المراهقة مرحلة انتقاليّة في حياة الطفل، وهي نقطة التحوّل التي يبحث فيها الطفل عن هويّته، إنسانًا راشدًا يملك مساحته الشخصيّة المستقلّة واختياراته الخاصّة. حازت مسألة مناقشة وقت نهاية مرحلة المراهقة وعلاماتها اهتمام الكثير من التربويّين والآباء، نظرًا إلى اتّسامها بطبيعة متقلِّبة وحرجة، وتستغرق بعض الوقت من المراهق حتّى يصل إلى برّ النضج بأمان. في هذه المقالة، تشرح لكم منهجيّات المراحل التي يمرّ فيها المراهق حتّى يكتمل بناء شخصيّته الراشدة، ويصبح مؤهَّلًا ليتحمّل مسؤوليّة الخروج من عباءة الطفولة، وتشكيل حياته المستقلِّة.
هل يمكن تحديد نهاية مرحلة المراهقة؟
تختلف مرحلة المراهقة من شخص إلى آخر، ويعتمد تحديدها على مرور الشخص في مراحل محدّدة ومليئة بالتطوّرات والتغيّرات الهرمونيّة والعقليّة والجسديّة. لذلك، قبل تحديد نهاية مرحلة المراهقة، من المهمّ تحديد مراحل سنّ المراهقة.
ماذا يحدث قبل نهاية مرحلة المراهقة؟
يبدأ سنّ المراهقة من العاشرة، ويمرّ المراهق، بدءًا من هذا السنّ، بالعديد من التغيّرات الفسيولوجيّة والاجتماعيّة والعاطفيّة التي تسهم بشدّة في تشكيل شخصيّته الراشدة. وحتّى يصل المراهق أخيرًا إلى مرحلة النضج، تطرأ عليه العديد من السمات الجديدة التي لم يعتد محيطه الأسريّ عليها سابقًا. من ناحية أخرى، ونظرًا إلى تراجع مفهوم المسؤوليّة لدى الشباب عامّةً، بات المجتمع يعزو العديد من السلوكيّات إلى مرحلة المراهقة، لذلك أصبح من المهمّ مناقشة ماهيّة السنّ الفاصلة بين المراهقة والرشد، والتي أصبحت محلّ خلاف في المجتمع.
ما مراحل سنّ المراهقة؟
تنقسم فترة المراهقة عمريًّا إلى ثلاث مراحل:
المراهقة المبكِّرة
تمتدّ مرحلة المراهقة المبكِرة من سنّ 10 إلى 13 سنة، وتُمثِّل هذه الفترة تحديًّا كبيرًا بالنسبة إلى الطفل، لأنّها مرحلة انتقاليّة من الطفولة الآمنة والخالية من المسؤوليّات الكبيرة، إلى بداية الرشد ومحاسبة الآخرين له على تصرّفاته، بحكم تعدّيه مرحلة الطفولة، حين كان معتمدًا على القوّة البدنيّة لمن هم أكبر منه، وعلى حنكة والديه في التصرّف، ليدخل مرحلة جديدة يطبّق فيها ما تعلمّه خلال 10 سنوات من التربية المستمرِّة. تتّسم هذه المرحلة عمومًا بكثرة التغيّرات الفجائيّة اللافتة للنظر في الهيئة والتصرّفات، كما يتّسم المراهقون في هذه المرحلة بالعصبيّة وردود الأفعال الانفعاليّة، وقلّة المرونة في الاستجابة إلى المواقف، والتي قد تكون على عكس طبيعتهم الشخصيّة قبل هذا العمر.
المراهقة الوسطى
في مرحلة المراهقة الوسطى الممتدّة من سنّ 14 إلى 17 سنة، تستمرّ التغيّرات الطارئة على مظهر المراهقين وطبيعتهم الفسيولوجيّة، مثل تغيّر نبرة الصوت لدى الذكور وانتظام الدورة الشهريّة لدى الإناث. كما يبدأ تشكّل حياة المراهقين العاطفيّة وفضولهم نحو الجنس الآخر في هذه المرحلة. يمرّ المراهقون بكثرة الخلافات العائليّة، لأنّ ميولهم نحو الاستقلال وصناعة هويّتهم واهتماماتهم الخاصّة، بعيدًا عن والديهم، يبدأ في هذه المرحلة. يبحث المراهقون عن الشعور بالقيمة الذاتيّة ولو على حساب الآخرين، ولا يهتمّون إلّا بأنفسهم. لذلك، يجدون في التمرّد على قيم الكيان العائليّ والندّيّة المستمرّة مع والديهم مصدرًا لتحقيق هذا الشعور.
المرحلة النهائيّة
أصبحت نهاية مرحلة المراهقة مصطلحًا واسعًا بعض الشيء، إذ باتت تشمل فئة الشباب أكثر من الأجيال السابقة. غدا انتقال الشباب، ولا سيّما أبناء مرحلة ما بعد الألفيّة، من مرحلة المراهقة إلى النضج، مسألة أكثر تعقيدًا من ذي قبل، نظرًا إلى زيادة الرفاهية في العصر الحديث، وتغيّر التسلسل الطبيعيّ الذي يرتِّب المسؤوليّات والأدوار الجديدة. أصبحت المجتمعات الآن تتعامل مع مرحلة أوائل العشرينات حتّى منتصفها، مرحلةً تابعة للمراهقة على عكس الأجيال السابقة التي كانت تُحمِّل الشباب في هذا العمر قدرًا أكبر من المسؤوليّات، وترى أنّهم مستعدّون للقيام بأدوارهم الاجتماعيّة اللاحقة.
