- تعمل أستاذةً مساعدةً في كلّيّة السياسات العامّة في جامعة حمد بن خليفة - قطر.
- شغلت منصب مديرةٍ للبحوث في مبادرة "وايز"، وهي مبادرةٌ من مبادرات مؤسّسة قطر للتربية والعلوم وخدمة المجتمع.
- عملت بروفيسورةً زائرةً في كليّة التربية والتعليم في جامعة نورثوسترن في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
- حاصلة على دكتوراه في القيادة والسياسات التعليميّة، وماجستير في طرائق البحث من جامعة كامبريدج في المملكة المتّحدة، وماجستير في تعليم العلوم من جامعة برايتون، وبكالوريوس علوم وتربية من جامعة قطر.
- لديها ثمان وعشرون سنة من الخبرة المهنيّة في التعليم داخل دولة قطر وخارجها.
- بدأت مسيرتها المهنيّة مدرّسةً للفيزياء في مدارس وزارة التربية والتعليم، ثمّ منسّقةً لمادّة العلوم في المدارس المستقلّة التابعة للمجلس الأعلى للتعليم.
- انضمّت إلى معهد راند في مؤسّسة قطر بوصفها محلّلةً للسياسات التعليميّة.
- درّست في كلّيّة التربية في جامعة قطر.
- تهتمّ بالمجالات البحثيّة الآتية: تطوير الأنظمة التعليميّة وإصلاحها، وتطوير المدارس، والقيادة التربويّة، وبناء القدرات المهنيّة للمعلّمين ومديري المدارس، وسياسات التعليم ومهارات البحث العلميّ.
- نشرت العديد من الأبحاث في مجال تطوير التعليم والقيادات التربويّة.
- ألّفت كتابًا بعنوان "الدروس المستفادة من إصلاح التعليم لمرحلةٍ جديدةٍ في دولة قطر"، وكتابًا آخر في تدريس ريادة الأعمال.
- عضو في جمعيّة التعليم الدوليّ المقارن، والمؤتمر الدوليّ لفعّاليّة المدارس.
- تعمل مستشارةً لاستراتيجيّة التعليم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ للتعاون الاقتصاديّ، وهي عضو مجلس إدارة مدرسة قطر، وأكاديميّة السدرة في الدوحة، وعضو سابق في جامعة الدوحة للعلوم والتكنولوجيا.
- عضو الهيئة الاستشاريّة في مجلّة منهجيّات.
نبدأ بتعريف د. أسماء كما تحبّ أن تعرّف نفسها، وبداية توجّهها إلى عالم التربية والتعليم.
أوّلًا، شكرًا على هذه الفرصة، وهذا اللقاء. حاليًّا أعمل أستاذةً مساعدةً في كلّيّة السياسات العامّة في جامعة حمد بن خليفة في قطر. مسيرتي التعليميّة والمهنيّة، داخل قطر وخارجها ، تعود إلى 28 سنة. بدأتها معلّمةً لمادّة الفيزياء، بعد أن تخرّجت من كلّيّة التربية من جامعة قطر. درّستُ لمدّة سبع سنواتٍ في مدرسة الشمال الثانوية للبنات، ثمّ سافرت إلى لندن لاستكمال دراسة الماجستير. وبعد أن نلت الدرجة، عُدت إلى قطر التي كانت تمرّ في ذلك الوقت بأهمّ مرحلةٍ من مراحل إصلاح التعليم وتطويره، وهي مرحلة تعليمٍ لمرحلةٍ جديدة. حينئذ، استكملت العمل في المدارس، على مستوى الصفّ والقيادة، لمدّة سنتين. كانت هذه الفترة كفيلةً بأنّ تجعلني أشكّل قاعدةً بحثيّةً، من أسئلةٍ ومعلوماتٍ ومدخلاتٍ، حول تطوير التعليم. وكان أن تركت المدارس، وتوجّهت إلى مؤسّسة قطر للتربية والعلوم وخدمة المجتمع، لأعمل في مجال تحليل السياسات مع صنّاع القرار ضمن مشاريع تعليميّةٍ، ومشاريع أخرى مرتبطةٍ برؤية قطر 2030؛ فالرؤية تكامليّةٌ تشابكيّةٌ في هذا السياق، ولا يمكن إغفال التعليم أو أيّ قطاعٍ آخر، في مسيرة التطوير. ومن هنا، هدف عملي في "معهد راند قطر للسياسات" إلى إعداد القطريّين في مجال السياسات العامّة.
