ما عواقب تدليل الطفل الزائد وآثاره؟
ما عواقب تدليل الطفل الزائد وآثاره؟

يسعى العديد من الوالدين في أيّامنا لتوفير حياة مثاليّة لأطفالهم، ويحرصون على تلبية كافّة احتياجاتهم ورغباتهم، إلاّ أنّ الاهتمام المفرط قد يؤدّي إلى نتائج غير متوقّعة تؤثِّر سلبًا في شخصيّة الطفل وتطوّره. يُعدّ تدليل الطفل الزائد أحد أهمّ القضايا التي تواجه الأسرة خلال رحلتها في تربية أطفالها، حيث يمكن أن تترتّب عليه آثار طويلة الأمد تمتدّ إلى مراحل متقدّمة من حياة الطفل. 

في مقالة اليوم، نعرض مفهوم تدليل الطفل الزائد وصفات الطفل المدلّل، كما نتطرّق إلى طريقة التعامل مع الطفل المدلّل والعنيد. 

 

ما صفات الطفل المدلّل؟ 

هناك العديد من الصفات التي تتجلّى في الطفل المدلّل والعنيد، والتي يمكنك التعرّف إليها بسهولة، حيث يتّسم الطفل المدلّل في كثير من الأحيان بالعناد، وبرغبة مستمرّة في الحصول على كلّ ما يريد من دون اعتبار أيّ قيود، أو احترام أيّ قواعد. بالإضافة إلى ذلك، نجد أنّ مثل هؤلاء الأطفال يتّصفون بما يلي: 

لا يتقبّلون سماع إجابة "لا"

عندما تخبر الطفل المدلّل بأنّه لا يمكنه الحصول على شيء ما، أو تمنعه من القيام بتصرّف معيّن، تجد أنّه لا يتقبّل هذا الرفض، ويُصاب بنوبة بكاء أو غضب حادّة، وقد يستمرّ في الصراخ والنواح إلى أن تُلبّى طلباته. 

وفي الوقت الذي قد يكون فيه هذا التصرّف طبيعيًّا لدى الأطفال، ولكنّه ينتشر بكثرة وحدّة لدى الأطفال المدلّلين، ويستمرّ ظهوره حتّى عندما يكبرون في السنّ. 

لا يشعرون بالرضا إطلاقًا 

قد يمتلك الطفل المدلّل مئات الألعاب، ولكنّه يرغب في المزيد والمزيد. مثل هؤلاء الأطفال لا يقدّرون ما لديهم ولا يشعرون بالرضا إطلاقًا مهما قدّمت لهم. وبدلاً من قول "شكرًا" عندما تقدّم إليهم شيئًا، تجدهم غير مهتمّين، ويبدؤون بالفعل بالتركيز على الشيء التالي الذي يريدون الحصول عليه. 

يعتقدون أنّهم محور الكون 

غالبًا ما يكون اهتمام الطفل المدلّل وتركيزه منصبًّا على ذاته فقط. فهو يفكِّر في نفسه أكثر ممّا يفكّر في الآخرين. ويشعر دائمًا أنّ له الحقّ في الحصول على اهتمام الآخرين وعنايتهم، بل ويتوقّع منهم أن يكونوا دائمًا في خدمته، وعلى أهبّة الاستعداد لتلبية جميع طلباته في الحال. 

لا يتحمّلون الخسارة 

واحدة من أهمّ صفات الطفل المدلّل افتقاره إلى الروح الرياضيّة، وعدم قدرته على تقبّل الخسارة. قد يظهر ذلك في إحدى الصور التالية: 

  • - إلقاء اللوم على الآخرين عند التقصير. 
  • - توقّع المدح على كلّ شيء يقوم به. 
  • - الصراخ على الآخرين إذا لم يقوموا بالأمور وفق طريقته الخاصّة. 
  • - يرفض تقبّل نجاح منافسيه. 

