تتّسم مرحلة الطفولة بتغيّراتٍ سريعةٍ في الجسم والعاطفة والإدراك. لذا، يمكن أن يساعد فهم خصائصها المحدّدة الأهل والمعلّمين ومقدّمي الرعاية، في تقديم الدعم والتوجيه المناسبين للطفل. يشكّل فهم مراحل النموّ والتطوّر المتغيّرة لدى طفلك أمرًا مركزيًّا في تربيته. فمع تقدّم الرضّع والأطفال عبر سلسلةٍ من مراحل النموّ، قد يواجهون تحدّياتٍ جسديّةً، أو عاطفيّةً شائعة. تستكشف هذه المقالة المراحل الأوّليّة من الطفولة - الرضاعة، والطفولة المبكّرة، والطفولة المتوسّطة، والمراهقة - مع تسليط الضوء على خصائصها الرئيسة، ومعالمها.
مراحل الطفولة وخصائصها
الطفولة (من الولادة إلى عمر السنتين)
هي المرحلة من الولادة إلى عمر السنتين تقريبًا. خلال هذه الفترة، يمرّ الأطفال بنموٍّ وتطوّرٍ جسديٍّ سريعٍ، يشكّل الأساس لتعلّمهم وسلوكهم في المستقبل.
خصائص مرحلة الطفولة
التطوّر البدنيّ: يتفاعل الأطفال حديثو الولادة خلال أشهرهم الأولى بشكلٍ فطريٍّ مع المحفّزات الخارجيّة، فيمكنهم تحريك رؤوسهم من جانبٍ إلى آخر، ورؤية الأشياء القريبة، والتعرّف إلى روائح معيّنة. يتضمّن هذا أيضًا البكاء أو الابتسام للتعبير عن احتياجاتهم. سيحرّك المولود رأسه أيضًا نحو يدك، كلّما قمت بمداعبة خدوده. كما ستشهد ابتساماتٍ جميلةً على وجهه بوصوله عمر 3 أشهر. قد يكون أيضًا على استعدادٍ للإمساك بأصابعك عندما تضعها على يديه. ينمو الأطفال بسرعةٍ، ويكتسبون السيطرة على أجسادهم، وينتقلون من ردود الفعل الأساسيّة، مثل الإمساك بالأشياء والضحك، إلى حركاتٍ أكثر تناسقًا، مثل الجلوس، والزحف، والمشي في نهاية المطاف.
التطوّر المعرفيّ: تتميّز هذه المرحلة بتطوّر الدماغ السريع، فيبدأ الأطفال خلالها في التعرّف إلى العالم بحواسّهم وأفعالهم، ويفهمون وجود الأشياء حولهم، وأنّها تستمرّ في الوجود حتّى عندما تكون خارج نطاق رؤيتهم. كما يبدؤون في التعرّف إلى الأنماط والوجوه.
التطوّر العاطفيّ والاجتماعيّ: يعدّ الارتباط بمقدّمي الرعاية أمرًا بالغ الأهمّيّة في هذه المرحلة، إذ يبدأ الأطفال في التعبير عن مشاعر مثل الفرح، والخوف، والإحباط. تؤثّر جودة الارتباط مع مقدّمي الرعاية بشكلٍ كبيرٍ في شعورهم بالأمان والثقة بالعالم.
التطوّر اللغويّ: على الرغم من عدم إتقان الأطفال للغة بعد، إلّا أنّهم يتواصلون بالبكاء والهمهمة والمناغاة. في نهاية هذه المرحلة، يبدأ العديد من الأطفال في نطق كلماتهم الأولى، ما يمهّد الطريق لمزيدٍ من التواصل الأكثر تركيبًا.
الطفولة المبكّرة (من 2 إلى 6 سنوات)
تمتدّ مرحلة الطفولة المبكّرة من سنتين إلى ستّ سنواتٍ، وغالبًا ما يشار إليها بسنوات ما قبل المدرسة. تتميّز هذه المرحلة بتطوّر الاستقلاليّة والفضول، وتطوّر المهارات الأساسيّة في اللغة والتفاعل الاجتماعيّ.
خصائص مرحلة الطفولة المبكّرة
التطوّر البدنيّ: يستمرّ الأطفال في هذه المرحلة في النموّ، بمعدّلٍ أبطأ، ولكن أكثر ثباتًا، فيكتسبون سيطرةً أكبر على المهارات الحركيّة الإجماليّة، مثل الجري والقفز، والمهارات الحركيّة الدقيقة، مثل الرسم والقصّ بالمقصّ. كما تنمو أسنانهم المؤقّتة بشكلٍ كاملٍ، فيصبحون قادرين على تناول الطعام، ويزداد نموّ عظامهم، فيتغيّرون من أطفالٍ رُضّع، إلى أطفالٍ صغار.
