يمكن أن يكون التدريس مهنة وفي الوقت ذاته رسالة، بالنسبة إلى البعض؛ العمل معلمًا مجرّد وظيفة يقوم بها لكسب العيش، وتأمين احتياجاته المادّيّة. ومع ذلك، هي للبعض الآخر أكثر من مجرد وظيفة، إذ يرونها رسالة أو مهمّة في الحياة.
التدريس أكثر من مجرّد مهنة؛ إنّه مهمّة لها القدرة على تشكيل العقول وتغيير الحياة.
بالنسبة إلى مَن يرى التدريس مهنةً، فإنّه يعمل معلمًا لأسباب اقتصاديّة بحتة. يعتبر التدريس مجرّد وسيلة للحصول على دخل، وتأمين مستقبله الماليّ. بالطبع هذا لا يعني أنّه لا يبالي بتعليم الطلّاب، وبتقديم المساعدة على التعلّم. فهو يسعى لتقديم التعليم بأعلى جودة ممكنة؛ ولكنّ الجانب المهنيّ للتدريس هو الأكثر أهمّيّة بالنسبة إليه.
أما بالنسبة للّذين يرون التدريس رسالة أو مهمّة في الحياة، فإنّهم يعتبرونه فرصة للتأثير الإيجابي في حياة الآخرين؛ إذ يرون التعليم وسيلةً لتغيير العالم، وتحسين المجتمع. ويشعرون برغبة شديدة في مشاركة المعرفة، والمهارات، والقيم الخاصّة بهم مع الطلّاب، ومساعدتهم على النموّ والتطوّر. بالنسبة إلى هؤلاء المعلّمين، التدريس تفانٍ في خدمة الآخرين، ومساهمة في بناء مستقبل أفضل.
وفي رأيي، ثمّة عديد من العوامل التي يمكن أن تؤثّر في رؤية المعلّمين إلى التدريس، سواء كان مهنة أو رسالة. ومن بين هذه العوامل:
- - الشغف والاهتمام: إذا كان الشخص مهتمًّا بالتعليم، ومتحمّسًا لمشاركة المعرفة، والمساعدة في نموّ الآخرين، فقد ينظر إلى التدريس على أنّه رسالة؛ إذ أنّ الشغف يمكن أن يدفع بالشخص إلى تخطّي التحدّيات، والصعوبات، والتفاني في العمل التعليميّ.
- - التأثير الإيجابي: أحد العوامل الرئيسة التي تدفع بالبعض إلى رؤية التدريس رسالة؛ إذ أنّه الرغبة في التأثير الإيجابيّ في حياة الآخرين، والإسهام في تحسين المجتمع من خلال التعليم. وهم يرون التدريس فرصةً لتغيير العالم بشكل إيجابيّ.
- - الرغبة في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصيّة. فقد ينظر بعض الأشخاص إلى التدريس على أنّه مهنة ناجحة؛ كونها توفر فرصة لتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصيّة. فقد يكون للتدريس ساعات عمل مرنة، وعُطل مدرسيّة، وفرص للتطوّر المهنيّ.
- - الاحترام والتقدير: قد يؤثر الاحترام والتقدير من الطلّاب والمجتمع في رؤية الشخص للتدريس، إذا كان المعلّم يشعر بأنّ جهوده محلّ تقدير واحترام، وأنّ لعمله تأثير إيجابيّ؛ فقد ينظر إلى التدريس على أنّه رسالة، ويعمل بتفانٍ أكبر.
- - الظروف المادّيّة: قد تؤثّر الظروف والحوافز المادّيّة المتاحة في المهنة في رؤية الأشخاص إلى التدريس، إذا كانت الرواتب والمزايا الماليّة تلبّي توقّعاتهم، وتسهم في تحسين مستوى معيشتهم، فقد يرون التدريس مهنةً مرغوبة.
كما يمكنك – عزيزي القارئ/ المعلّم –تحسين رؤيتك إلى التدريس؛ أي تطوير رؤية أكثر وضوحًا وإلهامًا لما ترغب في تحقيقه معلمًا. فهي عملية تستغرق الوقت والتفكير الذاتيّ لفهم أهدافك، وقيمك، وكيفيّة تطبيقها في مجال التدريس. لذا نقدم إليك بعض النصائح التي من شأنها أن تساعدك في تحسين رؤيتك إلى التدريس مهنةً أو رسالةً:
- - اكتشف شغفك: حاول اكتشاف المجالات التي تثير اهتمامك، وتثير شغفك بالتدريس. فعندما تتعرّف إلى موضوع محدّد، أو تشارك معرفتك به، تشعر بالحماس والإثارة؛ لذا اختر مجالًا يعكس اهتماماتك وشغفك الشخصيّ.
