تعتبر تنمية المعلّم مهنيًّا من أهمّ العوامل التي تؤثّر في جودة التعليم وتحسين النتائج التعليميّة، إذ يعتبر المعلّم العنصر الأساس في عمليّة التعليم والتعلّم؛ فهو ينقلُ المعارف، وينمّي مهارات الطلّاب، من هنا، عليه أن يكون مؤهلًّا ومتميّزًا في مجال عمله. وتُعدّ برامج الإعداد والتدريب للمعلّمين أدوات أساسيّة في تنمية مهاراتهم وقدراتهم، تهدف إلى تطويرهم وتحسين أدائهم في الصفّ الدراسيّ. ولكن عزيزي القارئ، هناك سؤال يطرح نفسه: ما الذي تسعى هذه البرامج إلى تنميته لدى المعلّمين؟ هل هي تسعى إلى تطوير الكفايات أم الكفاءات؟
يُستخدم مفهومَي الكفايات والكفاءات في سياق التطوير والتنمية في مهارات المعلّمين وقدراتهم. وعلى الرغم من كونهما متشابتهين بالنسبة إلى التربويّين، إلّا أنّ لكلّ منهما معنى مختلفًا، وأهدافًا محدّدة.
تعني الكفاياتُ المعرفةَ والمهارات الأساسيّة التي يحتاج إليها المعلّم لأداء وظيفته بفعاليّة، وعلى سبيل المثال: على المعلّم أن تكون لديه معرفة جيّدة بالمناهج الدراسيّة، وأساليب التدريس، وتقنيّات التقويم. كما تتعلّق الكفايات أيضًا بالقدرة على إدارة الصفّ، والتفاعل مع الطلّاب، والتعامل مع التحدّيات المختلفة التي قد يواجهها في العمليّة التعليميّة.
بينما تعني الكفاءاتُ القدرةَ على تطبيق هذه الكفايات بفعاليّة وفاعليّة في الواقع التعليميّ. فالمعلّم الكفء هو من يستطيع تحويل المعرفة والمهارات التي يمتلكها إلى تجارب تعليميّة مثمرة وملهمة للطلّاب. ويعتمد ذلك على قدرته على توظيف أساليب تدريس مبتكرة، وتقديم محتوى تعليميّ متنوّع، وملائم لاحتياجات الطلّاب.
وبالنظر إلى ما سبق، نجد أنّ الكفاية في مستوى أقلّ من الكفاءة؛ فالكفاية تمثّل الحدّ الأدنى من الأداء، بينما الكفاءة هي الحدّ الأعلى، والكفاءة هي الوصول إلى مستوى يفوق الكفاية.
وإجابة على السؤال المطروح، نرى أنّ برامج إعداد المعلّمين وتدريبهم تسعى إلى تنمية الكفايات والكفاءات على حدٍّ سواء، فهي تهدف أوّلًا إلى تزويد المعلّمين بالمعرفة والمهارات الأساسيّة التي يحتاجون إليها لأداء عملهم بفعاليّة. وتعتبر هذه الكفايات أساسًا لتطوير الكفاءات، وتحقيق التفوّق التعليميّ.
ومع ذلك، يجب ألّا نغفل عن أهمّيّة تطوير الكفاءات لدى المعلّمين، فالكفاءات هي التي تُمكّن المعلّم من تحقيق التميّز والابتكار في العمليّة التعليميّة. ولتطوير هذه الكفاءات، يجب أن تتضمّن برامج الإعداد والتدريب للمعلّمين فرصًا للتعلّم المستمرّ، والتطوير المهنيّ. كما يجب أن تشجّع هذه البرامج المعلّمين على تحسين ممارساتهم التعليميّة، وتجربة أساليب جديدة وابتكارات في الصفّ الدراسيّ.
وتتضمّن كفايات المعلّم العديد من الجوانب المختلفة التي يجب عليه تطويرها لتصبح كفاءات. ومن هذه الجوانب ما يلي:
- - المعرفة الأكاديميّة، أو المعرفة المتخصّصة في مجال التخصّص الذي يدرّسه المعلّم. ويجب أن يكون المعلّم ملمًّا بمستجدّات المعارف في مجال تخصّصه، وأن تكون لديه القدرة على توصيل هذه المعرفة بشكل فعّال إلى الطلّاب.
- - المعرفة التربويّة، كأن يكون قادرًا على تخطيط الدروس وتنظيمها بشكل منهجيّ ومناسب لاحتياجات الطلّاب. كما يجب أن تكون لديه القدرة على استخدام أساليب تدريس متنوّعة ومبتكرة، لجعل الدروس مشوّقة ومفيدة للطلّاب. فضلًا عن التمتّع بالقدرة على تقييم تحصيل الطلّاب، وتحليل نتائجهم، لتحديد نقاط القوّة والضعف، واتّخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين الأداء.
- - مهارات إدارة الصفّ والتفاعل مع الطلّاب، كأن يكون قادرًا على خلق بيئة صفّيّة إيجابيّة، ومحفّزة للتعلّم، وأن تكون لديه القدرة على التعامل مع التحدّيات والصعوبات التي يمكن أن تواجهه في الصفّ، ومهارات الاتّصال الجيّدة، والقدرة على التواصل بشكل فعّال مع الطلّاب، والوالدين، وزملاء العمل.
في الخِتام، على المؤسّسات التربويّة الاهتمام بتطوير برامج تنمية المعلّم، وتوفير الدعم اللازم لهم، وتقديم الحوافز والمكافآت المناسبة لتحفيزهم على العمل بجدّية، وتشجيع المبدعين والمتميّزين في هذا المجال، لتحقيق أفضل النتائج في العمليّة التعليميّة، وتأهيل الأجيال الجديدة لمستقبل أفضل.