بعد مرور عامين على جائحة كورونا، أحببت أن أتشارك معكم تجربتي وماذا تعلّمت خلال هذه الفترة:
أولًا: على الصعيد المهنيّ العامّ
1. اكتشف الجميع أنّ التعلّم والتعليم عبر الإنترنت (online)، الذي ظهر منذ ما قبل الجائحة، أصبح جزءًا لا يتجزّأ من حياتنا اليوميّة، وأنّ على المدرّس الذي سينضمّ لهذه المهنة أن يتقن ويبدع باستخدام منصّات وتطبيقات لم نكن نسمع بها من قبل، أو كانت حصرًا على مدرّسي مادّة التكنولوجيا. هذا الدمج بين التعليم الوجاهيّ والتعليم الافتراضيّ أصبح يشكّل مستقبل التعليم، ولا مفرّ منه وله فوائد عدّة.
2. أصبح بإمكان عمليّة التعلّم والتعليم أن تصبح غنيّة أكثر من خلال إقامة رحلات إلى متاحف عالميّة افتراضيّة، أو من خلال استضافة كتاب أونلاين لقراءة قصّة، أو من خلال التواصل مع تلاميذ في مدن أُخرى، والتعرّف على عادات وثقافات مختلفة. اكتشف الجميع، خلال هذه الفترة، كيف تحوّل العالم إلى قرية صغيرة، وأنّنا نحتاج التعرّف إلى سكّان هذه القرية، والتواصل معهم واحترامهم مع اختلافهم.
3. أصبحت عمليّة التقييم تركّز أقلّ على المنتج والدرجات، وتحوّلت لعمليّة مستمرّة تستخدم فيها تطبيقات إلكترونيّة ووسائل متنوّعة تظهر رحلة التعلّم من البداية إلى النهاية، وتركّز على مدى تطوّر التلميذ. أصبح التلميذ يعرف نقاط قوّته والنقاط التي يجب أن يطوّرها، بات التلميذ جزءًا من عمليّة التقييم إذ لا وجود للخوف أو القلق أو التردّد.
4. أصبح بإمكان ولي الأمر أن يحضر اجتماعات أولياء الأمور، أو أيّ عرض تعريفيّ عن المنهج عبر الإنترنت، ما ساعد على تلبية احتياجات الجميع، ودمج الأهالي ومشاركتهم في مجتمع التعلّم بشكلٍ أوسع وأشمل. فتح السماح للأهل بالحضور وجهًا لوجه أو عبر الإنترنت أبوابًا كثيرة للتعاون ومشاركة أكبر عدد منهم، فباتت، بهذا، جسور التواصل بين أولياء الأمور والمدرسة أقوى.
5. أصبح بإمكان عمليّة التعلّم والتعليم أن تستمرّ في حال أغلقت الطرقات بسبب عاصفة ثلجيّة أو رمليّة على سبيل المثال. أغلب المدارس أصبحت مجهّزة ببنى تحتيّة تُمكّن للمدرّس والمتعلّم من التواصل خلال أيّ ظرف طارئ.
6. شكّل التدريب المهنيّ الافتراضيّ فرصًا كثيرة للنموّ ومشاركة الخبرات. خضع عدد كبير من المعلّمين لدورات عن بعد وأثبت هذا التعليم فعاليّته. لقد كان بمتناول الجميع وبأسعار مدروسة، وفي الكثير من الأحيان مجّانًا. لقد ساهمت هذه الفرص بالتعاون مع عدد كبير من المدرّسين من مختلف بلدان العالم دون مشقّة السفر أو التنقل بين المطارات والفنادق.
ثانيًا: على الصعيد الشخصيّ المهنيّ
1. قبل الجائحة، كنت أسافر أسبوعيًّا للتدريب ولتقديم الاستشارات للمدارس. توقفت عن السفر فقط لمدّة ستة أشهر حين أُغلقت المطارات، وعدت إلى السفر مباشرة مع عودة المطارات للعمل: السفر المهنيّ والسياحيّ. خلال الأشهر الستة التي توقفت خلالها عن السفر، لم أتوقف عن العمل، بل على العكس قمت بمشاركة معرفتي مع الجميع ومجّانًا، إذ استضفت أهمّ التربويّين لمناقشة مواضيع مُختلفة، وفتحت المجال أيضًا للمدرّسين من كل البلدان للمشاركة والتواصل وتبادل الخبرات. فما اعتبره البعض مصيبة وفرصة ضائعة، كان بالنسبة لي فرصة للتجدّد وللاستفادة من التكنولوجيا لنجتمع مجدّدًا، حتى لو قرر البعض إغلاق الكاميرا.
المحاضرات متاحة للجميع من خلال هذا الرابط.
2. اكتشفت بأنّني أتقنت استخدام برامج جديدة، وطوّرت من مهاراتي للتدريب عبر الإنترنت. اكتشفت بأنني متعلّم لمدى الحياة. تواصلت مع مدرّبين آخرين، خضعت لدورات، جرّبت، أخطأت وتعلّمت وتمكنّت من استخدام تطبيق زووم مثلًا، وقمت بشرح هذا التطبيق لبعض الزملاء.
3. قمت بتجربة التدريب عبر الإنترنت دون استخدام شرائح العرض (power point)، وكانت تجربة مختلفة جدًّا، تميّزت هذه الورشة بأنها كانت تفاعليّة، ولم يشعر المشتركون بالوقت.
4. بدأت بقناة يوتيوب لمشاركة أفكار ونشرها مع جميع المدرّسين. تحمل هذه المحطّة أفكارًا متنوّعة وكلّ القصص التي قمت بكتابتها.
خُلاصة
كما تلاحظون، كلّ مشكلة تواجهنا على هذا الكوكب تحمل الكثير من التحدّيات والصعوبات، ولكنّها أيضًا مساحة للتأمّل ولابتكار الحلول. أتمنّى أن تكون هذه المرحلة، مع صعوبتها وقسوتها، قد شكّلت مساحة للنموّ على الصعيدين الشخصيّ والمهنيّ كما حصل معي. لكلّ مشكلة حلّ، هكذا تعلمنا الحياة، يجب فقط أن نكتسب وجهة نظر جديدة، أن نفكّر خارج الصندوق، أن نتحلّى بالمرونة ونفهم بأن التغيير جزء لا يتجزّأ من حياتنا اليوميّة.
هل شاركتم ماذا تعلمتم مع طلّابكم خلال هذه الفترة؟ ماذا قرأتم؟ ما هي الورشة التدريبيّة التي شاركتم بها؟ كما أشارك معكم من خلال هذه التدوينة؟ أدعوكم للمشاركة تعلّمكم مع التلاميذ، فنحن متعلّمون لمدى الحياة، نحن القدوة.