التطوّر المعرفيّ: غالبًا ما توصف مرحلة الطفولة المبكّرة بأنّها "المرحلة ما قبل العمليّاتيّة"، حسب نظريّة بياجيه للتطوّر المعرفيّ. لاحظ بياجيه أنّ الأطفال يفتقرون إلى القدرة على التفكير التجريديّ، ولا يستطيعون التلاعب بالمعلومات. ومع ذلك يعتبر ازدهار الخيال والانخراط في اللعب الرمزيّ من سمات هذه المرحلة، إذ يسهمان في تنمية الإبداع والقدرة على حلّ المشكلات. وعلى الرغم من التطوّر المعرفيّ الملموس للطفل في هذه المرحلة، إلّا أنّه لا يزال غير قادرٍ على أداء المهامّ والعمليّات المعقّدة.
بمعنًى آخر، هذه هي المرحلة التي تبدأ فيها الأسئلة المفتوحة التي لا تنتهي، مثل: "لماذا؟"، و"من أين يأتي؟"، و"كيف ذلك؟". إنّها المرحلة التي ينمو فيها فضول الطفل بشكلٍ كبيرٍ، فيرغب في فهم كلّ شيء من حوله.
التطوّر العاطفيّ والاجتماعيّ: تبدأ المهارات الاجتماعيّة ومهارات تنظيم الذات في التطوّر، فيبدأ الأطفال في فهم مجموعةٍ أوسع من المشاعر، والتعبير عنها. كما يتعلّمون التفاعل مع الأقران، وهو أمرٌ حيويٌّ للتعلّم الاجتماعيّ. يبدأ الأطفال أيضًا في فهم التعاطف، وتعلّم أساسيّات المشاركة والتعاون. لكنّ الخبر غير السارّ أنّ هذه المرحلة هي بداية ظهور صفاتٍ لدى الطفل، مثل العناد والعصيان، وفترة ظهور الفروقات الفرديّة بين الإناث والذكور. فنجد أنّ الإناث أصبحن عنيداتٍ، بينما يصبح الذكور أكثر تخريبًا. كما أنّ صفتَيّ العصبيّة والغضب تظهران أيضًا في هذه المرحلة.
تطوّر اللغة: تتوسّع المفردات بسرعةٍ خلال هذه الفترة، ويبدأ الأطفال في تكوين جملٍ كاملة. كما يطوّرون مهارات القواعد الأساسيّة، على الرغم من أنّ كلامهم غالبًا ما يتضمّن أخطاءً جذّابةً، وتعميم القواعد بشكلٍ مفرطٍ، مثل التذكير دائمًا، أو التأنيث دائمًا.
الطفولة المتوسّطة (من 6 إلى 12 سنة)
تغطّي الطفولة المتوسّطة الأعمار من 6 إلى 12 سنةً، وتتوافق مع سنوات الدراسة الابتدائيّة. تتميّز هذه المرحلة بنموٍّ كبيرٍ في القدرات المعرفيّة، وزيادة الاستقلاليّة، وتأسيس حياةٍ اجتماعيّةٍ أكثر تنظيمًا.
خصائص مرحلة الطفولة المتوسّطة
التطوّر البدنيّ: يستمرّ النموّ في الطول والوزن، ولكنّه يكون أبطأ ممّا كان عليه في المراحل السابقة. تصبح النسب الجسديّة للطفل مشابهةً لخصائص الكبار، فمثلًا تصبح الأطراف طويلةً، ويزداد النموّ في العضلات، ما يسمح للأطفال بالمشاركة في أنشطةٍ بدنيّةٍ ورياضيّةٍ أكثر تعقيدًا.
التطوّر المعرفيّ: يحدّد بياجيه هذه المرحلة بأنّها "مرحلة العمليّات الملموسة"، والتي يتطوّر فيها التفكير المنطقيّ. يمكن للأطفال إجراء عمليّاتٍ على أشياء ملموسةٍ، وفهم مفاهيم أكثر تعقيدًا، مثل أنّ الكمّيّة تظلّ ثابتةً، حتّى وإن تغيّر شكلها. كما تنمو لدى الطفل الرغبة في اكتشاف الأسرار المُتعلّقة ببيئته، ويصبح أكثر إدراكًا للعالم الخارجيّ، كما يبدأ في تطوير القدرة على التفكير في جوانب متعدّدةٍ في وقتٍ واحد.