يرفضون إتمام المهمّات مهما كانت بسيطة

يرفض الطفل المدلّل إتمام المهمّات البسيطة عندما تطلب إليه ذلك للمرّة الأولى. قد يرفض غسل أسنانه أو ترتيب سريره، وقد يتجاهل كلّ واجباته ويرفض القيام بها إلاّ بعد أن تتوسّل إليه، أو تعده بمكافأة مقابل أداء المهمّة.  

 

آثار تدليل الطفل الزائد

يؤثّر تدليل الطفل الزائد في صحّته النفسيّة ورفاهيّته العامّة. عندما يحصل الطفل باستمرار على كلّ ما يريده من دون أن يبذل جهدًا أو يتلقّى رفضًا، وعندما يخطئ من دون أن يواجه عواقب أفعاله، يولد لديه شعور بالاستحقاق المزيّف. وهذا الشعور يؤدّي بدوره إلى عدم تقدير جهود الآخرين، ويجعل من الصعب على هذا الطفل فهم قيمة العمل الجادّ والمثابرة. بالإضافة إلى ذلك، تتجلّى آثار تدليل الطفل الزائد في علاقاته مع أقرانه، ولا سيّما في المدرسة. نذكر منها: 

صعوبة التكيّف مع القواعد 

يتعيّن على الأطفال عامّةً الالتزام بقواعد محدّدة في المدرسة، مثل الانتظار في الطابور أو المشاركة في الأنظمة الجماعيّة، واحترام حقوق الآخرين. لكنّ الطفل المدلّل الذي اعتاد أن تُلبَّى جميع رغباته فورًا، قد يجد صعوبة في التكيّف مع هذه القواعد؛ ممّا قد يؤدّي إلى مشكلات سلوكيّة وخلافات مع المعلّمين والأقران. 

الطفل المدلّل قد يفشل في بناء صداقات مع الأقران 

يواجه الأطفال المدلّلون صعوبة في بناء صداقات متينة مع أقرانهم، بسبب ميلهم إلى التسلّط أو محاولة فرض آرائهم حول الآخرين؛ ممّا يسبّب نفور أقرانهم منهم، ويؤدّي إلى شعورهم بالعزلة الاجتماعيّة والوحدة. 

تدليل الطفل الزائد يعوق تطوّر مهاراته 

بالإضافة إلى ما سبق، يؤثّر تدليل الطفل الزائد في تطوّر مهاراته الحياتيّة الأساسيّة. لن يكون الطفل المدلّل قادرًا على التعامل مع خيبة الأمل والإحباط وتأخّر تحقّق الرغبات. وهي مهارات لا بدّ من اكتسابها في سنّ مبكّرة لتطوير القدرة على التحمّل. 

نتيجة ذلك، يجد الطفل المدلّل صعوبة في التعامل مع النكسات، ويكون معرّضًا أكثر لتقلّبات المزاج وعدم الاستقرار العاطفيّ، وحينما يكبر سيواجه صعوبات بالغة في علاقاته الشخصيّة والمهنيّة. 

تراجع الأداء الدراسيّ

قد يؤثِّر تدليل الطفل الزائد في تراجع أدائه الدراسيّ، حيث يكون مشتّتًا في المدرسة بسبب عدم حصوله على الاهتمام الذي اعتاد عليه في المنزل، ولن يتمكّن من التركيز على دراسته. ليس هذا وحسب، فعدم قدرة الطفل على الاندماج مع أقرانه يجعل من الصعب عليه التعاون معهم في إنجاز المهمّات والواجبات الدراسيّة المشتركة؛ ممّا يؤثِّر في نهاية المطاف في تحصيله الأكاديميّ.  

توقّعات خياليّة ونظرة مشوّهة إلى العالم 

يؤدّي تدليل الطفل الزائد إلى خلق توقّعات غير واقعيّة ونظرة مشوّهة للعالم لديه. قد يعتقد الطفل المدلّل أنّه يستحقّ معاملة خاصّة دائمًا، وأنّ الحياة يجب أن تلبّي رغباته، ولكن، عندما يصطدم بحقيقة العالم الواقعيّ، يشعر بالإحباط وخيبة الأمل، ويجد صعوبة في التكيّف مع متطلّبات هذا العالم؛ ممّا يقلّل من تقديره ذاته، ويسبّب له الكثير من المشكلات النفسيّة الأخرى. 

