مؤسّسة فلسطينيّة غير ربحيّة تهتمّ بالتعلّم والتعليم المجتمعيّ. تأسّست في القدس سنة 1989، استجابةً إلى حاجة المجتمع الفلسطيني الملحّة لاكتساب وسائل فعّالة تساعد في التعلّم والإنتاج في ظلّ ظروف اجتماعيّة واقتصاديّة صعبة أنتجها الاحتلال الإسرائيليّ. وتأمل أن تستمرّ في "نشر ثقافة التعلّم في مجتمع فلسطينيّ حُرّ وآمن"، من خلال كوادر المؤسّسة ومتطوّعيها وشركائها في كلّ مكان، على امتداد التواجد الفلسطينيّ في الداخل وفي الشتات.
تمتازُ مؤسّسة تامر بالتخصّصيّة في عملها، في ظلّ إطارٍ ومناخٍ يتسمُّان بقيمٍ تحرّريّة، تشاركيّة، ومشجّعة على التفكير الناقد والسؤال، وإعمال العقل. يوفّر ظروف تشكّل هذا المناخ إرثٌ طويل وممتدّ للمؤسّسة، أسهم فريق العمل ومجلس إدارة المؤسّسة والهيئة العامّة والشركاء، في الحفاظ عليه وتناقله عبر تجربة تزيد عن خمس وثلاثين سنة من الدأب. تركّز مؤسّسة تامر في مسيرتها على اتّجاهين رئيسين: الأوّل تعزيز فرص التعبير، ومساحة النموّ والتطوّر للأفراد العاملين في المؤسّسة والمنضمّين إليها حديثًا؛ والثاني انعكاس هذا الشعور الإنسانيّ على مجتمع تامر الأساسيّ: الأطفال والشباب. حيثُ يتمتّعُ الأطفال الشركاء والفرق الشبابيّة في تجربة المؤسّسة بمساحاتٍ تعبيريّة حرّة وآمنة، يُرى انعكاسها بوضوح في تجاربهم ونتاجهم المعرفيّ والفنّيّ والأدبيّ المتميّز، ونتاجٍ أكاديميّ للباحثين في مواضيع أدب الطفل والطفولة، ومركز موارد يرفِدُ المكتبات وأدب الطفل الفلسطينيّ والعالميّ بالمعرفة الإنسانيّة.
تركّز المؤسّسة بقوّة على تمكين الأطفال والشباب من خلال التعلّم والتعليم، وينعكس هذا بوضوح في الاستراتيجيّات التي تتبنّاها المؤسّسة، والتي تهدف إلى خلق بيئات داعمة تمكّن الأطفال والشباب من التعلّم والتعبير عن أنفسهم بحريّة. تعتبر العلاقة بين هذه الاستراتيجيّات ونهج التعلّم التحرّريّ للمؤسّسة، أمرًا محوريًّا لرسالته ونجاحه، حيثُ يعدّ تعزيز الأماكن الثالثة، أو المساحات المجتمعيّة الآمنة التي يمكن للأطفال والشباب التجمّع والتواصل الاجتماعيّ فيها خارج المنزل والمدرسة، جانبًا رئيسًا من استراتيجيّات عمل مؤسّسة تامر وتدخّلها. توفّر هذه المساحات للأطفال والشباب فرصة الانخراط مع أقرانهم والتعلّم من بعضهم في بيئة داعمة، وفرصة لتطوير مهارات اجتماعيّة وعاطفيّة مهمّة وضروريّة لرفاههم بشكل عام. كما تقوم المؤسّسة بمبادرات وحملات مجتمعيّة لتشجيع القراءة بين الأطفال والقائمين على رعايتهم، وتوفّر للأطفال مساحات للتعبير عن أنفسهم بالفنون التعبيريّة وغيرها من الأدوات القريبة من الأطفال.