بعد هذه التجربة، حصلت على درجة الماجستير في طرق البحث العلمي ودرجة الدكتوراه في القيادة التربويّة وصنع السياسات، من جامعة كامبريدج، وعدت إلى قطر لأعمل مديرةً للبحوث في "وايز" لمدّة عشر سنواتٍ، حرصت خلالها على الاستمرار في جهودي البحثيّة، وهو النهج الذي أتّبعه أيضًا في عملي الحاليّ في جامعة حمد بن خليفة.
أستطيع تلخيص تجربتي على مدار 28 سنة، بأنّها رحلةٌ متكاملةٌ في مجالات التدريس والأبحاث والاستشارات. أمّا اهتماماتي في البحث، فمدفوعةٌ من إيماني بالتعلّم مدى الحياة. أنا أمٌّ لخمس بناتٍ وأبناءٍ، يتوزّعون على المراحل التعليميّة المختلفة، ما يجعل اهتمامي في التعليم مركّزًا أكثر، للإسهام باستمرارٍ في تطوير التعليم، مع الاهتمام بتطوير القاعدة البحثيّة على المستوي المحليّ والإقليميّ والدوليّ.
كيف كان تعلّمك في المراحل المدرسيّة في قطر؟ وكيف أثّر ذلك في توجّهاتك التربويّة لاحقًا؟
درست في مدرسةٍ حكوميّةٍ، تبعد حوالي 100 كم عن الدوحة في مدينة الشمال. في ذلك السياق، كان لافتًا تشجيع الوالدة والوالد لنا على التعليم، حيث كان يؤكّدان باستمرارٍ أنّ التعليم "جواز سفر" للحياة. في فترة الثلاثينيّات والأربعينيّات في قطر، قبل اكتشاف النفط، لم تكن المدرسة بمعناها الحديث موجودةً، بل كانت الكتاتيب أماكن التعليم، وهناك تعلّمت أمّي القرآن الكريم. بينما انشغل أبي في إعالة العائلة من صيد السمك والبحث عن اللؤلؤ.
في الثمانينيّات والتسعينيّات، الوقت الذي تلقّيت فيه تعليمي المدرسيّ، كانت مرحلة بداية التغيير في قطر. فتوافرت المدارس، خصوصًا للإناث، ومن ثمّ تنوّعت المناهج؛ فكنّا ندرس الأدب والبلاغة والقرآن، وكانت طريقة التعليم مختلفةً عن اليوم، فكان التعليم ممتعًا بالنسبة إلينا، أخذًا بعين الاعتبار عدم توفّر مصادر اليوم.
عندما أنهيت المرحلة الثانويّة، التحقت بجامعة قطر، مع أنّني كنت أودّ الدراسة في الخارج، من باب توسيع تجربتي، واستكشاف معارف متنوّعة. وهذا ما كان بعد زواجي، خصوصًا أنّ درجتَي الماجستير والدكتوراه لم تتوفّرا في قطر في ذلك الوقت. درست الفيزياء في الجامعة، وكان منهج التدريس يركّز على الفيزياء مادّةً، وعلى طرائق التربية وأسسها ومناهجها، لتهيئة الطلبة معلّمين ومعلّماتٍ في نهاية المطاف.
