طرق وأساليب تسهم في تعزيز شعور الطفل بالأمان
طرق وأساليب تسهم في تعزيز شعور الطفل بالأمان

من المهمّ للغاية الأخذ بعين الاعتبار جميع المشاعر والأحاسيس التي يختبرها الأطفال خلال فترة نموّهم. قد تتساءل أحيانًا، كيف يمكنهم التعامل مع بعض القضايا والصعوبات في عمرٍ صغير، ولكن ما يجب أن تعلمه هو أنّ قدراتهم ومهاراتهم المعرفيّة في تطوّر مستمرّ. ويبقى الشعور بالأمان عند الطفل أحد أهمّ المشاعر التي تؤثّر في نموّه وتطوّر قدراته.

يشكّل أمان الطفل العاطفيّ أساس رفاهيّته وسلامته في الأوساط الاجتماعيّة والتعليميّة. ويمكن تغذية هذا الشعور وتعزيزه بالرعاية والاهتمام والتفهّم، بالإضافة إلى العديد من الأمور الأخرى التي سنطرحها بالتفصيل في هذا المقال.  

لكن، لنتعرّف، بداية، بصورة أفضل، إلى أهمّيّة الشعور بالأمان عند الطفل، وأسباب غيابه عند بعض الأطفال. 

 

أهمّيّة شعور الطفل بالأمان

ممّا لا شكّ فيه أنّ تنشئة طفل في بيئة آمنة وخالية من التوترّات والمشكلات يُسهم كثيرًا في تشكيل شخصيّته بطريقة إيجابيّة. فشعور الطفل بالأمان يؤدّي إلى: 

تحفيز قدراته المعرفيّة 

عندما يشعر الطفل بالأمان، يصبح أكثر استقلالًا واعتمادًا على نفسه، بل وأكثر إقبالاً على استكشاف العالم من حوله؛ ما يعني عيش تجارب جديدة أكثر، واكتساب معارف أكثر، وبالتالي نجاحًا أكبر. 

تقوية علاقاته بالآخرين 

يعزّز الشعور بالأمان عند الطفل بناء علاقات صحّيّة تستمرّ لفترات أطول مع من حولهم. عندما يشعر الطفل بالأمان، لن يسعى إلى البحث عنه لدى الآخرين، وبالتالي سيبني علاقاته بهم على أسس صحّيّة، بدلاً من بنائها على أساس الحاجة والنقص العاطفيّ.

إكساب الطفل مرونة عاطفيّة

عندما يمتلك الطفل مرونة عاطفيّة، يكون أقدر على مواجهة التحدّيات والعقبات التي تعترضه في حياته. فالأطفال الذين يشعرون بالأمان غالبًا ما يمتلكون مرونة عاطفيّة أعلى، ونجدهم أقدر على تطوير مهارات تساعدهم على إدارة مشاعرهم والتعامل بحكمة مع المواقف المختلفة التي يمرّون بها. 

أسباب عدم شعور الطفل بالأمان 

تتعدّد الأسباب التي تؤدّي إلى فقدان الطفل الشعور بالأمان، فمنها ما هو داخليّ على مستوى الأسرة، وقد يتوسّع ليكون عائليًّا (على مستوى الأسرة الممتدّة)، أو مجتمعيًّا، أو حتّى أكبر من ذلك (كفقدان الأمان في الإقليم الذي يعيش فيه الطفل).  

في ما يلي أهمّ أسباب عدم شعور الطفل بالأمان: 

  • - الاضطرابات الأسريّة، مثل المشكلات الزوجيّة، وإساءة معاملة أحد الزوجين للآخر، والعنف الأسريّ...
  • - انفصال الوالدين، وما يترتّب على ذلك من توترّات وانهيار المنظومة الأسريّة.  
  • - إصابة الطفل أو أحد الوالدين بإعاقة جسديّة أو عقليّة، أو حتّى مرض مزمن، وما ينجم عنه من توتّرات وضغوطات نفسيّة ومادّيّة على العائلة. 
  • - أساليب التربية غير السليمة، كالدلال الزائد، والتمييز بين الإخوة، والتذبذب في التعامل مع الطفل، فنجد الأب مثلاً صارمًا جدًّا في بعض المواقف، ومتساهلًا للغاية في المواقف نفسها في أوقات أخرى. 
  • - التعرّض للصدمات النفسيّة كالحوادث، أو وفاة أحد الوالدين أو الإخوة، أو التعرّض للاختطاف أو الاغتصاب مثلاً، وغياب الدعم النفسي الكافي للتعافي من هذه الصدمات.  
  • - الفقر وتدنّي مستوى العائلة المادّيّ؛ ممّا قد يجبر الطفل على تحمّل مسؤوليّات أكبر من عمره، ويضع على عاتقه توتّرًا أعظم من أن يتحمّله. 
  • - الكوارث الإنسانيّة والطبيعيّة والحروب، وهي من أشدّ الظروف التي قد تُفقد الأطفال شعورهم بالأمان، بل وتمحو الأمان تمامًا حتّى عند الكبار. 

