اللعب الفوضويّ فرصة فريدة للتعلّم والتطوير
اللعب الفوضويّ فرصة فريدة للتعلّم والتطوير

في عالم التعليم في مرحلة الطفولة المبكِرة، هناك كنز من الأنشطة التربويّة التي غالبًا ما يُتغاضى عنها أو يُستهان بها. أهمّها اللعب الفوضويّ الذي يشمل مجموعة واسعة من التجارب الغنيّة بالحواس التي لا تُثير اهتمام الأطفال فحسب، بل توفِّر لهم فرصًا استثنائيّة للتعلّم والتطوير أيضًا. 

 

بمَ يتميّز اللعب الفوضويّ عن غيره من طرق اللعب؟  

قد يبدو اللعب الفوضويّ للوهلة الأولى نشاطًا عشوائيًّا، ولكن في باطنه يحمل عددًا لا يُحصى من الفوائد التي تسهِم في نموّ الطفل المعرفيّ والجسديّ والاجتماعيّ والعاطفيّ. ومن الواجب هنا التنويه إلى الفرق بين اللعب الفوضويّ والأنشطة المؤذية، حيث يتضمّن اللعب الفوضويّ أنشطة عشوائيّة تنطوي على اتّساخ الأيدي والملابس، إلّا أنّه يختلف اختلافًا واضحًا عن الأنشطة التي تسبِّب الضرر. صُمِّم اللعب الفوضويّ ليكون آمنًا ومفيدًا للأطفال، وذلك باستخدام موادّ غير مؤذية، حيث يُجرَى تحت إشراف مناسب لضمان سلامة الطفل.  

 

الآن، دعونا نتعمّق في الأسباب التي تجعل من اللعب الفوضويّ فرصة تعليميّة لا تعوّض:  

 

الاستكشاف الحسّيّ 

يشغّل اللعب الفوضويّ عدّة حواس في وقت واحد؛ ممّا يوفِّر للطفل تجربة حسّيّة غنيّة بالتجارب المعرفيّة، سواء أكان ذلك اللعب بالطين أم رشّ المياه، حيث يُعدّ ذلك فرصة للأطفال لاستكشاف ملمس المواد المختلفة وطبيعتها. يضع هذا الاستكشاف الحسّيّ أساس التكامل الحسّيّ والقدرة على معالجة المعلومات الحسّيّة وفهمها، وهي مهارة تنمويّة رئيسة.  

 

الإبداع والخيال  

لا توجد قواعد أو قيود في عالم اللعب الفوضويّ. لذلك، يتمتّع الأطفال بحرّيّة غير محدودة لإطلاق العنان لخيالهم في تحويل كومة من الرمل إلى قصر، أو جعل لوحة كانفاس تحفة فنّيّة. تعزِّز هذه الحرّيّة إبداع الطفل، وتسمح له بالتجربة والتعبير عن نفسه بطرق جديدة وفريدة. فعند انخراط الطفل في أنشطة اللعب المفتوح، يتعلّم التفكير خارج الصندوق، بالإضافة إلى تطوير مهارات التفكير الإبداعيّ الأساسيّة لحلّ المشكلات والابتكار.  

 

المهارات الحركيّة الدقيقة والإجماليّة  

تتطلّب أنشطة اللعب الفوضويّة من الأطفال استخدام مجموعة متنوّعة من المهارات الحركيّة لتأدية الأنشطة المتنوّعة. سواء أكان الرسم أم الحفر في الرمل أم غير ذلك، حيث يطوِّر الأطفال تنسيقًا ذكيًّا بين اليد والعين، وقوّة القبضة، والوعي المكانيّ. لا تُعدّ هذه المهارات الحركيّة ضروريّة لمهمّات، مثل الكتابة وربط أربطة الحذاء وحسب، بل تضع أساس الأنشطة البدنيّة الأكثر تعقيدًا مع نموّ الطفل. 