التطوّر العاطفيّ والاجتماعيّ: تظهر في هذه المرحلة مقدرة الطفل على ضبط انفعالاته، فيتعلّم كيفيّة التخلّي عن الحاجات التي قد تؤدّي إلى غضب والديه أو غيرهم. تبدأ القيم والمبادئ بالتشكّل، فيهتمّ بالتقييم الأخلاقيّ، والضمير، وغيرها من الأمور. تصبح الصداقات أكثر أهمّيّةً، ويبدأ الأطفال في تقدير آراء أقرانهم وقبولهم، ويصبحون أكثر مهارةً في فهم مشاعر الآخرين، وتعلّم القواعد الاجتماعيّة المعقّدة. كما يصبح مفهوم الذات وتقديرها أمر مهمّ في هذه المرحلة، ويتأثّر إلى حدٍّ كبيرٍ بالنجاحات أو الإخفاقات الأكاديميّة والاجتماعيّة.
التطوّر اللغويّ: يستمرّ الأطفال في مرحلة الطفولة المتوسّطة في تحسين مهاراتهم اللغويّة، فيطوّرون فهمًا أفضل للقواعد، ويوسّعون مفرداتهم بشكلٍ كبيرٍ، ويتعلّمون فهم لغةٍ أكثر تعقيدًا وتجريدًا، إلى جانب استخدامها.
المراهقة (من 12 إلى 18 سنة)
المراهقة هي المرحلة الانتقاليّة من الطفولة إلى مرحلة البلوغ، وتمتدّ من سنّ الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة. تتميّز هذه الفترة بالنموّ البدنيّ السريع، والشدّة العاطفيّة، والبحث عن الهويّة.
خصائص مرحلة المراهقة
التطوّر البدنيّ: تتميّز المراهقة بالبلوغ، وهي فترة من النموّ البدنيّ السريع، والتغيّرات الهرمونيّة التي تؤدّي إلى النضج الجنسيّ. تحدث طفرات النموّ، وتصبح الخصائص الجنسيّة الثانويّة، مثل نموّ الثدي لدى الفتيات، وشعر الوجه لدى الأولاد، أكثر وضوحًا.
التطوّر المعرفيّ: يدخل المراهقون "المرحلة العمليّاتيّة الرسميّة" لبياجيه، إذ تصبح مهارات التفكير المجرّد والاستدلال أكثر تعقيدًا. كما يطوّرون القدرة على التفكير في المواقف الافتراضيّة، والتخطيط للمستقبل، والنظر في الآثار الأخلاقيّة.
التطوّر العاطفيّ والاجتماعيّ: يعدّ تكوين الهويّة مهمّةً أساسيّةً في مرحلة المراهقة، بحسب إريك إريكسون. في مراحل التطوّر النفسيّ الاجتماعيّ، غالبًا ما يستكشف المراهقون أدوارًا ومعتقداتٍ وعلاقاتٍ مختلفةً، تسهم في تشكيل هويّتهم الشخصيّة، فيواجهون في هذه المرحلة صراعًا بين الهويّة والارتباك، فيسأل المراهق نفسه: من أنا؟ وما دوري؟ وكيف أتوافق مع الآخرين؟ وأين أذهب في هذه الحياة؟ كما تصبح العلاقات بين الأقران مؤثّرةً للغاية، أكثر من الأسرة في بعض الأحيان، وقد تؤدّي الرغبة في الاستقلال إلى صراعاتٍ مع الوالدين، أو الشخصيّات ذات السلطة.
تطوّر اللغة: تستمرّ مهارات اللغة في التطوّر، فيصبح المراهقون ماهرين في استخدام الجمل المعقّدة، وفهم الفروق الدقيقة في المعنى، وتطوير أنماط التواصل الخاصّة بهم، والتي غالبًا ما تتأثّر بمجموعات الأقران والثقافة الشعبيّة.
***
تتميّز كلّ مرحلةٍ من مراحل الطفولة بخصائصها الفريدة، من حيث التطوّرات الجسديّة، والإدراكيّة، والعاطفيّة، والاجتماعيّة. يساعد فهم هذه المراحل مقدّمي الرعاية والمعلّمين والأهل، في توفير الدعم والبيئة المناسبة للنموّ الصحّيّ للأطفال. يسمح التعرّف إلى خصائص المراحل بتقدير تعقيدات النموّ، وأهمّيّة رعاية كلّ مرحلةٍ في رحلة الطفل من الطفولة إلى المراهقة، لمساعدته في بناء أساسٍ متينٍ لمستقبله.
المراجع
https://www.alukah.net/culture/0/44786/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%88%D9%84%D8%A9..-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%AE%D8%B5%D8%A7%D8%A6%D8%B5/ https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D8%AC%D9%8A%D9%87_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D9%8A
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D8%B1%D9%8A%D9%83_%D8%A5%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%B3%D9%88%D9%86