هل يبدو لك الموقف الآتي مألوفًا؟ كنت قد قرّرت أن تتّبع مع طفلك قاعدة "لا حلوى قبل العشاء". وفي إحدى السهرات العائليّة، جاء طفلك يركض تجاهك ضاحكًا، وملطّخًا ببقع الشوكولاتة على كامل وجهه، بعد أن أطعمته جدّته شريحة من كعكة الشوكولاتة. فقمت بتذكير جدّته بالقاعدة بلطف، لكنّها تردّ عليك ضاحكة: "يا بنيّ، لن تؤذيه شريحة واحدة! كنت أقدّم لك الحلوى قبل العشاء، وانظر كيف أصبحت!".
قد يكون هذا النوع من المواقف مزعجًا بالنسبة إليك، لكنّه مضحك أيضًا، لأنّك عندما تفكر في الطريقة التي يرى بها الأجداد الأمور، فإنّ انتهاك القواعد وتدليل الأحفاد هو جزء من "امتيازات الأجداد".
تربية الأبناء رحلة شخصيّة مليئة بالتحدّيات، ومختلفة في تجاربها من والد إلى آخر. لذلك، يطوّر كلّ والد أسلوبه الخاصّ في تربية أبنائه، والذي يتشكّل وفقًا لقيمه وثقافته ومعتقداته. لكن، وفي العديد من العائلات، قد يشعر الأقارب ذوو النوايا الحسنة، مثل الأجداد، والعمّات، والأعمام، وحتّى الأشقّاء، بأنّه يحقّ لهم التدخّل في كيفيّة تربية طفلك. سواء كانت مساهمتهم تأتي على شكل نصيحة، أو انتقاد مستمرّ، أو حتّى مشاركة مباشرة في قراراتك المتعلّقة بتربية الأبناء، فإنّ تدخّل الأسرة يمكن أن يكون محبطًا ومرهقًا.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ تدخّل الأسرة في جوهره ينبع غالبًا من حبّهم ورغبتهم في رعاية الطفل. فقد يعتقد الأقارب حقًّا أنّهم يساعدون بتقديم آرائهم. ومع ذلك، يمكن لتدخّلهم في بعض الأحيان أن يقوّض سلطتك، أو يخلق صراعًا، أو يؤدّي إلى ارتباك الطفل. وهذا لا يعني أنّ تدخّل الأهل في تربية الطفل، لا يمكن أن يحمل إيجابيّات وفوائد محتملة تنعكس عليه.
إيجابيّات مشاركة الأسرة في تربية الطفل
على الرغم من أنّ التدخّل قد يكون محبطًا، فمن المهمّ الاعتراف بالفوائد المحتملة لمشاركة الأسرة في تربية الأبناء.
توفير الدعم
يمكن لأفراد الأسرة تقديم الدعم العمليّ والعاطفيّ للآباء، وهو ما يخفّف من عبء المسؤوليّة الكبيرة الملقاة على عاتقهم. على سبيل المثال، قد يوفّر الأجداد رعاية للأحفاد، ما يوفّر بعض الوقت للآباء للراحة أو العمل. كما يمكن للعائلة الممتدّة أيضًا تقديم الحكمة من تجاربهم في تربية الأبناء، والتي يمكن أن تكون قيّمة في التعامل مع التحدّيات.
تعزيز الروابط الأسريّة
عندما يكبر الأطفال محاطين بأسرة ممتدّة، يطوّرون شعورًا قويًّا بالانتماء والارتباط، لتصبح العائلة إحدى أولويّاتهم. وهذا يخلق شبكة دعم تثري نموّهم العاطفيّ، وتساعد في غرس القيم الأسريّة.
التعرّض إلى وجهات نظر مختلفة
غالبًا ما يأتي أفراد الأسرة من أجيال وخلفيّات ثقافيّة مختلفة، ما يعني أنّهم قد يقدّمون وجهات نظر ربّما لم تفكر فيها من قبل، ما يساعدك في التعامل مع المواقف الصعبة.
سلبيّات تدّخّل الأهل في تربية الطفل
على الرغم من الفوائد، إلّا أنّ التدخّل العائليّ قد يتجاوز الحدود، ويخلق تحدّيات للآباء، منها:
زعزعة سلطة الوالدين
تتمثّل إحدى أكثر المشاكل شيوعًا في التدخّل العائليّ، في تناقض الأقارب، أو التشكيك في قراراتك التربويّة أمام طفلك. على سبيل المثال، إذا وضعت قاعدة بشأن وقت الشاشة، ورفضها أحد الأجداد أو سمح بوقت شاشة أطول، فإنّ هذا يرسل إشارات مختلطة إلى الطفل، ويقلّل من سلطتك.
النقد غير المرغوب فيه
يمكن أن يؤدّي الانتقاد المستمرّ من أفراد الأسرة حول أسلوبك في التربية، إلى الشعور بالعجز والشكّ الذاتيّ. ويمكن أن تؤدّي التعليقات مثل "أنت صارم للغاية"، أو "أنت تدلّل الطفل"، إلى خلق توتّر غير ضروريّ وإيذاء للمشاعر، ما سيجعلك تعاني عدم وضوح الأساليب التي ستتّبعها في تربية طفلك.
