من المهمّ لصحّة الطفل العقليّة والنفسيّة أن يكون قادرًا على الاندماج في منزله ومدرسته، ومع أقرانه. ومع ذلك، نجد أنّ بعض الأطفال يشعرون كما لو أنّهم غرباء في محيطهم، وينتابهم الشعور بعجزهم عن الانتماء إلى البيئة المحيطة بهم، بل نجدهم يجزمون بأنّهم لن يتمكّنوا من الانتماء في حياتهم.
في مقال اليوم، نتعرّف إلى أهمّ أسباب عدم اندماج الطفل مع أقرانه، وآثار هذا الشعور، بالإضافة إلى أهمّ النصائح والأفكار التي تساعده على تكوين صداقات مع أقرانه وأبناء جيله.
ما الذي يترتّب على شعور الطفل بأنّه غير محبوب؟
يمكن أن يؤثّر شعور الطفل بأنّه غير محبوب سلبًا في نموّه العاطفيّ والنفسيّ، وقد تترتّب عليه عدّ نتائج سلبيّة، منها:
انخفاض الثقة بالنفس
عندما يكون الطفل غير قادر على الاندماج مع أقرانه، يتنامى في داخله تصوّر سلبيّ عن نفسه؛ ممّا يؤثّر في تقديره ذاته ويُضعف ثقته بقدراته وإمكاناته.
صعوبة تكوين الصداقات وبناء العلاقات
استمرار شعور الطفل بأنّه غير محبوب يجعل من الصعب عليه تكوين علاقات صحّيّة مع الآخرين مستقبلًا، سواء مع أقرانه أم مع البالغين. وذلك بسبب شعوره بالخوف من الرفض وتراجع ثقته بنفسه.
القلق والاكتئاب
نعم، عدم اندماج الطفل مع أقرانه، وعجزه عن تكوين صداقات معهم قد يطوّر لديه مشاعر القلق والتوتّر التي، إن استمرّت لفترات طويلة، قد تتحوّل إلى اكتئاب.
تزايد السلوكات العدوانيّة
قد يلجأ الطفل إلى إظهار سلوكات عدوانيّة للتعبير عن ألمه وإحباطه نتيجة عدم قدرته على الاندماج مع أقرانه، أو قد يلجأ إلى الانسحاب والعزلة، لحماية نفسه من الشعور بمزيد من الألم والرفض.
ظهور ميول إرضاء الآخرين
عندما يفشل الطفل في تكوين صداقات مع أقرانه، قد يبدأ بتطوير ميول إرضاء الآخر على حسابه، معتقدًا أنّ ذلك هو الحلّ الأمثل لكسب الأصدقاء والشعور بالتقبّل.
ما أسباب عدم اندماج الطفل مع أقرانه؟
اختلافات في البيئة المحيطة بالطفل
تتعدّد أسباب عدم اندماج الطفل مع أقرانه وتختلف باختلاف البيئات والأشخاص والظروف. على سبيل المثال، في بعض الدول نجد الأطفال ذوي البشرة الغامقة يواجهون صعوبات في الاندماج مع أقرانهم. كذلك حال الأطفال المغتربين الذين ينتقلون إلى بلدان أخرى، تختلف كلّ الاختلاف في اللغة والثقافة عن بلدانهم الأصليّة.
قد يكون اختلاف مستوى العائلة الاجتماعيّ والماديّ أحد أسباب عدم اندماج الطفل مع أقرانه، ولا سيّما إن كان الطفل من عائلة ذات مستوى أدنى بكثير من المجتمع المحيط به، أو المدرسة التي يرتادها.
بمعنى آخر، الاختلاف الكبير بين الطفل وبين البيئة المحيطة به قد يؤدّي إلى عدم اندماجه مع الأقران، سواء أكان هذا الاختلاف خَلقيًّا (كما في حالة الأطفال ذوي البشرة المختلفة)، أم اجتماعيًّا، أم ثقافيًّا.
المراحل الانتقاليّة الأكاديميّة
سبب آخر من أسباب عدم اندماج الطفل مع أقرانه، يتمثّل في المراحل الانتقاليّة الأكاديميّة، كانتقال الطفل من مدرسة إلى أخرى، أو من المدرسة الابتدائيّة إلى المرحلة المتوسّطة أو الثانويّة.
