كيف يبلغوننا أنّهم بخير هذه المرّة؟
منار الزريعي | معلّمة لغة إنجليزيّة- فلسطين
أسعى منذ أيّام إلى التواصل مع عائلتي وزملائي في قطاع غزّة من دون جدوى. هذه المرّة تختلف كلّيًّا عن أيّ شيء مررنا به في السنوات الماضية. في الحروب السابقة، كانت هناك فرصة لنا، كمعلّمين ومرشدين، للإسهام في مساعدة المجتمع في مواجهة تحدّيات الحرب. هذه المرّة، قليلون منّا فقط يقدرون على تقديم المساعدة. زملائي وزميلاتي الذين يتطوّعون في المدارس، والتي تحوّلت إلى مراكز إيواء، يخاطرون بحياتهم كلّ يوم أثناء أداء واجبهم الإنسانيّ، تاركين خلفهم عائلاتهم من دون أن يكونوا قادرين على الاتّصال للتحقّق من سلامتهم.
خلال العدوان الذي شنّه الاحتلال الإسرائيليّ على قطاع غزّة في أيّار/ مايو 2021، نجحنا في البقاء على تواصل مع طلّابنا والاطمئنان عليهم، كما لو كانوا أفرادًا من عائلتنا الممتدّة. لم نرغب في التخلّي عن طلّابنا في الوقت الذي كان العالم يتخلّى فيهِ عنهم.
وعلى الرغم من التحدّيات الكبيرة والظروف الصعبة، نظّمنا يومها في المدرسة بعض الأنشطة للتأكّد من سلامة طلّابنا وعائلاتهم وأحبّائهم، وتقديم المساعدة إذا سنحت الفرصة. كانت شبكة الكهرباء وشبكات الاتّصال والإنترنت غير مستقرّة، ولكنّنا نجحنا في تنشيط قنوات الاتّصال الإلكترونيّ، ومشاركة تعليمات ونشرات توعويّة مع الطلّاب وعائلاتهم. شملت هذه الإرشادات كيفيّة التعامل مع الصدمة النفسيّة والقلق الناتجين عن الحروب. هذا بالفعل ما قامت به زميلاتي في المدرسة في بداية هذا العدوان، قبل أن يتمّ قطع الكهرباء وشبكات الاتّصال والإنترنت.
في تلك المرّة، عملنا أيضًا على تنفيذ أنشطة بسيطة، بهدف الإسهام في إشغال وقت الأطفال، ومساعدتهم في تقليل مستوى التوتّر. على سبيل المثال، قامت مرشدة المدرسة بتنفيذ نشاط أسمته "أبلِغني أنّك بخير"، للتحقّق من سلامة الطلّاب، وقمنا بتشجيعهم على المشاركة من خلال إرسال رسائل نصّيّة، أو تسجيل صوتيّ، أو رسومات بهدف الاطمئنان على سلامتهم.
وفي البرلمان الطلّابي، أتحنا المجال للطلّاب لمناقشة ما يمكننا القيام به لمساعدة بعضنا البعض. وهذه بعض من مشاركات الطلّاب التي تمكّنّا من إيجادها في أرشيف مجموعات التواصل، والتي فعّلناها خلال العدوان الماضي.
"شيء حلو المعلّمات يبعتوا أنشطة حتّى يشغلوا الطالبات ويخفّ تفكيرنا عن الحرب، وهيك بيساعدونا ع التقليل من الخوف والضغط النفسيّ".
- لمى، سابع 4.
"خلّونا نرسم ونلوّن وما تبعتوا واجبات، إبعتولنا ألعاب نلعبها ع الإنترنت".
- نايا، خامس 5.
"مسّ كتير الوضع صعب عندنا، الكهربا أغلب الوقت قاطعة، والنت ضعيف جدًّا والنفسيّة كتير تعبانة، إعملولنا أنشطة مسليّة خارجة عن نطاق الدراسة، لأنّه إحنا فعلًا متوتّرين وأعصابنا تعبانة وربنا يسلّم الجميع".
- براءة، خامس 1.
"مسّ رسمت هادي الرسمة حلوة؟"
- ليلى، سادس 4.
"أعطونا أنشطة نعملها مع أهلنا زي نرسم ونلّون ونحضر برامج مسليّة ونجرّب أشياء ما جرّبناها، مثلًا تأليف القصص. وأهم شي مسّ إنّه ما نخاف لأنّه الله معنا وكلّ إشي ربنا كاتبو بيصير، ونبعد عن الأخبار وما نتابعها. وبعتذر عن التأخير في التواصل بسبب انقطاع الإنترنت".
- هدى، تاسع 1.
"أنا برأيي إنّه ما في مشكلة في التحوّل للتعليم الإلكترونيّ لأنّه الواحد ما بيعرف شو راح يصير بعد هيك، وإذا إحنا ما تابعنا وما استمرّينا راح ننسى المنهاج، وخصوصًا إذا كانت الامتحانات النهائيّة وجاهيّة. وكمان معلّماتنا حكو إنّه إذا اتفقنا على تنفيذ أنشطة تعليميّة ما راح يكترو علينا علشان الأوضاع".
- ملاك، سادس 2.
"مرحبا أبلة منار ما في نوم بالليل لأنّه بنضلّ على أعصابنا وبنستّنى الصبح وبنّام، رغم إنو بنسمع كتير صواريخ ومرّت علينا حروب كتير لكن مش قادرين نتعوّد أبدًا على الصوت، كلّ مرّة بنفزع وبنصحى من النوم على صوت القصف، وبنضل نفزع من أيّ صوت ضرب باب أو سيارة ماشية أو لمّا حدا يسكّر الشُّبّاك بقوّة بنلتمس وقلبنا بيوقع، وصوت الزنّانة دَوش روسنا الله يحفظكم ويسلّمكم جميعًا"
- آيات، ثامن 2.
خلال الأسابيع الماضية، وبينما أحاول جاهدة أن أحصل على معلومة حول سلامة عائلتي، تأمّلت طويلًا بما قمنا بعمله في ذلك الوقت، وكم كان مهمًّا أن نكون جزءًا من حياة طلّابنا وعائلاتهم، وكم كانت رسائلهم إلينا مصدرَ إلهام وقوّة هائلة ساعدتني على التقليل من شعور العجز، وأتاحت لي ولزملائي الفرصة بالإسهام في تعزيز صمود مجتمعنا.
أكتب هذه السطور وأنا أترقّب أن يظهر على شاشة هاتفي إشعار يبلغني أنّ عائلتي وأحبّتي بخير، وأتذكّر بحرقة ما قالته والدتي في آخر مكالمة هاتفيّة استطعنا أن نسرقها: "يمّا بحسّ إنّا ذبايح نستنّى دورنا في النحر".
سُجّل النصّ مع بودكاست صوت خلال العدوان على غزّة، عام 2023.
