هواجس معلّم اللغة العربيّة: مصادر تعليم اللغة
هواجس معلّم اللغة العربيّة: مصادر تعليم اللغة
2024/06/02
طارق محمّد | معلّم مرحلة ابتدائيّة- الأردن/ قطر

لَطالَما انتابني شعور بالضيق والقلق كلّما تناهت إلى سمعي واحدة من أبرز شكاوى معلّمي اللغة العربيّة، وهي ما تتعلّق بقلّة مصادر تعليم اللغة العربيّة مقارنة باللغة الإنجليزيّة، وأثر ذلك في إقبال الطلبة على تعلّم اللغة العربيّة. وشعوري هذا يرجع إلى أمرين، الأوّل: أنّ هذا الأمر واقع حقيقيّ نلمسه جميعًا كمعلّمين، إذ نجد أنّ مصادر تعليم اللغة الإنجليزيّة أكثر جودة من مصادر اللغة العربيّة. ومع أنّ هناك كمًّا كبيرًا، في وقتنا الحاليّ، من مصادر تعليم اللغة العربيّة، وهي في غالبها تعدُّ جهودًا فرديّة يُشكر عليها أصحابها، إلّا أنّ كثيرًا منها يفتقر إلى الجودة، وهو غير كافٍ لتلبية احتياجات المتعلّمين من حيثيّات مختلفة. يقول الدكتور كريم درويش، وهو عالم في معهد قطر لبحوث الحوسبة، عن ابنته: "لطالما شجّعتُها على القراءة باللغة العربيّة، لكنّها دائمًا ما كانت تقول إنّها لا تجد شيئًا شيِّقًا لتقرأه، ذلك أنّ الكتب أو القصص العربيّة الجيّدة الموجّهة إلى الأطفال واليافعين قليلة جدًّا مقارنةً بالكتب الكثيرة المنشورة باللغة الإنجليزيّة في عصرنا الحالي" (البحوث 23 ديسمبر 2019). والأمر الثاني: هل هذا مبرّر كافٍ يجعلنا كمعلّمين معذورين أمام قلّة شغف إقبال الطلبة على تعلّم اللغة العربيّة بسبب قلّة المصادر!

جميعنا متّفقون على أنّ هناك تحدّيات تواجهنا في تعليم طلّابنا اللغة العربيّة، والوصول بهم إلى المستوى المطلوب الذي يجعل من اللغة أداةً للتواصل وفهم النّصوص والأفكار وتحليلها، وثقافةً وهويّةً يعتزّ بها طلّابنا. وهذه التحدّيات ترجع إلى عدّة أسباب ذكرتُ قلّة المصادر التعليميّة واحدة منها، ومنها كذلك غياب دور الأسرة الفاعل في تعزيز الأبناء وتشجيعهم، وخصوصًا في مرحلة الطفولة، على التواصل باللغة العربيّة بشكل مستمرّ في ما بينهم، ما يوسّع الفجوة بين الأبناء ولغتهم الأم، فيصبحون أقلّ ميلًا إلى تعلّمها والتواصل بها. وهذا كلّه يجعل مهمّة معلّم اللغة العربيّة شاقّة ومتعبة.

 

كيف نتغلّب على هذه التحدّيات؟  

التدريس الفعّال للغة العربيّة هو الحلّ الناجع لتذليل الصّعاب. وهو يتطلّب، ابتداءً، وعيًا كاملًا من قِبل الإدارة المدرسيّة والمعلّمين برؤية المدرسة وسياستها المتعلّقة باللغة، بحيث يتجلّى لجميع أفراد المجتمع المدرسيّ الوعي الكامل بـ "ماذا نتعلّم؟" و"كيف نتعلّم؟".

ومن خلال عديد الزيارات التبادليّة للصفوف الدراسيّة مع الزملاء والزميلات في مدرستي، كنت أرى إبداعًا وتميّزًا عند كثير من المعلّمين والمعلّمات في تعليم اللغة العربيّة، وشغفًا وحماسًا من الطلّاب للمشاركة أثناء الدرس، ما جعلني أوقن أنّ المعّلم التربويّ الذكيّ والشغوف هو المصدر الأهمّ في جعل تعلّم اللغة العربيّة مميّزًا ومحبِّبًا للطلّاب للتعلّم والإبداع.   