 

طريقة التعامل مع الطفل المدلّل والعنيد 

يحتاج التعامل مع الطفل المدلّل إلى الكثير من الصبر، والثبات والتفهّم. ومن الصعوبة بمكان تغيير أسلوب الدلال في التربية. لكن، بعد أن عرضنا مضارّ تدليل الطفل المفرط وآثاره، بات من الضروريّ تغيير نهج التربية، واتّباع أساليب تربويّة أكثر إيجابيّة. 

في ما يلي عشرة طرق تساعدك على التعامل مع الطفل المدلّل: 

1. ضع حدودًا وتوقّعات واضحة ومحدّدة 

الخطوة الأولى للتعامل مع الطفل المدلّل وضع حدود واضحة. يجب على الوالدين توضيح القواعد والعواقب المترتّبة على سلوك الطفل غير الصحيح. ويجب عليهما أيضًا الالتزام بتطبيق هذه الحدود وتعزيزها. عندها، يتعلّم الطفل أنّ بعض السلوكات غير مقبولة، وتؤدّي إلى عواقب سيّئة سبق توضيحها من قبل. ويتعلّم تدريجيًّا تجنّبها وإظهار سلوكات أكثر إيجابيّة. 

2. امدحه وشجِّعه في الأوقات المناسبة 

عندما يُظهر طفلك المدلّل سلوكًا إيجابيًّا، احرص على الإشادة به وتقديره. دعه يتعلّم أنّ السلوك الجيّد يبقى محطّ تقدير واحترام. وادعم المدح بالمكافآت والجوائز أحيانًا (من دون مبالغة). قد يشجّع ذلك الطفل على الاستمرار في إظهار المزيد من السلوكات الإيجابيّة. 

3. شجّع طفلك على التعاطف والامتنان 

علّم طفلك المدلّل معنى التعاطف والامتنان كي تساعده على تطوير نظرة تراعي الآخرين وتقدّرهم. يمكنك، مثلاً، مشاركة طفلك في محادثات حول مشاعر الآخرين، وقراءة قصص أو مشاهدة أفلام وبرامج حول ذلك.  

شجِّعه أيضًا على إظهار الامتنان لما يمتلكه، بل والتعبير عن امتنانه عندما يقدّم له أحدهم شيئًا أو يعامله بلطف. يبدأ طفلك تدريجيًّا بفهم مشاعر الآخرين ويتعلّم شيئًا فشيئًا كيف يقدّرها. 

4. عاقبه على السلوكات السلبيّة 

كما سبق أن ذكرنا في النقطة الأولى، لا بدّ من أن يعرف الطفل أنّ هناك عواقب لسلوكه السلبيّ، وهذا لا يتحقّق إلّا بالالتزام بتطبيق العقوبة دائمًا في حال تصرّف الطفل تصرّفًا سلبيًّا. كما من المهمّ أن تكون العقوبة فوريّة ومتناسبة مع الفعل، ومرتبطة بالسلوك الخاطئ. تجنّب العقوبات القاسية أو التي لا تتلاءم مع سلوك الطفل الخاطئ. فبالالتزام بهذا الأمر، يفهم الطفل شيئًا فشيئًا تأثير أفعاله؛ ممّا يشجعّه على اتّخاذ قرارات أفضل في المستقبل.

5. كن قدوة حسنة لطفلك 

يمثّل الوالدون ومقدّمو الرعاية قدوة للسلوك الذي يتعلّمه الطفل. وعليه، فإظهار صفات مثل اللطف والاحترام والصبر، يساعد الطفل على فهم أهمّيّة هذه الصفات. لذا، احرص على إظهار سلوك إيجابيّ في تعاملاتك اليوميّة، أو عند مواجهة التحديّات، لأنّ أطفالك سيقلّدون سلوكاتك على الأرجح. 

