لقد كانت الرحلة المدرسيّة، وما زالت، مجرّد رحلة حفظ إجابات عن أسئلة يطرحها المدرّس، ويجيب عنها. توجد هذه الإجابات داخل كتاب مدرسيّ، وكلّما حفظ التلميذ أكثر، حصل على درجة كاملة تجعل أهله فخورين به أمام الجميع، وهم يردّدون أنّه الأوّل في الفصل أو على الشعَب كلّها.
حين ننظر إلى قصّة حياة بعض الناجحين والعلماء نجد كثيرًا منهم تركوا المدرسة، لأنّهم صُنّفوا ضمن خانة الفشل بكلّ بساطة. بالنظر إلى قصّة حياة عالم حائز على جائزة نوبل للفيزياء (Isidor Rabi)، نكتشف أنّ السبب في نجاحه هو والدته التي كانت كلّ يوم بعد عودته من المدرسة تردّد على مسامعه السؤال الآتي: ماذا سألت اليوم؟ ولم تكن تطرح عليه سؤال الأمّ التقليديّ: ماذا تعلّمت اليوم؟
في عصر الإنترنت أصبح السؤال الجيّد أكثر أهميّة من الإجابة، فبكبسة زرّ، وباستخدام محرّك بحث تستطيع إيجاد آلاف، بل ملايين الإجابات عن سؤالك.
حين تعرّفت على لين أريكسون Lynn Erickson تعلمت أنّ الأسئلة تقسم إلى ثلاثة أنواع:
أسئلة الحقائق Factual questions
أسئلة المفاهيم Conceptual questions
أسئلة جدليّة Debatable questions
وتغيّرت نظرتي لتحضير الدرس، وبدأت مشاركة التلاميذ بدايةَ الحصّة بسؤال كبير سنجيب عنه. واستبدلت سؤال اليوم مكان الطريقة التقليديّة ببداية الحصّة بمشاركة أهداف التعلّم أو نتاجاته، وتحوّل الجدول اليوميّ من موادّ دراسيّة وأهداف إلى أسئلة، بعض الأسئلة قد يحتاج للإجابة عنه التعاون بين الموادّ، والانخراط في عمليّة بحث معمّقة. في النموذج الآتي، ستشاهدون الاختلاف بين جدول يعتمد على الموادّ الدراسيّة والأهداف من جهة، والجدول الذي يعتمد على الأسئلة من جهة أخرى. وننصح بهذا التغيير لأنّ الأبحاث المتعلّقة بالدماغ تشير إلى أنّ دماغ التلميذ يبدأ بالعمل والتفكير حين تشاركه سؤالًا، لا هدفًا.
|
الجدول |
الهدف |
السؤال |
8: 00 – 9:45 |
اللغة العربيّة |
أن يقرأ نصّ معلومات ويميّز خصائصه |
ما هي خصائص نصّ المعلومات؟ |
9:45 – 10:30 |
اللغة العربيّة |
||
10:30 – 11:00 |
استراحة |
|
|
11:00 – 11:45 |
علوم |
أن يعدّد أجزاء النبتة |
ما هي أجزاء النبتة؟ |
11:45 – 12:30 |
رياضيّات |
أن يعدّد أدوات القياس ويستخدمها |
كيف نستخدم أدوات القياس؟ |
12:30 – 1:00 |
استراحة |
|
|
1:00 – 1:45 |
اللغة الإنجليزيّة |
To write a non-fiction text |
How do we write a non-fiction text? |
1:45 – 2:30 |
رياضة |
أن يتعاون مع زملائه لتحقيق هدف |
لماذا يجب أن نتعاون؟ |
كما تلاحظون، من خلال هذه الأسئلة تتكامل الموادّ، ويصبح نقل المعرفة بينها وربطها بالواقع عمليّةً أسهل؛ فالتلاميذ يتعلّمون عن النباتات في حصّة العلوم، ويتعرّفون على مفهوم القياس في الرياضيّات، ويقرؤون ويكتبون ويحلّلون نصوصًا علميّة باللغتين.
أصبحت لوحة التساؤلات الخاصّة بالتلاميذ "Wonder wall"، مكانًا للتفاعل والمشاركة وأصبحت تلك الأسئلة تقود عمليّة التعلّم والتعليم. فضول التلاميذ أصبح محرّك التعلّم، ومن هذا الفضول نجد الروابط مع المنهج والمعايير ومؤشّرات النجاح. مع إدخال هذا التعديل البسيط على حصصكم، ستلاحظون أنّ مهارات التفكير العليا ستبدأ بالتطوّر، والتفكير الناقد سيصبح جزءًا لا يتجزّأ من العمليّة التعلّميّة.
لنأخذ مثالًا بسيطًا يتعلّق بالعلوم وبموضوع الكواكب: واحد من الأهداف هنا هو التعرّف على الكواكب. في الكتاب المدرسيّ سنجد تسعة كواكب في المجموعة الشمسيّة: عطارد، الزهرة، الأرض، المرّيخ، المشتري، زحل، أورانوس، نبتون وبلوتو. بينما إذا استبدلنا بالهدف أسئلةً مثل "ما هي خصائص الكواكب؟ وكيف يتمّ تصنيفها؟" وإذا استخدمنا مصادر متعدّدة سنكتشف إجابات متعدّدة لهذا السؤال، وسنجد أنّ بلوتو أصبح يُعدّ كويكبًا، وسنجد أيضًا أنّ العلماء اكتشفوا كويكبات أخرى في مجموعتنا الشمسيّة. ستسمح الأسئلة بتعدّد وجهات النظر، وبتقبّل الاختلاف، ستعطي أيضًا فرصةً للتلميذ لاختيار الإجابات الصحيحة، وتمييز المصادر الموثوقة من المصادر غير الموثوقة.
سأدعو جميع القرّاء لتطبيق هذه الفكرة، وسأنتظر منكم تغذيةً راجعةً عن الأثر الذي حدث بعد تطبيقها داخل فصولكم.