عدت إلى التدريس في مدرستي، وأصبحت معلّماتي زميلاتي في ذلك الحين، الأمر الذي كان مهمًّا في صقل شخصيّتي، وتشكيل مرحلةٍ مهمّةٍ في تجربتي. بعد سبع سنواتٍ، شعرت أنّني جاهزةٌ للتغيير، خصوصًا في ظلّ تحدّياتٍ مختلفةٍ كنّا نمرّ فيها، تتعلّق بالفكر التربويّ التقليديّ، المرتبط بالنظام التوجيهيّ التقييميّ، وتتعلّق أيضًا بقلّة المصادر باللغة العربيّة. وهنا أودّ أن أشيد بدور منهجيّات، وما تقوم به من رفد المجتمع التربويّ العربيّ بمصادر مختلفةٍ باللغة العربيّة. بصفةٍ عامّةٍ، شعرت أنّ هناك ما يعيق تقدّمي، وأنّني بحاجةٍ إلى الانطلاق نحو تجربةٍ جديدة. فكانت تجربة الماجستير الأوّل في بريطانيا، والتي جعلتني أتنبّه في مرحلةٍ لاحقةٍ إلى معرفة أطفالي الغربيّة، إذ باتوا يعرفون الكثير عن "أوليفر تويست" و"الحرب العالميّة الثانية"، بينما تضاءلت معرفتهم عن قطر والثقافة القطريّة، ما دفعني إلى التوجّه إلى كتابة أدب الطفل، فكتبت قصّة "عيسى" التي توضّح دور قطر، والتغيّرات التي مرّت فيها قبل اكتشاف النفط، لتعزيز معرفة الأطفال بوطنهم وبيئتهم وثقافتهم.
الحقيقة أنّ كلّ هذه التغيّرات والتحدّيات كانت تدفعني دائمًا إلى تقدير العلم، والحرص على البحث، والتعلّم المستمرّ، وتقدير قيمة الوقت، من أجل الاستمرار في التجدّد. أعتقد أنّني أميل إلى البحث في قضايا تعكس شغفي، ما يجعلني أذلّل الصعوبات من أجل الوصول إلى النتائج. على سبيل المثال، أنا أوّل قطريّةٍ تحصل على درجة الدكتوراه من كلّيّة التربية في جامعة كامبيردج، علمًا أنّ أطفالي الخمسة تواجدوا معي في تلك المرحلة. أنهيتُ الدكتوراه في أقلّ من ثلاث سنوات، وكان دوري بوصفي أمًّا وطالبة في الوقت نفسه، عاملًا مساعدًا على الإنجاز والتركيز وتقدير قيمة الوقت.
في مقارنةٍ بين الماضي والحاضر، ما العناصر التي علينا تعزيزها لتحضير المتعلّم لمواجهة تحدّيات المستقبل؟ وما المعوّقات التي تحول دون تطبيق نظريّةٍ تربويّةٍ حداثيّة؟
الحقيقة أنّنا عندما ننظر إلى التعليم والتعلّم، علينا أن ننتبه إلى أكثر من عنصرٍ واحدٍ، لا تجعل من الماضي أفضل بالضرورة. إذا نظرنا إلى البيئة الصفّيّة اليوم، على سبيل المثال، نجد أنّ التربويّين يركّزون على وكالة المتعلّم، وهو أمرٌ مهمٌّ لم يكن موجودًا قديمًا؛ إذ كان التعليم في ذاك الوقت تعليمًا تلقينيًّا، يتشابه بنيويًّا بين البيت وغرفة الصفّ، من حيث الاحترام والتلقّي. بصفتي أمًّا وتربويّةً، أؤمن أنّ وكالة المتعلّم مهمّةٌ جدًّا، أي أن نفتح للطلّاب مساحاتٍ للتعلّم الذاتيّ. ابنتي شهد، على سبيل المثال، تعلّمت اللغة الإسبانيّة بطلاقةٍ، وتعلّمت البيانو من دون معلّمٍ، انطلاقًا من شغفها، وبالتالي بحثها واستكشافها. هذا النوع من التعلّم بحاجةٍ إلى انتباهٍ من الأهل أو المعلّم، لتعزيز ممارسات الأطفال، وتشجيعهم على الاهتمام بموهبتهم، أو قضايا تهمّهم.
