هل يمكن أن تتحوّل المكافأة إلى عقاب؟ تعدّ مكافأة الأطفال على السلوك الحسن، أو الإنجازات أو الجهود المبذولة، نهجًا شائعًا في التربيّة. وعندما تُطبّق بأسلوب صحيح، يمكن أن تصبح أداة فعّالة لتحفيز الأطفال، وتعزيز احترامهم لذواتهم، وترسيخ عادات إيجابيّة في حياتهم.
لكن، إذا أُسيء استخدامها، أو تمّ الإفراط في تقديمها، فقد تفقد المكافآت فعّاليّتها، وتؤدّي إلى نتائج عكسيّة غير متوقّعة، مثل تعزيز شعور مبالغ فيه بالاستحقاق، أو زعزعة الحافز الداخليّ لدى الطفل.
إذن، كيف يمكن للآباء مكافأة أطفالهم بالشكل الأمثل؟ ما السلوكيّات أو الإنجازات التي تستحقّ المكافأة، وأيّها لا يستحقّ؟ يناقش هذا المقال الغايات من المكافآت، وأنواعها المناسبة، إضافة إلى المواقف التي تكون فيها مكافأة الطفل خيارًا ملائمًا.
الغرض من مكافأة الأطفال
في الأساس، تعتبر المكافأة شكلًا من أشكال التقدير، ويمكنها أن تحقّق النتائج الآتية:
- تعزيز السلوك الإيجابيّ: تساعد المكافآت الأطفال على فهم الأفعال المرغوبة، والتي تستحقّ التكرار، مثل المساعدة في الأعمال المنزليّة، أو إظهار اللطف مع الآخرين، أو الدراسة باجتهاد وتركيز.
- تحفيز بذل الجهد: يمكن للمكافآت تشجيع الأطفال على المثابرة في المهام التي يجدونها صعبة، أو غير محبّبة.
- بناء الثقة: يظهر الاعتراف بالإنجازات، حتّى الصغيرة منها، للأطفال أنّ جهودهم موضع تقدير، وهذا يعزّز احترامهم لذاتهم.
ومع ذلك، من المهمّ إيجاد التوازن. فالاعتماد بشكل كبير على المكافآت - وخصوصًا المكافآت المادّيّة - يمكن أن يؤدّي إلى حصر تركيز الأطفال على الحوافز الخارجيّة، بدلًا من تعلّم تقدير السلوك أو الإنجاز نفسه.
ما المواقف التي تستحقّ المكافأة؟
لا تحتاج كلّ الأفعال أو السلوكيّات إلى المكافأة. والمفتاح هو المكافأة الموزونة بشكل مدروس وهادف، مع التركيز على السلوكيّات أو الإنجازات التي تتوافق مع قيمك، وأهدافك طويلة الأجل لطفلك.
الجهد والعمل الجادّ
تعلّم مكافأةُ الجهد، وليس النتائج فقط، الأطفالَ أنّ المثابرة والتفاني من الصفات القيّمة. على سبيل المثال، إذا درس طفلك بجدّ من أجل الاختبار، ولكنّه لم يحصل على أعلى الدرجات، فلا يزال بإمكانك الثناء على تصميمه ومكافأته. يعزّز هذا النهج عقليّة النموّ، إذ يتعلّم الأطفال التعامل مع التحدّيات، ورؤية الفشل باعتباره خطوة نحو التحسّن.
التصرّف بلطف وتعاطف
عندما يُظهر الطفل التعاطف، أو يساعد أحد أشقّائه، أو يبذل قصارى جهده لجعل شخص ما يشعر بتحسّن، فإنّ إدراك هذا السلوك يعزّز أهمّيّة أن يكون لطيفًا ومتعاطفًا مع الناس من حوله. على سبيل المثال، قد تكون المكافأة عبارة عن اعتراف لفظيّ مثل: "أنا فخور جدًّا بالطريقة التي ساعدت بها صديقك عندما كان مستاءً".
تحقيق مراحل مهمّة
إن المراحل المهمّة، مثل التدريب على استخدام المرحاض، أو تعلّم ربط الحذاء، أو إتقان مهارة جديدة، أو الوصول إلى مستوى متقدّم في إحدى المسابقات، جميعها تستحقّ التقدير. فغالبًا ما تتطلّب هذه الإنجازات الصبر والجهد والممارسة، ومكافأتها تساعد الأطفال في الشعور بالفخر بإنجازاتهم، وتدفعهم نحو المزيد.
الاستمراريّة في تحمّل المسؤوليّة
إذا كان طفلك يكمل مهامه المنزليّة باستمرار، أو واجباته المدرسيّة فور رجوعه من المدرسة وتناول وجبة الغداء، أو ينجز أيًّا من مسؤوليّاته الأخرى من دون تذكير، فمن الجدير الاعتراف بأنّه مسؤول وجدير بالثقة. هذا يعزّز لديه فكرة أنّ الاستمراريّة والشعور بالمسؤوليّة الذاتيّة أمران قيّمان.
التغلّب على التحدّيات
إذا خرج طفلك من منطقة الراحة الخاصّة به، أو تغلّب على خوف - مثل التمثيل في مسرحيّة مدرسيّة، أو تعلّم ركوب الدراجة - فهو يستحقّ التقدير. تظهر له مكافأة هذه اللحظات أنّ الشجاعة والجهد موضع تقدير، حتّى عندما تبدو المهمّة صعبة.