بيئة آمنة وممكنة للتعلّم
تعمل المؤسّسة على تحقيق أهدافها بالشراكة مع العديد من الشركاء المجتمعيّين الموجودين في كافّة محافظات الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة والقدس، حيث أنشأت مؤسّسة تامر "شبكة مكتبات أدب الأطفال" التي تتكوّن من حوالي 117 مكتبة مجتمعيّة. وتتطوّر هذه الشبكة باستمرار، حيث تعمل المؤسّسة على دعم المبادرات المجتمعيّة التي ترغب في توفير مساحات وفسح تعبيريّة للأطفال واليافعين. كما تحرص دائمًا على العمل مع الفلسطينيّين في الداخل والشتات عبر تنظيم العديد من الفعاليّات والأنشطة المشتركة بين هذه الجغرافيّات التي يتواجدون فيها، سواء عبر الفعاليّات الوجاهيّة والإفتراضيّة المشتركة، أو الإنتاجات العديدة التي تصدر عن أنشطة مؤسّسة تامر وفعاليّاتها المختلفة.
تتنوّع الوسائل والأدوات التعلّميّة التي تعمل مؤسّسة تامر على توفيرها لفئاتها المستهدفة؛ فمع تركيزها على تعزيز عادة القراءة في المجتمع، تنظر إلى القراءة بمفهوم أوسع وأشمل، بحيث تتضمّن القراءة كلّ ما يشكّل مصادر تعلّميّة. من هنا، تنظّم أنشطة وفعاليّات قراءة الكتب والموسيقى والدراما والفنون والرسم والتاريخ الشفويّ والتجوالات والتطوّع والمبادرات. كما تحرص دائما على توفير المساحات الآمنة التي تمكّن الأطفال والشباب من اختيار ما يتعلّمون، والأشكال التي يرغبون أن يتعلّموا بها، بإخضاع هذه الأدوات لسيرورة تطوّريّة مبدعة باستمرار.
يتبنّى برنامج الإنتاج الأدبيّ والمعرفيّ توفير كتب أطفال ويافعين محفّزة على القراءة، وتحمل قيمًا وطنيّة وتحرّريّة وإنسانيّة. كما تعمل على توفير مساحات تعلّميّة بتبادل التجارب والخبرات، بترجمة كتب من ثقافات ولغات مختلفة، لتجاوز حالة الحصار التي يعيشها الأطفال الفلسطينيّون. كما تتبادل الخبرات مع تجارب عربيّة وعالميّة بالاستضافات التي تحرص المؤسّسة على تنظيمها. ويرفد الإنتاج البحثيّ والنقديّ حول قضايا التعلّم والتعليم، أدبَ الطفل وثقافته الذي تنتجه المؤسّسة، ويغني تجربتها التعلّميّة والإسهام الفاعل في الحراك الفلسطينيّ والعربيّ حول قضايا الطفل الثقافيّة والتربويّة.
قيم تحرّريّة، ومنهج تشاركيّ
المنهج الذي تعتمده مؤسّسة تامر تَشَكَّلَ خلال تجربة المؤسّسة في عملها في الظروف المتعدّدة والصعبة، والتي يعيشها المجتمع الفلسطينيّ ضمن الحالة الاستعماريّة، وتعثّر الأدوات والمؤسّسات التعليميّة التقليديّة في توفير التعليم لفترات ليست قصيرة. بهذا يعمل هذا النهج على تمكين الفئات المستهدفة ليكونوا أكثر ثقة بذواتهم، وبقدراتهم على إدارة عمليّة تعلّمهم باعتمادهم على أنفسهم، وتحمّلهم مسؤوليّة تعلّمهم بعيدًا عن الاعتماد على الآخرين.