لست ضدّ الطرق التقليديّة بالمطلق، فأنا مع تعلّم القرائيّة والعمليّات الحسابيّة الأساسيّة كما تُمارس في النظام البريطانيّ وأغلب الأنظمة، ولا سيّما في المراحل الابتدائيّة. ولكن من المهمّ أن نُشرك الطالب لخلق معنًى من التعلّم، وذلك وفقًا لدراساتٍ وأبحاثٍ عديدةٍ خلُصت إلى ذلك. فلا نعلّمه جدول الضرب، من دون أن يفهم ما الهدف من تعلّم جدول الضرب. في مشروعٍ أطلقنا عليه اسم "معمل الابتكار"، وأصدرنا بحثًا عنه في "وايز"، توصّلنا إلى أهمّيّة أن تشكّل المدرسة معملًا للابتكار، وأن يكون الطالب في هذا السياق شريكًا وباحثًا، لتوفير بيئةٍ تكون فيها المدرسة مبنيّةً على البحث والتطوير، وأن يكون المعلّم ميسّرًا لعمليّة تطوّر الطالب الذاتيّ، وبالتالي يكون الطالب شريكًا عمليًّا. كما علينا الانتباه إلى أنّ التعليم التقليديّ قد لا يلبّي التطوّرات أو الأحداث المختلفة، كما حدث خلال جائحة كورونا في الدول المتقدّمة، فكيف يكون الحال في الدول التي تعاني مشكلاتٍ مختلفة!؟
في هذ الصدد، أودّ الإشارة إلى تخوّفٍ ونقصٍ في الجرأة عندما نقارن، مثلًا، القطاع التعليميّ بقطاع الإدارة والأعمال. ففي قطاع الأعمال يتمّ تبنّي فكرةٍ وتطبيقها بسرعةٍ هائلةٍ، بينما في القطاع التعليميّ يستغرق الأمر سنواتٍ لتطبيق فكرةٍ ما. فعلى سبيل المثال، نظريّاتٌ مثل "وكالة المتعلّم" و"التقييم من أجل التعلّم" ليست جديدةً، ولكنّ العائق يكمن في التطبيق، وهو مرتبطٌ بشكلٍ مباشرٍ بالعقليّات السائدة، ما يُسبّب العودة المستمرّة إلى النظم التقليديّة.
كانت أزمة كوفيد فارقةً في التعليم، وقادت إلى تحسيناتٍ هامّةٍ في هذا الصدد، فأجبرتنا الأزمة على تعديل البُنى التحتيّة التعليميّة، ولا سيّما في استخدام التكنولوجيا، وأظهرت أهمّيّة التعلّم عن بُعدٍ، ودفعتنا إلى الابتكار من أجل إيصال التعليم إلى الطلبة في ظروف الحجر الصحّيّ. كما سلّطت الأزمة الضوء على أهمّيّة الاستقلال الذاتيّ للمعلّم، وهو ما أثّر في دوره. خلُصت إحدى الدراسات في "معهد راند للسياسات"، في بداية أزمة كوفيد-19 في الولايات المتّحدة الأميركيّة، إلى أنّ المدارس التي كانت تعتمد على العمل الجماعيّ في التدريس، ومنحت المعلّم استقلالًا ذاتيًّا أعلى، هي المدارس التي استطاعت اجتياز تحدّيات الأزمة.
أشعر أنّ علينا الاستفادة من تجارب القطاعات الأخرى، وهذا ما قمت به في خضمّ بحث الدكتوراه حول إصلاح التعليم وتطويره في قطر. فتطرّقت إلى دراسة القيادة في مجالات الصحّة والأعمال والتربية والتعليم، وحاليا أدرّس مقرّرًا حول "القيادة في فترات التغيير"، يرشد إلى التعلّم، والاستفادة من القصص الملهمة في القيادة في المجالات المختلفة، مثل كأس العالم 2022 في قطر الذي يمثّل قصّة قيادةٍ، من الضروريّ الاستفادة منها وتوثيقها من منحًى قياديّ.