6. عزّز لدى طفلك شعور الاستقلاليّة وحسّ المسؤوليّة 

من أهمّ طرق التعامل مع تدليل الطفل الزائد تعزيز استقلاليّته وحسّه بالمسؤوليّة. امنح طفلك مهمّات ومسؤوليّات مناسبة عمره، حيث يُشعره ذلك بالإنجاز والاعتماد على الذات، ويعلّمه أنّ الامتيازات والمكافآت تأتي مرفقة بالمسؤوليّة، وليست استحقاقًا بديهيًّا.

7. قلّل من المكافآت المادّيّة 

غالبًا ما يكون اهتمام الطفل المدلّل منصبًّا على كلّ ما هو مادّيّ، ونادرًا ما يولي أيّ أهمّيّة للأمور ذات القيمة المعنويّة. لذا، فإحدى أهمّ الطرق لمعالجة الدلال في التربية تقليل الهدايا المادّيّة، والتركيز، بدلاً من ذلك، على التجارب المعنويّة، كقضاء وقت جيّد مع طفلك، أو عيش مغامرات مميّزة...

بهذه الطريقة، يبدأ طفلك تدريجيًّا بتقدير الأمور غير المادّيّة، ويدرك أخيرًا أنّ السعادة لا ترتبط بما هو مادّيّ فحسب، بل يمكن تحقيقها بالعديد من الأشياء الأخرى. 

8. تواصل مع طفلك 

يسهم تشجيع التواصل المفتوح والصادق مع الطفل في خلق بيئة داعمة. استمع إلى مشاعر طفلك ومخاوفه، فهذا يمكّنه من التعبير عن نفسه ويعزّز ثقته بك؛ ممّا يؤدّي إلى سلوك أفضل، ويسهم في حلّ المشكلات بفعّاليّة أكبر. 

9. اقضِ وقتًا ممتعًا مع طفلك 

غالبًا ما يريد الطفل المدلّل أن يكون وقت والديه له فقط، فنجد أنّه يطلب الاهتمام دائمًا عندما يرى والديه منشغلين عنه، وتزداد حدّة هذا السلوك عندما يتجاهل الوالدان حاجة طفلهم إلى الاهتمام والانتباه. 

لذا، احرص على تخصيص وقت تقضيه مع طفلك، وحدكما، بحيث تمنحه كامل اهتمامك وانتباهك، وتجرّب معه ألعابًا أو أنشطة ممتعة. يسهم هذا الأمر في تقوية العلاقة بينكما، ويساعده تدريجيًّا على تقبّل انشغالك عنه في أوقات أخرى، لأنّه سيدرك أنّ له وقته الخاصّ. 

10. كن صبورًا 

التعامل مع طفل مدلّل عمليّة تتطلّب الصبر والاستمراريّة، إذ ليس من السهل تغيير سلوك واستبداله بآخر. التزم بالاستراتيجيّات التي اخترتها للتعامل مع طفلك، وكن صبورًا خلال هذه الفترة، ولا تنسَ دعمه وتشجيعه، لتحفيزه على تطوير سلوكات أكثر إيجابيّة. 

* * *

من الطبيعيّ أن يرغب أيّ والد أو والدة في تقديم الأفضل لأطفالهم. ومع ذلك، فالاستجابة لرغباتهم وأهوائهم، حتّى وإن لم تكن لمصلحتهم، قد تؤدّي إلى الكثير من المشكلات مستقبلًا. من المهمّ دائمًا خلق توازن بين تأديب الطفل وتربيته وإسعاده، ومن المهمّ التوعية بأنّ الأطفال المدلّلين ليسوا دائمًا سعداء وراضين بحياتهم. لذا، فالتدليل الزائد ليس الحلّ لإسعاد طفلك. 

 

المراجع

https://www.mindshiftwellnesscenter.com/spoiled-children/ 

https://www.medicinenet.com/how_do_you_know_if_your_child_is_spoiled/article.htm 

https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/2642617/#:~:text=The%20spoiled%20child%20syndrome%20is,to%20spoiling%20as%20properly%20understood

https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/2642617/#:~:text=The%20spoiled%20child%20syndrome%20is,to%20spoiling%20as%20properly%20understood