الصراع والتوتّر
يمكن أن يؤدّي تدخّل الأقارب إلى إجهاد العلاقات الأسريّة، والتسبّب في صراع بين الوالدين والأسرة الممتدّة. على سبيل المثال، يمكن أن تؤدّي الخلافات حول أساليب التربية إلى الشجار والاستياء المستمرَّين.
إرباك الطفل
عندما يتدخّل أفراد الأسرة بطريقة مناقضة لأسلوب الآباء، قد يجعل ذلك الطفل يشعر بالارتباك بشأن القواعد والتوقّعات، وقد يؤثّر هذا الافتقار إلى الاتّساق في سلوكهم، ويخلق صراعات على السلطة.
أفضل الطرق للتعامل مع تدخّل العائلة في تربية الطفل
يتطلّب التعامل مع التدخّل العائليّ إيجاد توازن دقيق بين تأكيد دورك والدًا أو والدةً، والحفاظ على علاقات أسريّة صحّيّة. في ما يأتي بعض الاستراتيجيّات لإدارة الموقف بشكل فعّال:
التواصل بشأن فلسفتك في التربية
تتمثّل إحدى الخطوات الأولى في التعامل مع التدخّل العائليّ، في توضيح منهجك في التربية للأقارب بوضوح. شارك أهدافك وقيمك باعتبارك المسؤول المباشر عن الطفل، حتّى يفهموا السبب وراء قراراتك. على سبيل المثال، إذا كنت تعطي الأولويّة للانضباط المبنيّ على النقاش، اشرح سبب تجنّبك للإجراءات العقابيّة، وكيف يتماشى ذلك مع فلسفتك في التربية.
وضع الحدود
الحدود ضروريّة لإدارة التدخّل، لذلك أخبر أفراد الأسرة بلطف، ولكن بحزم، ما هو مقبول وما هو غير مقبول. على سبيل المثال، إذا كان أحد الأجداد يعطي طفلك طعامًا غير صحّيّ ضدّ رغبتك، يمكنك القول: "لقد قرّرنا الحدّ من الحلويّات لـ (اسم الطفل)، وسنقدّر دعمك في الالتزام بهذه القاعدة".
حافظ على هدوئك واحترامك
من الطبيعيّ أن تشعر بالدفاعيّة عندما ينتقد أقاربك أسلوبك في تربية الأبناء، لكن الردّ بغضب قد يؤدّي إلى تصعيد الموقف، وتوتّر العلاقات الأسريّة. لذلك، حاول أن تحافظ على هدوئك واحترامك. وافقهم في وجهة نظرهم بقول شيء مثل: "أتفّهم أنّ هذه الطريقة التي كانت تتمّ بها الأمور عندما كنتم تربّون أطفالكم، ولكنّ هذا ما يناسب عائلتنا بشكل أفضل".
اختر معاركك
لا تستحقّ كلّ حالة من حالات التدخّل العائلي المواجهة. حدّد الأمور التي تستحقّ مناقشتها ومعالجتها، والقضايا التي يمكن التخلّي عنها. على سبيل المثال، إذا قدّم أحد الأقارب لطفلك هديّة صغيرة لم تكن لتختارها، فقد لا يكون الأمر يستحقّ بذل الطاقة للجدال. احتفظ بمناقشاتك لأمور أكثر أهمّيّة، مثل السلامة، أو قيم الأبوّة الأساسيّة.
أشرك شريكك
إذا كنت أنت وشريكك تربّيان معًا، فمن المهمّ تقديم أسلوب موحّد عند التعامل مع تدخّل الأسرة. ناقشا القضايا على انفراد، وقرّرا نهجًا مشتركًا للتعامل مع الأقارب، فقد يضمن هذا التناسق بينكما، ويمنع الأقارب من استغلال أحد الوالدين ضدّ الآخر.
استخدم الفكاهة واللطف
في بعض الحالات، يمكن للفكاهة أن تخفّف من حدّة التوتّر، وتجعل المحادثة أكثر سهولة. على سبيل المثال، إذا علّق أحد الأقارب على روتين وقت نوم طفلك، يمكنك أن تقول بابتسامة: "أعتقد أنّ الأمور تحت السيطرة الآن، شكرًا لك على كلّ حال!".
الحدّ من التواصل عند الضرورة
في الحالات القصوى، عندما يرفض أفراد الأسرة احترام حدودك، قد يكون من الضروريّ الحدّ من التواصل معهم. على الرغم من أنّ هذا قرار صعب أحيانًا، فإنّ إعطاء الأولويّة لرفاهيّة طفلك وراحة بالك، أمر بالغ الأهمّيّة.
***
تدخّل الأسرة في تربية الأبناء قضيّة معقّدة، تتطلّب الصبر والتواصل ووضع الحدود. وعلى رغم أنّ الأقارب يتصرّفون غالبًا بدافع الحبّ والاهتمام بالطفل، إلّا أنّ تدخّلهم قد يهزّ سلطتك، أو يخلق صراعًا في بعض الأحيان. لذلك، حاول اتّباع الأساليب المذكورة، لتحقيق التربية السليمة التي ترغب بها لطفلك.
المراجع