كيف تتخيّلين شكل التّعليم لو لم يكن هُناك مدارس؟ وكيف ترين مستقبل المدرسة كمكانٍ؟
لقد كانت للأزمات والحروب التي مررنا بها، وخاصّة في بلداننا العربيّة، القدرة، بشكلٍ أو بآخر، على إيقاف التقدّم الحضاريّ في أي مجال من مجالات الحياة وليس فقط التعليم، لكن أثبت الإنسان أنه كائن مرن له القدرة على التكيُّف مع أي ظرف وخلق فرص جديدة ومتجدّدة دائمًا. فإن لم يكن هناك مدارس ستكون هناك طرق أخرى للتعليم لنا أن نتخيّل بعضها، كالتعليم الذاتيّ مثلًا أو المنزليّ أو التعليم عن بُعد، إن كنا نتحدّث عن الحاضر أو ربما المستقبل القريب، وطرق أخرى تخرجنا من قولبة التعليم في المدرسة، طرق قد لا نستطيع تصوّرها الآن، فمن منّا كان يتخيّل منذ عدّة سنوات أنّنا سنتعلّم من خلف شاشة؟
أمّا عن مستقبل المدرسة كمكانٍ، ففي ظلّ التطوّرات التي يشهدها العالم نلاحظ أننا ننتقل، تدريجيًّا، من المركزيّة إلى اللّامركزيّة في التعليم، ولكنّني ما زلتُ أرى أنّ المدرسة كالبيت، فمهما تعدّدت سياقات وطرق وفرص التعلّم خارج هذه المؤسّسة نبقى بحاجة لمكانٍ نتشارك فيه تجاربنا وتأمّلاتنا، مكان يحتضننا جميعًا ككادرٍ تعليميّ وطلبة.
كيف تصفين تجربة التعليم الحضوريّ/ الوجاهيّ، بعد تجربة التعليم عن بُعد؟
بعد خبرة ما يقارب العام ونصف العام على تجربة التعليم عن بُعد، ومع أنّنا كنّا بحاجة لتجربة خيارات جديدة في سياق العمليّة التعليميّة، خاصّة على صعيد تفعيل المنصّات الإلكترونيّة بشكل أكبر ودعم مهارات الطلاب الرقميّة، التي أصبحت ضرورة مُلحّة في عصرنا الحاضر، أرى أنه لا بديل عن التواصل المباشر بين المعلّم والطالب، ولا بديل عن المواقف التعليميّة والاجتماعيّة التي يعيشها الطفل في المجتمع الصفّيّ في ظلّ التعليم الحضوريّ أو الوجاهيّ.
اختاري شيئًا واحدًا تودّين تغييره في تعليم اليوم؟ لماذا؟
أمّا عمّا أودّ تغييره في العمليّة التعليميّة، وهو في الحقيقة ما أتمنّى إلغاؤه؛ امتحانات الثانويّة العامّة، التي كانت وما زالت، ومع الأسف، في معظم المؤسّسات التعليميّة تحسم مصير الطالب وتحدّد مستقبله بناءً على مجموع درجاته، دون النظر والأخذ بعين الاعتبار، ولو بشكل بسيط، ميوله ورغباته وشغفه أو لظروفه خلال أيّام الامتحان. لو كان باستطاعتي لقمت بإلغاء هذه الامتحانات من الماضي والحاضر والمستقبل، وتغيير هذه البرمجة التي، مع الأسف، ترعرعنا عليها حول أن مصير مستقبلنا وتخصّصنا الجامعيّ قائم على مجموع درجاتنا في الثانويّة العامّة، والحقيقة أن الحديث حول هذا الموضوع يطول ويطول.
برأيك، كيف يُمكن توظيف الفنون أو الموسيقى في التعليم؟
إنّ الأناشيد والرديات جزء لا يتجزّأ من العمليّة التعليميّة خاصّة في مراحل الروضة، نُحبّ دائمًا أن نفتتح يومنا بأغنية، فتكون صباحاتنا مُفعَمة بالنشاط والحيويّة والمتعة، وأُفضّل أن تكون الأناشيد باللغة العربيّة الفصحى لما لها من دور كبير في تطوير اللغة وزيادة المخزون اللغويّ لدى الأطفال. هُنا يمكن أن ندمج الموسيقى من خلال عدّة طرق، مثل أن نُغنّي أغنية معيّنة حين يصبح وقت ترتيب الصف، فحفظنا، على سبيل المثال، حروف الجرّ من خلال أغنية قمنا نحن بتلحينها معًا بشكل بسيط.
