نحن المدرسة، وبلا محايثة
نحن المدرسة، وبلا محايثة
2024/10/15
نسيم قبها | كاتب وتربويّ - فلسطين

تقرع المدرسة أبوابنا، وهكذا يكون دورها الطبيعيّ والطليعيّ المفروض في فلسطين؛ باب النسيان والتلاشي الأبتثيّ المفعول سياسيًّا. إنّ تجزئة الأمكنة الساخنة المستهدفة من مواسير البنادق، والتركيز على حيّز بعينه يخلق وعيًا يربط الوطن بالحقيبة وحاملها، والمحمولة إليه بكامل دائرة التعلّم المصابة. وإلّا فلا وعي هنا يقصف ذخائر الجهل المتربّص على أعتاب الفراغ الذي تشكّله غربان الاقتحامات الصهيونيّة، بعد كل مسّ في مجالات المدرسة الفلسطينيّة التي تعاني، ولا تحيد، عن تبئير السوسيولوجيا الفلسطينيّة رسالةً مبدئيّةً.

قد يكون الوعي المجزّأ لدور المدرسة سببًا في تغريبنا عن معنى الوطن. نشمُّ فلسطين من نوافذ المدرسة، لأنّ معنى ربط الوطن بالمدرسة كمفهوم يقع في اللاوعي داخل الوعي المنتشي، متّجهًا نحو التحوّل في الكائنات البشريّة نحو المعمل التعلّميّ البنائيّ على الرغم من واقع الدمار. ومن خلال هذا الحيّز (المدرسة الناتجة والمنتجة)، تتمثّل السرعة في ردّة الفعل المقاومة والفردانيّة، الجماعيّة للنهوض. فـ(نحنُ) التي تشعر الوطن بأنّه أنتج البذور الآدميّة من سبّورة الفصل، وطبشورته الباقية، تدركنا في ما هو مادّيّ للبقاء الواعي للبقاء كهرم لا يتزحزح.

إنّ المدرسة هي الوطن الذي ليس بمعمل للمتاجرة الناجزة في زمن الشركات ورأس المال، بل هي الوعي الأكبر بـ(التراب)، وما يعني أن تكون مجبولًا من صلصاله. تجمعنا المدرسة بملائكيّة المكان، الأرض، فلسطين، لأنّها هي محلّ إنتاج الوعي بها. تشكّل همزة الوصل التي لا تنقطع بين الذات البشريّة والمكانيّة، وما يعني ذلك من التصاقٍ لا يفكّكه صنبور الموت.

إنها إشارة قويّة في المعنى حين نقول "مدرسة"، ولا يصلح الإهمال في كينونتها ودورها ونتاجها. إحالة المدرسة إلى التجريد اللغويّ في معناها يعني انتفاء أهمّيّتها التي لا تنتفي. إهمال الوعي بالتراب، بالأرض التي يقترب منها جبين الإنسان لتستقبل عرقه المالح، يعني إهمال البعد الأنثروبولوجيّ في أنسنة العلاقة بين المجتمع ومدرسته العاكفة على الديمومة، حتّى تلد المخرجات لهذه العلائقيّة جوهر التساكن بين ما يُرى من الأشياء (الوعي)، وما لا يُرى (اللاوعي) من عوالم دقيقة في الاعتقاد بدور المدرسة في التحرير والمجابهة، من خلال كفّها الذي يلاطم المخرز ولو أدماه.

لكلّ ما تقدّم، لن تنجح محاولات تلاشي الوعي بالقضيّة ما دامت المدرسة قائمة بمعناها الفعليّ الوجدانيّ، والذي يحوز الأهمّيّة فينا كعاقلين نقدّر الخسارة بفقدها. لقد حاولت صدمة الاحتلال أن تضيّعنا بأنّنا فقدنا وطنًا، لكنّ المدرسة هي من أعادتنا إلى حقيقة الوطن الكامنة في أجزائه كافّة، كأجزاء أجسادنا التي لا تتخلّى. وقد أدركنا حقيقة أنّ الذين احتلّوا فلسطين جعلونا نكتشف الوطن وقت خفنا فقده، وكان هذا دور المدرسة في زرع هذا الخوف بصيغة الحرص، وما زال دورها.