اكتشاف شيفرة المعلّم
اكتشاف شيفرة المعلّم
2022/11/05
محمّد تيسير الزعبي | خبير مناهج اللغة العربيّة وأساليب تدريسها، ومصمم برامج تدريبيّة - الأردن

يتعرّض المعلّمون لمواقف محرجة أمام طلبتهم في الغرف الصفّيّة، مثل أن يرفض الطالب الامتثال لأمر المعلّم، أو أن يصرخ الطالب في وجهه.

واحدة من الأدوار الأساسيّة للمعلّمين في الغرف الصفّيّة معرفةُ الحالات النفسيّة للطلبة، وتقدير المواقف التي ينبغي عليهم فيها التعامل بطريقة مختلفة مع الطلبة كي لا تتأزّم الأمور، ويصبح من الصعب التراجع عنها؛ وذلك كي لا يفقد المعلّم هيبته أمام طلبته، أو يضطّر إلى كسر كلمته، وعدم تنفيذ ما هدّد به عندما كان غاضبًا. فتقدير المواقف الصفّيّة التقدير الصحيح ركن مهمّ في نجاح المعلّمين، وضمان تأثيرهم.

قسّمت المعلمة زينة طلبتها في مجموعات عمل قبل نقلهم إلى مختبر الحاسوب، تمهيدًا لشرح الحصّة على اللوح التفاعليّ وعرض فيديوهات. لكنّ بداية الحصّة كانت غير موفّقة، فقد رفض أحد الطلبة الجلوس في المكان المحدّد لمجموعته. وعندما أصرّت المعلّمة على جلوسه في المكان المخصّص وعدم تغييره، رمى الكتاب بعيدًا بلا تردّد.

شعرت المعلّمة بالحرج، وكي لا تدخل في جدال ونقاش قد يتطوّر إلى ما لا تحمد عقباه، أحضرَت الكتاب بنفسها، ووضعته أمام الطالب من جديد. ومرّة أخرى رمى الكتاب بالطريقة نفسها. كادت المعلّمة تفقد أعصابها لولا تدخّلي في الوقت المناسب طالبًا منها تجاهل الطالب، والبدء الفوري بشرح الدرس، فاستجابت المعلّمة برحابة صدر.

بعد ثلاث دقائق، كان الطالب يمسك كتابه، وينخرط بالعمل مع المجموعة من دون أن يُطلب منه.

 

أعرف جيّدًا أن تهاون المعلّم مع طالب واحد يمكن أن يفتح الباب أمام بقيّة الطلبة للاعتراض والتمرّد. وأدرك جيّدًا أنّ بعض المعلّمين يريدون تنفيذ ما يقولونه في أيّ وقت يريدون، ولا يتنازلون عن تهديداتهم مهما كانت الحالة النفسيّة التي يمرّ فيها الطالب. وهذا الأمر عندما يحدث في الغرفة الصفّيّة، فإنّه يُحدث ضررًا أكبر ممّا لو استوعب المعلّم طالبه، وتمهّل قليلًا قبل التهديد والوعيد الذي غالبًا ما يتنازل عنه المعلّم في غرفة الإدارة باعتذار شكليّ يقدّمه الطالب، وتعهّدٍ لفظيّ أو ورقيّ بحضور ولي الأمر والمرشد التربويّ. لكنّ الأمر الذي يبقى فعليًّا، هو أنّ الطلبة حصلوا على المفتاح الذي يثيرون به غضب المعلّم، وباتوا يملكون طريقة يعطّلون بها سير الحصّة عندما يرغبون بذلك.

ما الفائدة التي سيجنيها المعلّم عندما يتمهّل، ويدرّب نفسه على استيعاب سلوكات الطلبة غير المنتجة؟ هو سيحرم الطالب المتمرّد من جمهوره؛ فغالبًا ما تحدث تحدّيات بين الطلبة، وتنافس على مَن يستطيع إثارة غضب المعلّم وتعطيل الحصّة. فهم المعلّم لهذه الخلفيّة التي يتصرّف الطلبة استنادًا إليها، ستجعله بلا شكّ يتعامل مع سلوك الطالب المتمرّد بهدوء ورويّة، ولا يعيره أيّ اكتراث. وهذا الأمر مفهومٌ أساسيّ من مفاهيم النظريّة السلوكيّة التي تدعو إلى تجاهل السلوك وإطفائه إن كنت لا تريد إظهاره، بينما عزّز السلوك الذي ترغبه وتريده.

الرسالة التي ستصل إلى الطلبة هي أنّ هذا المعلّم مهما ارتكبنا من سلوكات في حصّته، لن يثور أو يغضب، ولن نتمكّن من دفع المعلّم إلى الخوض في نقاشات مع الطلبة غالبًا ما تنتهي لصالحهم، فضلًا عن المزاج السيئ الذي سيسيطر على المعلّم، والوقت المهدور من الحصّة.

 

موقف آخر لا يقلّ أهمّيّة يتعلّق بالجانب الأكاديميّ: أصرّت المعلّمة على أن تحصل على إجابة من إحدى الطالبات، وجلسَتْ بجانبها تطرح السؤال تلو السؤال، بينما الطالبة لا تنطق بشيء، وقد بدت عليها بوادر البكاء وهي ترى نفسها محطّ أنظار زميلاتها. أشَّرُت إلى المعلّمة بتركها قبل استفحال الموقف، رغم أنّ المعلّمة أرادت تعزيز الطالبة، والاحتفاء بإجاباتها لو نطقت بأيّ كلمة، كما أخبرتني. لكن، إصرار المعلّمة كان سيزيد الضرر، وينقل الحصّة إلى مساحة غير مرغوبة لا للمعلّمة ولا للطالبات.

قصدُ المعلمة الطيّب، ورغبتها بوضع الطالبة في مستوى قريب من بقيّة زميلاتها كاد أن يضعها في موقف لا تحسد عليه. وحينذاك لن يكفي وقت الحصّة لمعالجة الخلل، والحالة النفسيّة التي وصلت إليها الطالبة، وربّما احتجنا إلى زيارة المرشد واستدعاء ولي الأمر لتبرير ما حصل.

تقدير الموقف بالشكل الصحيح يُبقي الجوّ التعليميّ سائدًا في الغرف الصفّيّة. وتصرّف المعلّم برويّة وتمهّل، وتجنّب إطلاق التهديدات، يوفّران عليه الكثير من الجهد والوقت الذي يضيع بلا فائدة، ويحرمان بعض الطلبة من فرصة تعكير الحصّة الدراسيّة، وتوجيهها بناء على رغباتهم.