هل يمكن تطبيق نظريّة وكالة المتعلّم في ظلّ وجود مناهج ثابتةٍ وملزمةٍ، وامتحاناتٍ رسميّةٍ، وواضعي سياساتٍ لا يهتمّون بالضرورة بتطوير تفكيرٍ نقديٍّ لدى الطلّاب؟
في البدء علينا عدم تحميل المعلّم فوق طاقته، إنّما دعمه ومساعدته في بيئةٍ تعزّز من كونه مصمّمًا مشاركًا للمنهج، وجزءًا فاعلًا في العمليّة التعليميّة. فعند اختيار موضوعٍ معيّنٍ في المنهج، علينا أن نختبره بالتطبيق على أرض الواقع. وهنا تأتي أهمّيّة المعلّم شريكًا، كونه من يتفاعل مع الطالب على أرض الواقع، وبالتالي هو الأقدر على نقد الموضوع الذي اختير من أجل إدراجه في المنهج. هذا ما يجب أن يكون عليه الأمر أيضًا عند وضع استراتيجيّاتٍ، إذ علينا أن نشرك المعلّم في هذه العمليّة، لتقليص الفجوة بين الاستراتيجيّة المتطلّعة بأملٍ نوعًا ما، وبين الواقع المعاش وتحدّياته. لذا، فالمعلّم هو الفاعل الأنسب لردم هذه الهوّة.
هنا، على القيادة التربويّة أن تؤمن بالمعلّم شريكًا، وتُطوّر التعليم والتعلّم بالتركيز على الصفّ. من هذه النقطة، يصبح التغيير عمليّةً روتينيّةً طبيعيّةً، تأتي استجابةً لغرفة الصفّ، واحتياجات المعلّم والطالب. أودّ أن أشير أيضًا إلى ضرورة توفير وقتٍ للمعلّم، ودعمه بالتعلّم العاطفيّ الاجتماعيّ، والاهتمام بعافيته. باعتقادي الوصفة لتحقيق ذلك سهلةٌ، ولكنّ التردّد والعقليّة التقليديّة غالبًا ما يقفان في وجه التغيير، ما يحوّله إلى ردّ فعل. رأينا هذا بوضوحٍ خلال أزمة كوفيد-19، ومع دخول تطوّرات الذكاء الاصطناعيّ. نحن نستجيب للأزمات فقط، ولسنا سبّاقين في التفكير بوسائل تعزّز الإبداع والتفكير النقديّ.
من منطلق دعم المعلّم، هل سيكون من المفيد جلب ممارساتٍ تربويّةٍ مورست ضمن بيئاتٍ اجتماعيّةٍ وثقافيّةٍ مختلفةٍ، وتطبيقها في سياقنا العربيّ؟ وما المعيار من أجل اختبار هذه الممارسات؟
أقول دائمًا إنّ التعليم ليس نسخ التجربة من مكانٍ إلى آخر، من دون تغييرٍ أو مراعاة اختلافات البيئة والظروف. من هنا، أرى ببساطةٍ أنّ علينا الاستفادة من النظريّات. في الوقت ذاته، هناك عوامل لتعزيز تكوين ممارساتٍ مُثلى، وتوفير مساحةٍ ومسافةٍ زمنيّةٍ من أجل اختبار جدواها. أعتقد أنّ التجريب من أجل التطوير (Improvement Sprint) عمليّةٌ مهمّةٌ من أجل اختبار ممارساتٍ مختلفةٍ، مع تعزيز هذه العمليّة بمجموعة تساؤلاتٍ، وبالتفاعل أيضًا مع الطالب، والذي ستحدّد احتياجاته الكثير من الخطوات والممارسات.
هناك الكثير من أطر العمل، منها الواضحة والمباشرة، والتي تبدأ بأسئلةٍ مثل "كيف؟" و"لماذا؟" و"ماذا؟". ولكنّ الأهمّ هو أن نركّز على الناس والعمليّة والهدف، مع إيلاء اهتمامٍ خاصٍّ للجانب الإنسانيّ من منهجيّة التعلّم الدامج، ودمج الطلّاب ذوي الاعاقة. هذا كان الدافع وراء دراسةٍ أجريناها خلال فترة كوفيد-19، حول تعليم الطلّاب ذوي الاعاقة، وتمكينهم في مسيرتهم التعليميّة المهنيّة. أذكر هذا المثال من أجل التفريق بين الممارسات المُثلى التي يمكننا استغلالها وتوظيفها، وما لا يصلح للسياق. ولكنّ الشاهد هو اختبار هذه الممارسات بالتأمّل والتجريب.