 

المهارات الاجتماعيّة والتنظيم العاطفيّ 

غالبًا ما يحدث اللعب الفوضويّ في مجموعات؛ ممّا يوفِّر فرصًا قيّمة للتفاعل الاجتماعيّ والتعاون. عندما ينخرط الأطفال في أنشطة تعاونيّة مثل بناء القلاع الرمليّة أو مزج الألوان معًا، حيث يتعلّمون التواصل والتفاوض والعمل معًا لتحقيق هدف مشترك. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون اللعب الفوضويّ بمثابة منفذ للتعبير العاطفيّ؛ ممّا يسمح للأطفال بإطلاق طاقاتهم المكبوتة بطريقة آمنة وصحّيّة. يطوِّر الأطفال، بهذه العمليّة، المهارات الاجتماعيّة الرئيسة ويتعلّمون كيفيّة تنظيم عواطفهم. وهو ما يُعدّ جانبًا حاسمًا من النموّ الاجتماعيّ والعاطفيّ. 

 

حلّ المشكلات والتفكير الناقد 

لا يسير كلّ شيء وفق تخطيط طفلك، ولكن، بدلاً من رؤية هذه المشكلات كعقبات، يتعلّم الأطفال في هذه السنّ المبكِرة النظر إليها فرصًا للابتكار وإيجاد الحلول بذكاء. ذلك لأنّهم يتعلّمون بالأنشطة التي يحبّونها فعلًا، وليس بالكتب والأوراق. يشجِّع اللعب الفوضويّ الأطفال على التفكير الناقد، والتكيّف مع المواقف الجديدة، وعدم الاستسلام أمام التحدّيات.  

 

تعزيز تطوير اللغة  

تُشكِّل بيئات اللعب الفوضويّة فرصًا مثاليّة لتطوير اللغة، فعندما ينخرط الأطفال في أنشطة مختلفة، يبدؤون بوصف ما يرونه ويشعرون به ويفعلونه. علاوة على ذلك، تسهِّل جلسات اللعب الجماعيّة الفوضويّة التواصل والمحادثة بين الأقران، وتعزِّز توسيع المفردات، وبناء الجمل، ومهارات سرد القصص والأحداث.  

 

تشجيع الاستقلاليّة والتعبير عن الذات  

يمكِّن اللعب الفوضويّ الأطفال من الشعور بالثقة النابعة من إنجازاتهم التعليميّة، بالإضافة إلى التعبير عن أنفسهم بحرّيّة. في بيئة اللعب الفوضويّة، يُشجَّع الأطفال على اتّخاذ خياراتهم الخاصّة. تعزِّز هذه الحرّيّة الشعور بالاستقلاليّة والثقة بالنفس لدى الطفل، حيث يتعلّم بهذه الأنشطة، كيفيّة الوثوق بغرائزه واستكشاف اهتماماته. كما يوفِّر اللعب الفوضويّ كذلك منصّة فريدة للتعبير عن ذاتهم، ونقل أفكارهم ومشاعرهم وخيالهم بالفنّ والاستكشاف. فبتبنّي اللعب الفوضويّ، لا يطوِّر الأطفال المهارات الرئيسة فحسب، بل يطوِّرون كذلك حدسًا قويًّا وشغفًا للتعلّم مدى الحياة.  

 

* * * 

في الختام، يتعدّى اللعب الفوضويّ كونه مجرّد هواية عشوائيّة، فهو أداة قويّة للتعلّم والتطوير. يوفِّر اللعب الفوضويّ مجموعة كبيرة من الفوائد التي تسهِم في نموّ الطفل ورفاهيّته، من الاستكشاف الحسّيّ والإبداع، إلى المهارات الاجتماعيّة وحلّ المشكلات. لذلك، في المرّة القادمة التي ترى فيها طفلك يقوم بأيّ نشاط عشوائيّ، شجِّعه ولا تمنعه، واعلم أنّه يتعلّم وينمو بطريقته الاستثنائيّة.  

 

المراجع 

https://www.twinkl.jo/blog/five-benefits-of-messy-play#:~:text=Messy%20play%20helps%20your%20child,a%20needle%20or%20tie%20shoelaces.