الممارسات التربويّة الخاطئة
عندما يكبر الطفل وينمو في بيئة أسريّة تعزِّز لديه الشعور بالتفوّق على أقرانه، سواء بالتلميح المستمرّ بأنّه أغنى أو أذكى منهم، أم بالتدليل الزائد، فذلك يؤدّي إلى انعزاله عنهم وصعوبة الاندماج وبناء صداقات معهم. فبدلاً من رؤية أقرانه أصدقاء وشركاء في اللعب والتعلّم، يراهم منافسين أقلّ قيمة منه؛ ممّا يخلق حاجزًا نفسيًّا بينه وبينهم، ويحول دون بناء علاقات ذات مغزى معهم.
المشكلات الصحّيّة واضطرابات الشخصيّة
قد لا تعود عدم قدرة الطفل على الاندماج إلى شخصيّة الطفل، وإنّما إلى مشكلات أو اضطرابات صحّيّة ونفسيّة تعوق تفاعله مع أقرانه. على سبيل المثال:
- - اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD): يفتقر الأطفال المصابون بهذا الاضطراب إلى السيطرة على الذات، فهم مفرطو النشاط، وكثيرو الكلام، ويتحدّثون من دون تفكير، ولا ينتبهون لما يقوله الآخرون؛ ممّا يجعل من الصعب الاندماج معهم.
- - مشكلات الأداء التنفيذيّ: فالأطفال المصابون بذلك غالبًا ما يواجهون صعوبة في المشاركة واتّخاذ الأدوار والتحكّم في عواطفهم، أو قبول وجهات نظر الآخرين. ولا يستطيعون بالتالي بناء صداقات مع أقرانهم.
- - اضطرابات التعلّم غير اللفظيّ (NVLD): يعجز هذا النوع من الأطفال عادة عن ملاحظة لغة الجسد والتعبيرات ونبرة الصوت، فنجد أنّهم قد لا يفهمون الدعابة أو السخرية، وقد يأخذون ما يقوله لهم الآخرون حرفيًّا؛ ممّا يسبّب لهم مشكلات في علاقاتهم، ويصعّب اندماجهم مع الأقران.
- - اضطرابات اللغة: عندما يعاني الطفل من اضطرابات اللغة، فقد لا يفهم قواعد المحادثة، أو ربّما يواجه صعوبة في العثور على الكلمات المناسبة. وبالتالي، قد يتجنّب التحدّث عندما يكون مع أطفال آخرين.
- - اضطراب معالجة السمع (APD): في هذه الحالة، يصبح من الصعب على الطفل معالجة ما يسمعه من الآخرين، وتتبّع التعليمات في الألعاب مثلاً؛ ممّا يؤثِّر في تواصله مع الأقران واندماجه معهم.
كيف تساعد طفلك على تكوين صداقات والاندماج مع الأقران؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ كلّ أمّ وأب يريدان لطفلهما أن يكون اجتماعيًّا ومحبوبًا، وقادرًا على بناء علاقات إيجابيّة مع أقرانه. لذا، إن كنت تتساءل: كيف أساعد طفلي على الاندماج مع الأطفال؟ أو كيف أساعد طفلي على بناء صداقات؟ فالنصائح الآتية قد تكون مفيدة لك، بل وقد تمنحك أفكارًا أخرى لتحقيق هذا الأمر:
أشرك طفلك في النشاطات التي تهمّه
يعود أحد أسباب عدم اندماج الطفل مع أقرانه إلى اختلافه الكبير عنهم، كما سبق أن ذكرنا، فربّما لطفلك اهتمامات فريدة مختلفة عمّا هو شائع من حوله. حاول اكتشاف هذا الاهتمام وأشرك صغيرك في نشاطات جماعيّة متعلّقة بهوايته، حيث يتعرّف بذلك إلى أطفال آخرين يشبهونه ويشاركونه شغفه، وتكون لديه فرصة أكبر للاندماج معهم وتكوين صداقات جديدة.
تواصل مع طفلك بفعّاليّة
تحدّث بصراحة مع طفلك، واشرح له أنّه ليس الوحيد الذي يواجه مثل هذا النوع من الصعوبات، وأنّ ذلك أمر اعتيادي حتّى عند الكبار. لكن، سِر معه في رحلة لتكتشفا معًا سبب ما يحدث معه، وبالتالي البحث عن طرق لعلاج هذه المشكلة.
يمكنك أن تقول له مثلًا: "هذا ليس خطأك، ولكن يمكننا أن نعرف المزيد عن أنفسنا بالتجارب السيّئة التي نمرّ فيها، وهكذا نتحسّن ونصبح أشخاصًا أفضل".