 

أعراض نقص الشعور الطفل بالأمان

يتجلّى شعور الطفل بانعدام الأمان بصور عديدة، ولكن يمكننا اختصار أكثر الأعراض شيوعًا في ما يلي: 

  • - كثرة الشكوى والشعور الدائم بالألم، ولا سيّما آلام المعدة. 
  • - اضطرابات النوم وعدم القدرة على الخلود للنوم سريعًا. 
  • - الإصابة بنوبات الفزع الليليّ، وتكرّر الكوابيس والأحلام السيّئة. 
  • - نوبات غير مفسَّرة من البكاء المفاجئ. 
  • - التعلّق الزائد وغير المبرّر بأحد الوالدين، والانعزال عن الآخرين. 
  • - سلوكات غير اعتياديّة، كالتبوّل اللاإراديّ، وقضم الأظافر، ومصّ الأصابع…
  • - سرعة الانفعال، والعناد الشديد والتصرّفات العدوانيّة. 
  • - التعبير باستمرار عن الخوف والقلق. 

 

طرق وأساليب لتعزيز شعور الطفل بالأمان

إذًا، كيف نحقّق أمان أطفالنا النفسيّ؟ سؤال يطرحه كلّ أب وأمّ في ظلّ ما يشهده العالم اليوم من اضطرابات وتوترّات وانعدام الأمان عامّة. وفي الوقت الذي قد يبدو فيه هذا الأمر صعبًا، هناك بعض الطرق والأساليب التي تسهم في تعزيز شعور الأطفال بالأمان، نذكر منها ما يلي: 

المحافظة على روتين ثابت في حياة الطفل 

يشعر الطفل بالأمان عندما تكون البيئة المحيطة به مستقرّة ومنظّمة، وعندما يكون على علمٍ بما سيحدث في المرحلة التالية. وهكذا، فالحفاظ على روتين ثابت من أهمّ ما يمكنك القيام به عندما يكون طفلك خائفًا أو متوتّرًا.  

احرص على الحفاظ على مواعيد نوم وأكل ثابتة، وكذلك الحدود والقواعد والتعليمات. فهذا التكرار والثبات سيشعره بوجود نظام واضح، ويمكّنه من توقّع الأحداث خلال يومه؛ ممّا يمنحه شعورًا بالأمان. 

مراقبة مدى مشاهدة الأطفال مشاهد العنف في وسائل الإعلام 

أظهر أحد الابحاث أنّه، وببلوغ الطفل سنّ الـ18، يكون الطفل الأمريكيّ قد شاهد حوالي 16 ألف جريمة قتل تمثيليّة (في المسلسلات والأفلام)، وما يزيد عن 200 ألف عمل عنف في وسائل الإعلام! 

لا يمكن للأطفال في مراحل مبكرة التمييز بين الحقيقة والخيال، ومشاهدة أعمال العنف على التلفاز أو منصّات التواصل الاجتماعيّ قد يشعرهم بأنّ عالمهم مكان مخيف، وأنّ هذه الأمور قد تحصل لهم في أيّة لحظة.  

وفي وقتنا الراهن الذي يزداد فيه العنف حتّى على أرض الواقع، يبقى من المهمّ تقليل تعرّض الأطفال لمثل هذه المشاهد في نشرات الأخبار، أو منصّات التواصل الاجتماعيّ، والسعي قدر الإمكان إلى خلق جوّ آمن في بيئتهم المحيطة لإشعارهم بالاطمئنان. 

تذكير الطفل دائمًا بأنّ هنالك من يحميه ويعتني به 

إن كان طفلك يشعر بالخوف والتوتّر دائمًا، فالتمرين الآتي يساعدك على تخفيف الشعور بفقدان الأمان. أحضر لوحة كرتون كبيرة نسبيًّا، وضع صورة طفلك في المنتصف، ثمّ ابدأ معه بجمع صور وأسماء كلّ الأشخاص الذين يقدّمون له الحبّ والرعاية والحماية، ابتداءً من أقرب الناس إليه: الأبوين، ثمّ الإخوة والجدّين، وحتّى حيوانه الأليف أو لعبته المفضّلة! 