بالإضافة إلى ذلك، للفروق الفردية أثر في تحديد نهاية مرحلة المراهقة، حيث يؤثِّر اختلاف الشخصيّات والطباع وطريقة النشأة وعدد التجارب الواقعيّة ورصيد الخبرة الحياتيّة لدى المراهق، في سرعة انتقاله إلى مرحلة النضج. في المقابل، كلّما قلّ احتكاك الشاب بواقع الحياة العمليّة والمسؤوليّات التي تتطلّب اتّخاذ القرارات الناضجة أو المواقف الحاسمة، توقّف نضجه الفكريّ عند مرحلة المراهقة مدّة أطول.
متى تنتهي مرحلة المراهقة؟
تبدأ مرحلة المراهقة، وفق ما بيّنه علم النفس، من عمر 10 سنوات، ولم يحدث أيّ إجماع على عمر محدّد لنهايتها. لكن، في بعض الأحيان، قد تنتهي بين عمري 21 و25 عامًا، وفي هذه الحالة تُسمَّى بفترة المراهقة المتأخِّرة. عند انتهاء مراهقة ابنك يكتمل لديه النضج العقليّ والجسديّ وتستقرّ حالته النفسيّة والعاطفيّة وعلاقاته الاجتماعيّة، وتبدأ ملامح شخصيّته الراشدة بالظهور.
ما علامات انتهاء مرحلة المراهقة؟
هناك عدّة علامات رئيسة تشير إلى نهاية مرحلة المراهقة. قد تختلف هذه العلامات مع اختلاف المراهق وبيئته، ولكن تعدّ العلامات الآتية هي الأكثر شيوعًا:
تحمّل المسؤوليّة
يبدأ ابنك بتحمّل الأعباء الاجتماعيّة التي قد تتطلّب منه التنازل أو التضحية برغباته أحيانًا، مثل الزواج أو العمل. بالإضافة إلى تحمّله مسؤوليّة الأخطاء من دون التهرّب منها، أو تحميلها لشخص آخر، واغتنامه الفرص لاتّخاذ خيارات مستنيرة والتعلّم من أخطائه.
التأمّل الذاتيّ والنموّ
يستمرّ ابنك في عمليّة اكتشاف الذات والنموّ الشخصيّ التي بدأها خلال فترة المراهقة، ويستمرّ بوضع أهداف محدّدة واكتشاف اهتمامات جديدة. فضلًا عن الاستثمار في تطوير المهارات التي تتوافق مع تطلّعاته.
بناء شبكات داعمة من العلاقات
أثناء انتقال ابنك إلى مرحلة البلوغ، يبدأ بتكوين علاقات ذات مغزى مع الأقران والموجِّهين من النماذج التي يُحتذى بها، لتقديم التوجيه والدعم خلال مراحل حياته المحوريّة.
التأنّي
بفضل الوعي، يبدأ ابنك في مرحلة الرشد بدراسة قراراته بتأنٍّ، ويبتعد عن القرارات الفجائيّة الناتجة عن الاندفاع والتهوّر.
الاتّزان النفسيّ والعاطفيّ
يصبح الشاب الناضج قادرًا على تحديد ميوله وقياس مشاعره بلا تهويل، ومواجهة المواقف الصعبة بعقلانيّة. كما تصبح ردود أفعاله أكثر نضجًا وعقلانيّة بتقبّله الرأي الآخر برحابة صدر، عكس ما كان يحدث في مرحلة المراهقة من تمسّك شديد برأيه.
إدراك التبعات السلبيّة التي تتبع خياراته
يُفضِّل المراهق التجوّل مع أصدقائه على الدراسة، من دون مبالاة لما يتسبّب له ذلك من تأخّر دراسيّ. في حين يبدأ، عند دخوله مرحلة الرشد، بمنح الأولويّة لعمله وتقدّمه المهنيّ.
* * *
تعدّ نهاية مرحلة المراهقة علامة فارقة في رحلة ابنك أو ابنتك نحو سنّ الرشد، حيث يمثّل تتويجًا للتطوّر الشخصيّ المنوط بتحمّل المسؤوليّة والاستقلاليّة على نطاق أكبر. يتضمّن تبنّي هذا التحوّل قبول التحدّيات والفرص التي تطرحها مرحلة البلوغ، ورعاية النموّ الشخصيّ، وبناء أساس حياة مُرضية وهادفة. عندما يدخل ابنك سنّ الرشد يشرع في فصل جديد من اكتشاف الذات والسعي خلف تطلّعاته.
اقرأ أيضًا
طرق التعامل مع المراهق العنيد | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)
مشكلات المراهقين النفسيّة وكيفيّة التعامل معها | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)
المراجع
https://www.hup.harvard.edu/catalog.php?isbn=9780674916500
https://www.bbc.com/news/health-42732442