في هذا الصدد، تعملُ مؤسّسة تامر منذ سنة 1992، على الدعوة إلى تنفيذ حملة تشجيع القراءة في المجتمع الفلسطينيّ، والتي تنظر إليها كاستراتيجيّة تغيير قادرة على إحداث فوارق في التجربة الفلسطينيّة الذاتيّة والمجتمعيّة لأفرادها. مثّلت هذه الحملات واحدةً من أهم أدوات العمل في المؤسّسة واستراتيجيّاتها. وتقوم على تنفيذ أربع حملات أساسيّة، هي:
• أسبوع القراءة الوطنيّ: حملة وطنيّة تنفّذها المؤسّسة منذ سنة 1992، بالشراكة مع الأطفال والمجتمع، حيث تدعو المجتمعَ بمختلف شرائحه إلى تنفيذ أنشطة مشجّعة على القراءة، مطلع شهر نيسان/ أبريل من كلّ عام. لا تقتصر الحملة على القراءة فحسب، بل تتنوّع النشاطات من "قراءة الحياة بشكل عام، التاريخ، الفنّ، القضايا المجتمعيّة...". وتركّز على أنّ الكتاب جزء من حياتنا، به تتّسع المدارك وأفق البحث والاكتشاف. ولكي يصل الطفل الى هذه المرحلة، يحتاج الى نشاطات مختلفة تحرّك كلّ جوانب التفكير لديه. وتتضمّن هذه الحملة أنشطة وفعاليّات مشتركة تنظَّم بمشاركة الأطفال: نقاش كتاب؛ رسم جداريّة الحملة؛ نقاش ما تعنيه مع الأطفال؛ قراءة رواية؛ مناقشة القصص؛ والكثير من الأنشطة الأخرى التي تساعد الأطفال على التفكير بطريقة جديدة.
• مسابقة كتابي الأوّل: مساحة لنشر قصص الأطفال ورسوماتهم التي تصل إلى المؤسّسة على مدار العام، حيثُ تعملُ المؤسّسة على اختيار عدد من القصص التي تراعي معاييرها في النشر، بالتركيز على صوت الطفل. تأخذ الحملة شكل كتاب يحتوي على عشر قصص سنويًّا.
• أبي اقرأ لي: أطلقت مؤسّسة تامر حملة "أبي اقرأ لي" في كافّة محافظات فلسطين، بما فيها الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. وهي حملة سنويّة، تهدف إلى توفير مساحة يتشارك فيها الآباء وأبناؤهم تجارب التعلّم والاستكشاف، عبر أنشطة فنّيّة وتعبيريّة مختلفة، تسهم في تعميق العلاقات بين الأب وأبنائه، باعتبار القراءة أحد أهمّ نوافذ المعرفة التي تُبنى بها العوالم، ويُفسح فيها المجال للسؤال، والنقاش، والحوار لبناء العلاقات وتقريب المسافات بين الآباء وأبنائهم. يشترك الآباء وأطفالهم في مختلف أنشطة الحملة التي تتنوّع بين قراءة القصص، والحكايات الشعبيّة، والفنون اليدويّة كالرسم، وصناعة الدمى، والأنشطة الموسيقيّة، والألعاب التفاعليّة، للانخراط في شتّى تجارب المعرفة، والإسهام في تعزيز الروابط والنسيج الاجتماعيّ بين الآباء وأطفالهم في المجتمع الفلسطينيّ.
• "أنا تبرّعت بكتاب": حملة تنفّذها الفرق الشبابيّة في مؤسّسة تامر سنويًّا، وتهدفُ إلى تعزيز قيمة المبادرة والعطاء المجتمعيّ، من خلال تسليط الضوء على واقع المكتبات في قطاع غزّة، ورفدها بكتب ومصادر جديدة قادمة من المجتمع يتبرّع أعضاء المجتمع بها، وتعود إليه من بوّابات أكثر تشاركيّة بوجود هذه الكتب في المكتبات العامّة.
***
في ظلّ الأحداث والصراعات التي تشهدها فلسطين، تعمل مؤسّسة تامر على توفير المساحات الآمنة والمحفّزة لعمليّة التعلّم في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. هذه المساحات حاجة ضروريّة للنموّ والتطوّر وبناء الوعي الوطنيّ والإنسانيّ، إذ تعمل على توفير فرص التعليم للأطفال والشباب، بمجموعة متنوّعة من البرامج والمشروعات التعليميّة. وتهدف هذه الجهود إلى تعزيز مستقبل الأطفال الفلسطينيّين، وتمكينهم من التعلّم على رغم هذا الاحتلال، والتحدّيات المختلفة التي يواجهونها.