يمكنك بعدها أن توسّع الدائرة لتشمل المعلّمين في المدرسة، ورجال الشرطة، والدفاع المدنيّ، ورجال الإنقاذ…

هذا التصوّر البصريّ للمجتمع المحيط بالطفل، والذي يقدّم إليه العون والرعاية، يعزّز في داخله فكرة أنّه ليس وحيدًا، وأنّ مِن حوله مستويات من الحماية لن تسمح بأن يصاب بأيّ أذى. الأمر الذي يُشعره بمزيد من الأمان والاطمئنان. 

الإشارة إلى نقاط قوّة الطفل والتركيز عليها 

عندما يتصرّف طفلك بطريقة ذكيّة، أو يختار سلوكًا آمنا، كأن يرتدي خوذته قبل ركوب الدرّاجة، أو يمسك يدك قبل قطع الشارع، بيّن له ذلك، وامدح تصرّفه. دعه يعرف أنّه قادر على اتّخاذ قرارات صحيحة وآمنة، فذلك يجعله أقوى وأكثر ثقة بقدرته على التصرّف تصرّفًا سليمًا. 

تعزيز الشعور بالأمان العاطفيّ

هذا الأمر في غاية الأهمّيّة، ولا سيّما عندما يكون خوف الطفل نابعًا من سوء حالة العائلة الاقتصاديّة، كأن تكون العائلة فقيرة أو تواجه تحدّيات وظروفًا ماليّة عصيبة.  

من هنا، لا بدّ للوالدين من تعزيز شعور الطفل بالأمان العاطفيّ، والسعي إلى توفير بيئة مليئة بالحبّ والحنان؛ ممّا يساعده على الشعور بالطمأنينة والراحة حتّى في ظلّ الظروف الصعبة.  

إظهار المرونة والقوّة  

عندما يعمل الوالدان على أن يكونا قدوة يحتذى بها في ظلّ الظروف الصعبة، ويُظهرا مرونة في التعامل مع التحدّيات التي تواجههما، يعلِّم ذلك الطفل الثبات، ويُكسبه مزيدًا من الشجاعة والثقة بالنفس، ويقلّل من شعوره بالخوف والتوتّر. ليس هذا وحسب، فالتحدّث بصراحة مع الطفل حول الأوضاع المادّيّة أو الصعوبات، وبأسلوب مبسّط يفهمه ويوازن بين الواقعيّة والأمل والتفاؤل، يسهم في تخفيف الخوف والتوتّر، لأنّ الطفل هنا يكون على دراية بالواقع من حوله، وعلى علم بالخطوات اللاحقة التي سيتّخذها الوالدان للتغلّب على هذا الظرف. 

الوعي بالحاجة إلى مساعدة ذوي الاختصاص 

أخيرًا، إن كان طفلك يشعر بالخوف دائمًا، وعجزت كلّ الطرق السابقة عن تهدئته، أو إن كانت مشاعر الخوف تؤثّر في نومه وأدائه المدرسيّ، فربما حان الوقت لطلب المساعدة من ذوي الاختصاص. يمكن للمعالجين النفسيّين ومراكز الإرشاد أن تقدّم لك استراتيجيّات وأساليب فعّالة ومدروسة للتغلّب على توتّر طفلك وتقليل شعوره بالخوف. 

* * *

شعور الطفل بالأمان أحد أهمّ الاحتياجات التي لا بدّ من إشباعها، حتّى يتمكّن طفلك من النموّ نموًّا سليمًا، ولا تقلّ أهمّيّة الأمان العاطفيّ عن أيّ احتياجات فسيولوجيّة أخرى كالطعام والشراب.  لذا، احرص على جعل هذا الأمر أولويّة لك، لضمان تنشئة طفل سويّ عقليًّا وعاطفيًّا.  

 

المراجع

https://kidstable.com/en/importance-children-emotional-security/ 

https://www.amankids.com/post/15413/ 

https://ccy.jfcs.org/5-ways-can-help-kids-feel-safe-unsafe-world/ 

https://thriveworks.com/blog/frightened-child-feel-safe-again/#:~:text=You%20can%20help%20children%20with,can%20to%20keep%20them%20safe