فالمعلّم ذو الصّفات السابقة يمكنه أن يجعل حصّة اللغة العربيّة ممتعة وجاذبة، وهذه هي الخطوة المهمّة لتعزيز ميل الطالب نحو التعلّم. ومع ذلك يبقى السؤال الأهمّ هنا: في ظلِّ ما تبيّن، كيف يمكن للمعلّم أن يعوّض قلّة مصادر تعليم اللغة العربيّة ويجعل تعليمه للغة ناجحًا ومميّزًا؟

 

استراتيجيّات تعليميّة

من الأمور التي تدعم تعلّم اللغة العربيّة، وإيجاد أجواء مليئة بالدافعيّة والمتعة من قِبل المتعلّمين والمعلّمين على حدٍّ سواء، ضرورةُ الاعتماد على استراتيجيّات تعليميّة مبتكرة تساعد الطلّاب على اكتساب اللغة بطريقة فعّالة وممتعة. وسأسرد اختصارًا بعض هذه الاستراتيجيّات:

1. تطبيق الأنشطة التفاعليّة: باستخدام الألعاب والنشاطات التفاعليّة لتحفيز الطلّاب، وجعل عمليّة التعلّم مسليّة. ومن ذلك استخدام تبادل الأدوار، والألغاز، والمسابقات لزيادة مشاركة الطلّاب.

2. الموادّ المتنوّعة: عن طريق استخدام مجموعة متنوّعة من الموادّ التعليميّة، مثل القصص، والقصائد، والأفلام، والأغاني. هذا سيساعد الطلّاب على تعلّم المفردات والقواعد اللغويّة بطريقة سياقيّة وممتعة.

3. الاستفادة من التكنولوجيا في عمليّة التدريس، مثل استخدام التطبيقات التعليميّة، والموارد عبر الإنترنت، والفيديوهات التعليميّة، إذ يمكن أن تكون هذه الأدوات مفيدة في توفير مصادر غنيّة للطلّاب، مع وجود التخطيط المسبق من المعلّم في نوعيّة المصادر المستخدمة وتوقيتها.

4. تعليم الثقافة العربيّة: إنّ تقديم المعلّم للطلّاب تعريفًا واضحًا عن الثقافة العربيّة وتاريخها وتراثها، سيساعد في فهم اللغة بشكل أعمق وسيزيد من اهتمام الطلّاب بها.

5. تنظيم أنشطة ثقافيّة: كرحلات ميدانيّة أو أنشطة ثقافيّة تعزّز فهم الطلّاب للثقافة العربيّة وتراثها.

6. تشجيع المحادثة باللغة العربيّة في الصفّ وخارجه، وذلك من خلال تكوين مجموعات دراسة أو مناقشة لموضوعات مختلفة باللغة العربيّة، ما سيساعدهم على تحسين مهاراتهم.

7. التقييم الدوريّ: وهو أمر مهمّ جدًّا، إذ إنّ ملاحظات المعلّم على أداء التّلاميذ بشكل دوريٍّ ستساعدهم في تحسين أدائهم.

8. التعاون مع معلّمي اللغة الإنجليزيّة لتبادل الخبرات والموارد التعليميّة. إذ يمكن أن يؤدّي هذا التعاون إلى تطوير برامج شاملة للغة في المدرسة.

9. تكامل الموادّ الأخرى: وذلك بدمج اللغة العربيّة بموادّ أخرى، مثل العلوم والتاريخ. ممّا يتيح الفرصة للطلّاب لقراءة نصوص علميّة باللغة العربيّة، أو دراسة أحداث تاريخيّة هامّة.

10. ربط تعلّم اللغة العربيّة بحياة الطّالب اليوميّة، واهتماماته، كأن يقرأ عن موضوعات تمسّ حياته الواقعيّة وبيئته التي يعيش فيها، أو أن يكتب عن يوميّاته أو/ والموضوعات التي تهمّه. وقد لاحظنا من خلال تجربتنا مع طلّابنا أنه كلّما كانت المواضيع ذات صلة بحياة الطالب الواقعيّة، كان ذلك محفّزًا له على الاهتمام والتعلّم، ودافعًا له إلى البحث والاستزادة.

 

وأخيرًا، إنّ الأفكار الإبداعيّة لا تنتهي، والأمر يتطلّب الكثير من الجهد والبحث والابتكار في طرائق تدريس اللغة العربيّة بشكل فعّال ومؤثّر. ومفتاح النجاح في هذا الأمر الجلَلِ هو المعلّم المبدع الذي يطوّر من نفسه ويقيّم أداءه من وقت إلى آخر، وينوّع من أنشطته وأساليب تعليمه لتحفيز التفاعل والمشاركة، وجعل تعلّم اللغة أكثر متعة وتشويقًا.