ما المواقف التي لا تنبغي مكافأة الطفل عليها
في حين أنّ المكافآت قد تكون محفّزة، إلّا أنّ هناك مواقف معيّنة يجب تجنّب مكافأتها:
المهامّ اليوميّة
يجب على الآباء تجنّب مكافأة الأطفال على السلوكيّات التي تعتبر مهامًّا أساسيّة، مثل تنظيف أسنانهم، أو ارتداء ملابسهم، أو اتّباع قواعد المنزل، فهي جزء من الحياة اليوميّة، ولا تتطلّب حوافز خارجيّة، بل تتطلّب التزامًا. يمكن أن تخلق مكافأة هذه السلوكيّات شعورًا بالاستحقاق، فيتوقّع الأطفال الثناء أو المكافآت، لمجرّد القيام بما هو ضروريّ، ولن يقوموا به إن لم تعد تكافئهم على ذلك.
الرشوة للقيام بعمل ما
إنّ استخدام المكافآت كوسيلة "لرشوة" الأطفال، لتشجيعهم على التصرّف بشكل أفضل - مثل أن تُقدّم لهم الحلوى لوقف نوبة الغضب، أو وعدهم بلعبة إذا قاموا بتنظيف غرفتهم - يمكن أن يأتي بنتائج عكسيّة. فهذا يعلّم الأطفال التفاوض للحصول على المكافآت، أو التصرّف بشكل جيّد فقط عندما يحصلون على شيء في المقابل. بهذه الطريقة، سيفتقرون إلى روح العطاء مع الوقت، بل سيتوقّعون دائمًا شيئًا مقابل أيّ عمل خير، أو خدمة يقدّمونها إلى الآخرين.
الإشباع الفوريّ لكلّ عمل صالح
لا يحتاج الأطفال إلى مكافأة في كلّ مرّة يتصرّفون فيها بشكل جيّد. على سبيل المثال، إذا شاركوا لعبهم مع الأطفال الآخرين، أو ساعدوا أحد الإخوة، فإنّ عبارة "شكرًا" تكفي غالبًا. إنّ مكافأة كلّ فعل صغير، يمكن أن تقلّل من أهمّيّة المكافآت، وتجعل الأطفال ينتظرون المدح من الآخرين باستمرار.
التحصيل الأكاديميّ الجيّد من دون جهد
على الرغم أنّه من المهمّ الاعتراف بالإنجازات الأكاديميّة، إلّا أنّ مكافأة الدرجات وحدها يمكن أن ترسل رسالة خطأ. على سبيل المثال، إذا حصل الطفل على "A" بأقلّ جهد، فإنّ مكافأته قد تعلّمه التركيز على النتائج، بدلًا من التركيز على الجهد في الدراسة، وعلى عمليّة التعلّم بحدّ ذاتها. فالأهمّ هو التركيز على الجهد الذي بذله الطفل ليحقّق نتيجة ما، حتّى لو لم تكن النتيجة مرضية بشكل كافٍ.
أنواع المكافآت التي يمكن للوالدين استخدامها
لا يلزم أن تكون كلّ المكافآت مادّيّة، أو باهظة الثمن. في الواقع، غالبًا ما يكون للمكافآت غير المادّيّة تأثير أعمق في قلوب الأطفال. في ما يأتي بعض أنواع المكافآت:
الثناء اللفظيّ
يمكن أن تكون عبارة "أنا فخور بك"، أو "لقد قمت بعمل رائع"، من أكثر المكافآت أهمّيّة للطفل. يجب أن يكون الثناء محدّدًا للسلوك أو الجهد الذي تعترف به. على سبيل المثال:
بدلًا من قول "عمل جيّد"، حاول أن تقول: "لقد عملت بجدّ لحلّ هذا اللغز! أنا معجب حقًّا بصبرك وتركيزك".
قضاء وقت ممتع مع طفلك
قضاء وقت إضافيّ مع طفلك باعتباره مكافأة، يعزّز الروابط العاطفيّة بينكما، ويؤكّد له أنّ جهوده محلّ تقدير وإعجاب. على سبيل المثال، يمكنك أن تقول له: "بما أنّك قمت بعمل رائع في تنظيف غرفتك، دعنا نذهب معًا إلى الحديقة بعد الظهر".
الامتيازات
قد يكون تقديم الامتيازات، مثل وقت إضافيّ للعب، أو اختيار فيلم عائليّ، أو البقاء مستيقظًا لفترة أطول، مكافأة مفيدة للأطفال. هذه المكافآت فعّالة بشكل خاصّ، لأنّها تشعرهم بالتميّز والتحفيز من دون أن تكون مادّيّة.
المكافآت المادّيّة (شرط أن تكون باعتدال)
في بعض الأحيان، يمكن استخدام المكافآت المادّيّة، مثل الألعاب للأطفال الأصغر سنًّا، والذين يستجيبون جيّدًا للحوافز البصريّة أو المادّيّة. على سبيل المثال، يمكن لمجموعة ملصقات تحفيز الطفل على إكمال المهامّ، مع منح مكافأة أكبر بعد الوصول إلى هدف معين.
الاحتفالات والتقدير
قد يكون لتقدير إنجازات الطفل أمام أفراد الأسرة أو الأصدقاء أثر رائع. على سبيل المثال، يمكن لقول "نحن فخورون جدًّا بالطريقة التي تدرّب بها [اسم الطفل] على السباحة كلّ يوم هذا الأسبوع"، أمام أفراد الأسرة، أن يعزّز ثقته بنفسه وشعوره بالإنجاز.
***
هل المكافآت نهج للانضباط وتحفيز السلوك الجيّد، أم أنّها تنتج أطفالًا مدلّلين، يرتفع لديهم الشعور بالاستحقاق الذي في غير مكانه؟ جواب هذا السؤال تحدّده الطريقة والتوقيت اللذَين تقدّم فيهما المكافأة لطفلك.
المراجع