إذا طُلب منك ابتكار طريقة جديدة لتقييم الطلبة، ماذا ستكون هذه الطريقة، وعلى ماذا ستعتمد؟
بدايةً لنتفقّ على أنّ التقييم هو ليس بهدف الحكم على مستوى الطالب، وإنما لأهداف أُخرى، مثل معرفة ما اكتسبه الطالب من مفاهيم ومعارف، وأيضًا التأمّل بمدى نجاح التجربة التعليميّة، ومدى فاعليّة المحتوى التعليميّ وملاءمته للطلاب وميولهم وأهداف أُخرى، والأهم من هذا كلّه هو توعية الأهل بذلك بهدف إشراكهم في عمليّة تقييم الطلاب من خلال مواقف وملاحظات يتم تدوينها من قبل وليّ الأمر والمعلّم، وتأمّلها ومناقشتها معًا بدلًا من تقييم الطالب من خلال ورقة امتحان.
كيف يُمكننا توظيف تفاصيل الحياة اليوميّة في التّعليم؟
لا شكّ أن التعليم لم يعد ينحصر فقط على مهارات القراءة والكتابة والعمليّات الحسابيّة، وإنما يشمل جوانب ومهارات أخرى تساهم ببلورة شخصيّة الطفل ككل، وتجدر الإشارة إلى أنّ أي موقف يعيشه الطفل يمكن أن يكون فرصة للتعلّم، فرصة ليعبّر عمّا شاهد، والتعبير عن مشاعره أيضًا، فمثلًا نتحدث، حاليًّا، في وحدتنا البحثيّة عن المساحات المشتركة كالحدائق والشواطئ والملاعب وغيرها، شاركنا الأطفال الكثير من صورهم في مساحات مشتركة مختلفة، فحدّثونا عن الأنشطة التي قاموا بها هناك، والفرص التي وفّرتها لهم هذه المساحات، ومسؤوليّاتهم هناك، فكانت رحلتهم إلى الحديقة مع العائلة هي فرصة للتعلّم.
ما هو التعبير الذي تُحبّين رؤيته على وجوه الطلبة؟ وكيف تحبّين أن يكون شعورهم وهم يغادرون المدرسة؟
أكثر تعبير أحبّ أن أرى على وجوههم هو حماسهم وانتظارهم للحظة المكافأة الجماعيّة، والتي أحضّرها لهم كلّما جمعوا نقاط معيّنة، وأكثر ما يُسعدني حين مغادرتهم المدرسة، رؤيتهم وهم يتناقشون فيما بينهم، بطريقتهم الطفوليّة البريئة، حول موضوع أو مفهوم تطرّقنا له خلال اليوم.
من هو الطالب المُلهم؟
إنّ أي طالبٍ أيًّا كانت قدراته أو ميوله، وأيًّا كانت احتياجاته هو مصدر إلهام بالنسبة لي، أحيانًا من خلال حواراتي معهم، وأحيانًا أخرى من خلال رسوماتهم البسيطة، وحتى في وقت اللَّعب الحُرّ أستلهم منهم فكرة أو نشاط أو ربما موضع معيّن نبحث فيه معًا.
كصديقةٍ، ما هي نصيحتك المُتكرّرة للطلبة؟
أقول لهم اعملوا بجدّ وأحبّوا ما تفعلون، فكلّ ما يرافقه العمل لا يثمر إلّا بالخير، وكلّ ما يكلّله الحبّ لا يبصر إلّا النور، واحلموا قدر ما تشاؤون، ولا تضعوا حدودًا لأحلامكم.
إذا طُلب منك اختيار وجهة الرحلة السنويّة لطلّابك، أيّ مكان تختارين؟
أخيرًا بالنسبة لوجهة الرحلة السنويّة، في البداية نحدّد الهدف من الزيارة بشكل جماعيّ، نفكر بالخيارات المتاحة معًا، ونفسح بعد ذلك المجال للطلاب للتواصل فيما بينهم واتخاذ قرار جماعيّ حول الوجهة التي يودّون هم زيارتها.