الواضح أنّك من المتحمّسين لاستخدام التكنولوجيا في التعليم، والآن وصلنا إلى الذكاء الاصطناعيّ، وهو موضوع ملفّ عددنا في منهجيّات. ما الآفاق التي تتوقّعينها من استخدام الذكاء الاصطناعيّ في التعليم؟ وهل من هواجس لديك في هذا الموضوع؟
أعتقد أنّ الذكاء الاصطناعيّ، مثل أيّ تغيير في عمليّة التعليم، يدفعنا إلى ضرورة تحقيق التوازن بين دور التكنولوجيا ودور الإنسان. من المهمّ هنا توظيف الذكاء الاصطناعيّ في المهام التي تختصر الوقت والجهد، من أجل التركيز على الجوهريّ في البحث، أو المحوريّ في التعلّم. مع الانتباه إلى مراعاة الجانب الأخلاقيّ في استخدام هذه الأدوات.
على المعلّم أن ينتبه إلى التغيير الذي أحدثه الذكاء الاصطناعيّ في تقليص أهمّيّة استرجاع المعلومات، والتركيز على توظيفها في سياقٍ تعليميٍّ أكثر إبداعًا وإنتاجًا لأفكارٍ نوعيّة. لا أعتقد أنّنا بصدد تقييم استخدام الطالب أدوات الذكاء الاصطناعيّ، إنّما تقييم توظيف الطالب الذكاء الاصطناعيّ في توفير الوقت، من أجل إنتاج أفكارٍ نوعيّةٍ مختلفة. وعلينا، بطبيعة الحال، تقديم الدعم المناسب للطلبة بشكلٍ يطوّر من استخدامهم الذكاء الاصطناعيّ، فهم في نهاية المطاف سيقدّمون مشروعًا، أو سيدافعون عن فكرةٍ، ستتّضح نوعيّتها وتميّزها ببصمتهم الشخصيّة.
يجب الانتباه إلى أنّ مواقع الذكاء الاصطناعيّ مجرّد مصادر، من أجل الابتعاد عن فكرة الإنتاج الفكريّ الآليّ، وإنتاج فكرٍ أصيلٍ قائمٍ على تحليلٍ دقيقٍ وعميقٍ، وتقديم آراءٍ مختلفةٍ تتأمّل في فكرةٍ ما. يمكن توظيف أدوات الذكاء الاصطناعيّ بما يخدم هذا السير، لاختصار الوقت، وتلخيص بعض الأمور، وما إلى ذلك من مهامٍ تسهّل على الطالب الوصول إلى خلاصته ومقولته.
كثيرةٌ هي الدراسات التي ترصد تغيّر التعليم، وتخلُص إلى أنّ المستقبل دائمًا سيفاجئنا. بالتالي هدفنا إعداد طلبةٍ قادرين على مواجهة التحدّيات، متجاوبين مع مدخلات الحياة ومتفاعلين معها، ولديهم أدواتٌ تُمكّنهم من النقد والتحليل والفهم والتأمّل، وصولًا إلى حقيقة أنّهم سيستمرّون في التعلّم إلى الأبد. علينا التفكير بالمستقبل، واستشرافه، فهناك الكثير من المتغيّرات التي تقلب الموازين وتغيّر التوجّهات، وعلى متعلّم اليوم أن يوسّع آفاقه لفهم هذه التغيّرات، ونقدها، وتحليلها، وتوظيفها في سياقات الحياة. فقد أوضح بيتر سينج في كتابه "الانضباط الخامس"، فكرة الإعداد التكامليّ للمؤسّسة التعليميّة، من الرؤية إلى أصغر المركّبات.
