العمل الشّاق
منذ مدّةٍ وأنا أرغب بالحديث عن التحضير اليوميّ المطلوب من المدرّسين. هذا التحضير الذي أصبح مجموعة من الخانات المعلّبة، التي لا تُعدّ ولا تحصى. سأعرض هُنا مجموعةً من هذه الخانات، وهي على سبيل المثال وليس الحصر: المعايير، الأهداف المعرفيّة، الوجدانيّة والسلوكيّة، نواتج التعلّم، معايير النجاح، مؤشّرات الأداء، التعلّم التمايزيّ، تحفيز المتفوّقين، دعم ذوي الهمم، الاستراتيجيّات، المهارات، التقييم الأوليّ والمستمرّ والذاتيّ وتقييم الأقران، التأمّل، هرم بلوم، الكفايات، عمل المجموعات، دورات البحث والربط بالواقع.
يُطلب من المدرّس، أيضًا، أن يحضّر نصوصًا إثرائيّة وعروضًا مرئيّةً (power point) وأوراق عمل، عدد كبير من تلك الأوراق مصيرها سلّة المهملات في نهاية الفصل أو العام الدراسيّ. من هُنا يُصبح التحضير للحصّة عملًا مُملًّا وشاقًّا، يقتل الإبداع والمرونة التي يجب أن تتميّز بها عمليّة التعلّم والتعليم.
بعض الحلول
1. بالتّعاون مع المنسّق وبإشرافه، نقوم بتصميم نموذج تحضير سهل ممتنع يدعم الإبداع والتفكير الناقد، ومن الأفضل العمل على نموذج يُعطي صورة كاملة للوحدة أو المشروع. هُنا من الممكن الاطلاع على النموذج في كتاب "الفهم عن طريق التخطيط" “Understanding by Design” Grant Wiggins & Jay McTighe.
سأقوم بمشاركة هذا النموذج البسيط، والذي يشكّل حصّة ضمن وحدة كبيرة تم من خلالها تحديد المعارف والمفاهيم والمهارات.
سؤال الوحدة/ أو الأسبوع/ أو الحصّة
|
كيف نحافظ على البيئة؟
|
بداية الحصّة تحفيز وتقييم أوليّ يُحرّك المشاعر، ويساعد على اكتشاف المعرفة المسبقة. |
مشاهدة هذا الفيلم والتعليق عليه، ومناقشته من خلال استراتيجيّة: أنا أرى – أنا أفكّر – أنا أتساءل (I see – I think – I wonder).
|
عمليّة التعلّم والتعليم تعتمد على التساؤل والبحث، المتعلّم هو المحور، المعلّم هو الميسر ويقوم بتجهيز المصادر، مجموعات متمايزة، استخدام التكنولوجيا.
|
يتم تقسيم الصّفّ إلى مجموعات لتصميم لوحة إعلانيّة للحفاظ على البيئة أو منشور أو مشهد مسرحيّ. |
نهاية الحصّة تأمل وتقييم مستمرّ يُظهر مدى التقدّم الحاصل. |
تقييم ذاتيّ أو تقييم أقران ونشر المنتجات في ممرّات المدرسة أو على وسائل التواصل الاجتماعيّ.
|
2. أن يتم التحضير للحصص بشكلٍ جماعيّ لا فرديًّا. إنّ المدرّس لا يستطيع أن يأخذ تحضيرًا آخر ويطبّقه، لذا يجب تخصيص ساعات تنسيق وتحضير أسبوعيّة ضمن نِصاب المدرّسين، ذلك للتعاون وتصميم الدروس بإشراف المنسق. هذه الدروس ستأخذ بعين الاعتبار التفاوت بين الشُّعَب، ونوعية التلاميذ، ومن المهمّ أيضًا أن نفكّر في وقت إعطاء الدرس سواء صباحًا أو في نهاية الدوام المدرسيّ، فحصص بعد الظهر بحاجة لاستراتيجيّات تفاعليّة ومجهود أكثر لجذب المتعلّمين.
3. إن استخدام العروض المرئيّة(power point) أو اللّوح الذكيّ، في الكثير من الأحيان، لا يساعد على جعل التلميذ محور عمليّة التعلّم، إذ إنّ الجلوس وتلقّي المعلومة من خلال هذه العروض لمدّةٍ طويلة لا يعدّ تعلّمًا نشطًا أو دمجًا للتكنولوجيا. يجب على التلميذ أن يتعلّم استخدام التكنولوجيا للوصول للمعلومة، في حال توفّر جهاز إلكترونيّ لكلّ تلميذ، أو من خلال استخدام مصادر متنوّعة أو باستخدام استراتيجيّة عمل مجموعات. للتلميذ دور أساسيّ أيضًا في عمليّة التعلّم، والطريقة التي يرغب أن يتعلّم بها. إنّ الاستماع للتلاميذ ومنحهم فرصًا متنوّعة وخيارات متعدّدة لتقديم المشاريع أو الأعمال البحثيّة يُعتبر نقطة أساسيّة يجب الانتباه لها في عمليّة التحضير للحصّة.
4. التخفيف من كثرة المصطلحات التربويّة في نموذج التحضير والتركيز على صياغة أسئلة التفكير الناقد قبل الدخول للحصّة. هُنا قد يكون مفيدًا الاطلاع على مادّتي السّابقة مع منهجيّات.
5. من المهمّ قبل التخطيط والتحضير اليوميّ للدرس، أن يقوم المدرّس بالشرح للأهل والتلاميذ أنّ الكتاب المدرسيّ ليس المنهج، إنما هو مصدر فقط، وقد يتم استبداله برحلة مدرسيّة، بنشاط كبير، بمقابلة كاتب أو مؤلّف، برواية أو قصّة من خارج الكتاب، بتجربةٍ علميّةٍ في مختبر العلوم، أو بمشهدٍ مرئيّ من خلال يوتيوب. الجميع يعلم أن الدوام المدرسيّ يختلف من بلد لبلد، ففي إمارة الشّارقة، على سبيل المثال، الأسبوع المدرسيّ عبارة عن أربعة أيّام فقط، وكذلك في فرنسا، أمّا باقي الإمارات أو المغرب فأربعة أيّام ونصف، وهذا دليل إضافيّ على أن الكتاب المدرسيّ وأوراق العمل الإضافيّة لا تشكّل المنهج. في يومنا الحاضر يجب أن يكون المنهج عبارة عن مشاريع مرتبطة بالواقع، وتقود إلى التغيير في مجتمعاتنا التّي تواجه الكثير من التحدّيات. ومن هُنا، يجب أن يتمحور تحضير المدرس اليوميّ حول المشاكل التي نواجهها في يومنا هذا، وعلى التلاميذ التفكير بالحلول.
أتمنّى أن تساعد هذه الأفكار الجميع للخروج من متاهة التحضير اليوميّ، والانتقال إلى تقنيّات تحضير مرنٍ ينمّي الإبداع والتفكير الناقد ويواكب تطوّرات العصر واهتمامات المتعلّمين.