- - تواصل مع زملائك: أبحث عن فرص للتواصل مع معلّمين آخرين، وشارك الفِكَرِ والتجارب، الأمر الذي يكسبك الدعم، والتشجيع، وإلهامًا جديدًا يعزّز رؤيتك إلى التدريس.
- - تحسين مهاراتك التدريسيّة: اعمل على تطوير مهاراتك التدريسيّة وتحسينها، من خلال حضور ورش العمل، والدورات التدريسيّة، واستكشاف أحدث الطرائق والأساليب التعليميّة. كما يمكنك البحث عن فرص التدريب المستمرّ لتحسين معرفتك ومهاراتك في مجال التدريس.
- - تواصل مع الطلّاب: حاول بناء علاقة وثيقة مع الطلّاب، والتواصل معهم بشكل فعّال. استمع إلى فِكَرهم، واحتياجاتهم، واستفساراتهم، وحاول تقديم الدعم والمساعدة. قد يكون التفاعل المباشر مع الطلّاب وملاحظة مؤثّر فيهم مصدر إلهام لك، يعزّز رؤيتك إلى التدريس.
- - ابحث عن المعنى العميق: حاول تذكّر الأهداف الرئيسة، والقيم التي تدفعك إلى ممارسة التدريس. قد تكون لديك رؤية أكبر للتأثير الإيجابي الذي يمكن أن تحقّقه من خلال عملك التعليميّ. لكن تذكّر أنّ تربية الأجيال القادمة وتمكينهم، يعتبر مهمّة قيّمة، وتستحقّ كلّ العناء.
- - التوازن بين العمل والحياة الشخصيّة: حافظ على التوازن الصحّيّ بين العمل والحياة الشخصيّة. قم بتحديد الحدّ الزمنيّ للعمل، والوقت الذي تقضيه مع عائلتك وأصدقائك، وفي أنشطتك الشخصيّة. يساعد الحفاظ على التوازن في تجنّب الإرهاق، والاحتراق المهنيّ، ويساعدك في الاستمرار في رؤيتك الإيجابيّة إلى التدريس.
- - استمتع بالتحدّيات: قد تواجه تحدّيات وصعوبات في مهنة التدريس. ولكن، حاول أن تنظر إلى هذه التحدّيات على أنّها فرص للنموّ والتطوّر. قد تكون هذه التحدّيات فرصًا لتحسين مهاراتك، وابتكار طرائق جديدة للتدريس. استمتع بالعمل الصعب، واعتبره فرصة للتطوّر الشخصيّ والمهنيّ.
- - استمرّ في التعلّم: العالم التعليميّ متغيّر وديناميكيّ. لذا يُنصح بأن تستمرّ في التعلّم، ومواكبة التطوّرات في مجال التعليم. ابحث عن المنصّات التعليميّة، والمصادر الموثوقة لتطوير معرفتك وفهمك لمستجدّات الأبحاث والممارسات التعليميّة.
- - حافظ على روح الإبداع: حاول أن تكون مبدعًا في أسلوبك التدريسيّ، وفي الأنشطة، والموادّ التعليميّة التي تستخدمها. استخدم تقنيّات وأساليب تفاعليّة ومبتكرة، لجعل عمليّة التعلّم ممتعة وملهمة للطلّاب.
نهاية القول
التدريس أكثر من مجرّد مهنة. إنّه رسالة، فرصة لتأثير إيجابيّ في حياة الطلّاب، وتشكيل مستقبلهم. عندما تعمل معلمًا، أنت تحمل مسؤوليّة كبيرة في تعليم الأجيال القادمة وإرشادها، وتأثيرك يمتدّ بعيدًا عن القاعة الدراسيّة؛ حيث تسهم في تنمية المهارات والقدرات والقيم لدى الطلّاب. الأمر الذي يمكّنهم من مواجهة التحدّيات وتحقيق أحلامهم.
وعندما تعتبر التدريس رسالة ستستمتع بالتواصل مع الطلّاب، وتلبية احتياجاتهم، ومساعدتهم على اكتشاف قدراتهم الحقيقيّة، وستكون قادرًا على تشجيع الفضول والاستكشاف والتفكير النقديّ لديهم، ما يعزّز تجربتهم التعلّميّة، ويساعدهم على التطوّر الشخصيّ والأكاديميّ.