إذا كنّا نعتقد أنّ التعليم مجرّد نقل معلومات، فإنّنا بالتشديد نسعى إلى هدف ذي مستوى متدنٍّ. أمّا إذا أردنا أن نصيب الهدف، فعلينا أن ننشد ما هو أبعد من التحصيل الأكاديميّ. وكما قال أرسطو: الطلّاب يحتاجون إلى معلّمين يدلّونهم على الخير. وقد استخدم أرسطو مصطلح "الفضيلة" (arete) التي يجسّدها الإنسان الصالح. ويمثّل المصطلح السابق مزيجًا من المهارة، والحكمة، والقوّة، وحبّ الخير. وفي المقابل، يحتاج المعلّمون إلى التشجيع، وإلى تثبيت أدوارهم وقدراتهم لتحويل حياة الطلاب، وتلبيتهم الاحتياجات الحقيقية لهؤلاء الطلاب. لذلك، فإنّ قول: إنّ الطلّاب بحاجة إلى معلّم ليرشدهم في مسيرتهم التعليميّة هو مبدأ معرفيّ وذو أسس وجدانيّة.
يعرف المعلّمون ذوو الخبرة بنية نظامهم الأكاديميّ، ويحتاج إليهم طلّابهم المبتدئون لإرشادهم إلى كيفيّة استيعاب هذا النظام. لكنّ الطلّاب يحتاجون إلى سلطة إرشاديّة حسّاسة أيضًا، وهم يكافحون للتغلّب على العوائق المفاهيميّة الموجودة ضمن النظام التربويّ، وضمن خبراتهم. وهناك سؤال على قدر كبير من الأهمّيّة نودّ توجيهه لكلّ من الطلّاب والمعلّمين، وهو: من الذي أثّر في حياتك أكثر؟ وفي الحقيقة أنّ ما يشعر به الطلّاب في غرفة الصفّ ربّما يكون، على المدى الطويل، أهمّ ممّا يعرفونه. يمكن التوصّل إلى الشموليّة والعمق في التعليم عبر تصوّر أسلوب تدريس يلبّي احتياجات الفرد المتكامل، وعبر إدراك أنّ التعليم علم ومشاعر، والإيمان بأنّه يعني مساعدة الطلّاب على تحقيق الذات من خلال إثراء المعرفة لديهم.
لقد صُمِّم نموذج أساليب التدريس التحويليّ ليثبت أنّ التعليم الشامل يمكن أن يكون ذا خاصيّة تحوّليّة. لقد عرّفنا التعليم التحويليّ أنّه عمليّة تدريس صُمِّمت لتغيير الطالب أكاديميًّا واجتماعيًّا وروحيًّا. يبدأ التعليم التحويليّ بالطالب، في حين يتضمّن التعلّم التحويليّ فهمًا عميقًا، ويحدث في غرفة الصفّ، حيث يكون لدى المعلّمين توقّعات كبيرة. ويقوم المبدأ الأساسيّ على فكرة أنّ رفع تحصيل الطالب يُعدُّ الأرضيّة وليس السقف؛ لأنّ التحصيل العالي هو نتيجة ثانويّة للتعليم من أجل الوصول إلى شموليّة الأهداف وعمق الفهم. ويمكننا الوصول إلى الطفل المتكامل عبر الإلهام، وبإدراك واعٍ لدورنا التعليميّ.
يتعيّن علينا أن نبحث عن فرص تحويليّة. مثلًا، المعلّمون يعرفون أنّ القياس ليس كيانًا معزولًا، بل هو جزء من صميم التدريس. والمعلّمون يقوّمون طلّابهم عن طريق التقويمين؛ التكوينيّ والختاميّ. لكنّ معظم التعلّم يحدث تكوينيًّا (أي خلال سير العمليّة التربويّة). إنّ الطلّاب بحاجة إلى معلّمين يشعرونهم بأنّهم يثقون بهم وبكامل قدراتهم. ونودّ أن نشير هنا إلى أن المبالغة في الاهتمام بالتقويم الختاميّ يمكن أن تؤدّي إلى إحباط الطلّاب. ولكن في واقع الأمر إنّ أيّ قياس لا يأخذ في الحسبان احتياجات التعلّم هو قياس غير مناسب للمدرسة. مثلًا، يرى ريك ستيجنز أنّ عمليّة القياس يمكن أن تكون مفيدة في تحسين التدريس الذي يرى الطالب محور العمليّة التعليميّة، ولكن لا يمكن عدّ، حتّى أكثر التقويمات صدقًا وثباتًا، ذات جودة عالية، إذا ما كانت سببًا في جعل الطالب يستبدّ به اليأس والاحباط. إنّ التعليم التحويليّ يتضمّن الاهتمام بسعادة الفرد وقدراته، وبتدريس الطلّاب، والموضوعات الدراسيّة أيضًا. وهذا يعني أنّ طريقة تفكير المعلّمين، والاهتمام بشعور الطلّاب أهمّ من المناهج الدراسيّة، فمشاعر الطلّاب هي استجابة لما فعله المعلّمون والمدرسة لإشباع احتياجاتهم بأنّهم أفراد مميّزون.
إنّ مشاعر المعلّمين أساسيّة أيضًا، لأنّها تحافظ على تفاني المعلّمين في مهنتهم، وتؤثِّر في المشاركين كافّة في المدارس؛ المباشرين منهم وغير المباشرين. وتشمل مهنة التعليم وضع الطالب ككلّ في محور العمليّة التعليميّة. وتكون المدارس فاعلة بقدر فاعليّة معلّميها الذين يحتاجون إلى أشكال متعدّدة من الدعم، حتّى القدير منهم. وكما يعرف كثير من المعلّمين ذوي الخبرة، فإنّ على المعلّمين والطلّاب توقّع أن يكون التعليم خبرة تحويليّة متبادلة، إذ إنّ ممارسة التدريس تعني أن يتغيّر المعلّم بالقدر الذي يتغيّر فيه الطالب؛ بل أكثر. ويعني التحوّل حدوث تغيير، لأنّ التحوّل كلمة تعني (الفعل). والهدف هو أن نجعل التدريس عملًا تبادليًّا، وأن نفهم عمليّة التدريس بأنّها حركة عبر فجوة المعلّم – الطالب. ويمكن أن يحدث التحوّل ضمن هذه العمليّة التبادليّة. وهنا، يبرز السؤال: كيف يمكن للمعلّم أن يُدرِّس بالطريقة الشاملة التي يتطلّبها نموذج أساليب التدريس التحويليّ؟
روزبرو، توماس، وليفيريت، رالف. (2018). التعليم التحويليّ في عصر المعلوماتيّة: ربط هدف التعليم وطريقة التدريس بالطلّاب. (ترجمة: وسام صالح عبد الله). العبيكان. ص. 26-29.