طوّر لدى طفلك مهارات حلّ المشكلات
ضع طفلك في مواقف جديدة خارج منطقة الراحة الخاصّة به، وكن حاضرًا لمساعدته إن احتاج إلى المساعدة، ثمّ شجّعه على التعامل مع الموقف بمفرده مع التأكّد من دعمه إن احتاج. بهذه الطريقة تتحسّن ثقته بنفسه وتقديره لذاته، وهما أمران جوهريّان لبناء علاقات صحّيّة مع الآخرين مستقبلًا.
ثقّف طفلك حول ما تعنيه الصداقات الحقيقيّة
وضّح لطفلك أنّ المهمّ ليس امتلاك عدد كبير من الأصدقاء، والاندماج مع كلّ الأقران من حولنا؛ بل ما يهمّ حقًا هو تلك الصداقات التي نشعر فيها بالراحة مع الآخرين، ونحسّ خلالها أنّنا أشخاص جيّدون. شجّعه أيضًا على الابتعاد عن الأشخاص الذين يشعرونه بالسوء، وألّا يسعى إلى إرضائهم أو كسب محبّتهم على حساب حاجاته ورغباته وسعادته. توعية الطفل منذ سنّ مبكرة بهذا الأمر مهمّة جدًّا ليتجنّب الغوص في تصرّفات إرضاء الآخرين أو التملّق لهم.
تعاطف مع طفلك
شارك طفلك بعض المواقف التي واجهتك وشعرت فيها بصعوبة في الاندماج مع أقرانك، وحدّثه كيف تعاملت مع الأمر، وكيف واجهت هذه المشكلة. من المهمّ لطفلك أن يعرف أنّ هنالك أملاً للمستقبل، وأنّ هذه المواقف طبيعيّة لكي نكبر ونتعلّم ونصبح أوعى.
عوّد طفلك على التواضع وتجنّب المقارنات
علّم طفلك أن يكون متواضعًا، ووضحّ له أنّه، على الرغم من تميّزه وتفرّده، فإنّ ذلك لا يمنحه الحقّ بالتكبّر على الآخرين. عزّز لديه فكرة أنّ العلاقات تُبنى على الاحترام المتبادل، وأنّ أصدقاءه هم شركاؤه في اللعب، قد يتنافسون في بعض الأحيان، لكنّهم يبقون أصدقاء في نهاية المطاف، تجمعهم المحبّة والألفة. اغرس لديه فكرة أنّ كلّ شخصٍ مختلف ومتفرّد بطريقته؛ ممّا يجعلنا كلّنا متساوين ومتماثلين.
اطلب مساعدة مختصّ تربويّ
إذا تبيّن لك أنّ السبب وراء عدم تفاعل طفلك مع أصدقائه يعود إلى أحد اضطرابات الشخصيّة الموضّحة سابقًا، يصبح التواصل مع الاختصاصيّين أمرًا لا بدّ منه. هنالك دائمًا علاج سلوكيّ لهذه الاضطرابات، ومع المتابعة المتخصّصة والصبر والتفهّم والدعم المعنوي، يتحسّن طفلك تدريجيًّا، ويصبح بإمكانه تكوين صداقات وعلاقات مع مجتمعه المحيط.
* * *
خلاصة القول، إنّ أسباب عدم اندماج الطفل مع أقرانه قد تختلف بين عوامل بيئيّة محيطة وأخرى مرتبطة بمشكلات أو اضطرابات في شخصيّة الطفل. وعلى رغم أنّ هذا الأمر قد يكون مثيرًا للقلق، إلاّ أنّه من المهمّ أن نتذكّر أنّ مثل هذه الصعوبات شائعة بين الأطفال. وبالتوجيه السليم والتواصل المفتوح مع طفلك، قد يتحوّل هذا التحدّي إلى فرصة لتعزيز ثقته بنفسه وتنمية مهاراته الاجتماعيّة. تذكّر دائمًا أنّ صبرك ودعمك المستمريّن يمكن أن يحدثا فرقًا كبيرًا في حياة طفلك، ويمنحانه أساسًا قويًّا لبناء علاقات صحيّة ومثمرة مستقبلًا.
المراجع
https://goodmanpsych.com/why-cant-my-child-make-friends/
https://www.understood.org/en/articles/the-best-way-to-help-when-your-child-just-doesnt-fit-in
https://www.theyarethefuture.co.uk/when-child-doesnt-fit-in/