل من عدد المشاكل داخل الصفّ، وبالتالي نقلّل عدد المرات التي نلجأ فيها إلى المرشد. وطموحنا لا يقتصر على البيئة التعليميّة، بل يتعدّاها إلى الأسرة والمجتمع، فمن يرِد تغيير العالم عليه أن يبدأ بنفسه.