تناولت موضوع التعليم في حالات الطوارئ، وأشرت إلى مثال التعليم في ظلّ العدوان على غزّة. ما سمات هذا التعليم برأيك؟ وإلامَ يحتاج كلٌّ من القيّمين على التعليم، والمعلّمين؟
من تجربتنا خلال جائحة كوفيد-19، أدركنا أنّ على الأنظمة التعليميّة أن تكون متكيّفةً ومرنةً مع الظروف المختلفة. كما عليها أن تهتمّ بعافية المعلّم والطالب، وتأخذ بعين الاعتبار الدروس المستفادة، لا أن تهملها بعد انقضاء أزمةٍ معيّنة. من الضروريّ في هذا السياق، أن تضع الأنظمة التعليميّة خطط طوارئ سريعة التنفيذ، من أجل مواكبة الظروف والحفاظ على التعلّم.
أودّ الإشارة إلى أهمّيّة الشراكات الإنسانيّة في التعليم، خصوصًا في ظلّ العدوان على غزّة. تشكّل هذه الشراكات محاور وسلاسل دعمٍ أساسيّة. من المهمّ الانتباه إلى تطوير المعلّمين المهنيّ المستمرّ، ليطّلعوا باستمرارٍ على أحدث الأبحاث والممارسات، ويتمكّنوا من بناء خططٍ في حالات الطوارئ، وتحقيق التغيير الإيجابيّ المأمول في الظروف العاديّة. على سبيل المثال، كان من المهمّ تعليم المعلّمين في مناطق الحروب الاهتمام بالنواحي النفسيّة للطالب، والقيام بعمليّة تفريغٍ نفسيٍّ تسبق التعليم، ومن ثمّ الانتباه إلى أن تجري عمليّة التعليم بأدواتٍ وأساليب محبّبةٍ، تخفّف من ثِقل الواقع. ومن الضروريّ، وتحديدًا في غزّة التي تمرّ بإبادةٍ جماعيّةٍ، التركيز على السلامة النفسيّة للطلّاب قدر المستطاع، إلى حين تجاوز هذه الأزمة، والحفاظ على قرائيّة الطلّاب.
خلال هذه التجربة الطويلة، حقّقت الكثير. ما الذي تحلمين بتحقيقه اليوم؟ سواء في قطر أو العالم العربيّ؟
المعلّم، المعلّم، ثمّ المعلّم. أن نركّز على المعلّم إنسانًا وشريكًا مهمًّا في بناء استراتيجيّات التعليم، وفاعلًا في تغيير سياساته. ومن ثمّ الانتباه إلى الطلّاب فاعلين في عمليّة تعلّمهم، وتحفيزهم بخلق دوافع شخصيّةٍ لديهم، من أجل أن ينطلقوا نحو خلق معنىً تعلّميٍّ خاصٍّ بكلّ واحدٍ منهم. يتمثّل دور النظام التعليميّ في تحفيز تعليم الطلّاب، بتغيير طريقة التعليم، وفهم طبيعة المتعلّم، من أجل بناء استجابةٍ تتناسب وكلّ متعلّمٍ، فيشعر أنّه في مسيرةٍ تتفاعل معه، مع الانتباه إلى خصوصيّة كلّ بيئة.
كونك من أسرة منهجيّات، وعضو في هيئتها الاستشاريّة، ما النصيحة أو الملاحظة التي تقدّمينها إليها؟
أفخر كثيرًا بمنهجيّات، وعمقها، فهي الآن تشكّل مرجعًا مهمًّا، في سياقٍ تقلّ فيه المصادر باللغة العربيّة، فقد أثار اهتمامي التنوّع العربيّ بين كُتّابها. أشعر أنّ منهجيّات غطّت حاجةً كبيرةً لم تستطع تغطيتها مؤسّساتٌ أكبر حجمًا، وأطول عمرًا، خصوصًا في مجال المقالات المهنيّة العمليّة، وفي مجال الندوات الشهريّة، وهما مجالان يفتحان أمام المعلّمين أفقًا تجريبيًّا، ويدفعانهم إلى المشاركة أيضًا. لكنّني أطمح إلى أن تكون منهجيّات معروفةً على نطاقٍ أوسع. بصفةٍ عامّةٍ، أنا فخورةٌ بالتطوّر المستمرّ، وجودة المقالات وتنوّعها، وتحوّل منهجيّات إلى مرجعٍ للمعلّمين والمعلّمات باللغة العربيّة.