رفاه المعلّمين... عافيتهم، بل ربّما بقاؤهم
رفاه المعلّمين... عافيتهم، بل ربّما بقاؤهم

تطرّقت منهجيّات إلى موضوع الرفاه في المجتمع المدرسيّ في عددها التاسع، فتناولت المقالات مواضيع عديدة لها علاقة بالمؤسّسة المدرسيّة ورفاه المتعلّمين. يومذاك، نقص العدد التركيز على رفاه الضلع الأهمّ في العمليّة التعليميّة، ونقصد المعلّمات والمعلّمين الذين يرزحون تحت أعباء عديدة ومختلفة المشارب. من هنا، جاء ملف العدد السابع عشر مستهدفًا رفاه المعلّمين بوصفهم حجر الزاوية في هذه العمليّة الخطيرة.

 

وكلمة الرفاه هي الترجمة الأكثر انتشارًا لـ Well Being، الأمر الذي بات معتادًا في عالمنا العربيّ، أي الاعتماد على المصادر والرؤى الغربيّة للنظر إلى شؤوننا الداخليّة. وفي النظر إلى ترجمات الكلمة الأجنبيّة في القواميس، نجد المفردات الآتية: ازدهار، خَير، رَخَاء، رَفاه، رفاهة، رَفَاهِيَة، رِفه، سَرَّاء، سُرُور، سَعَادَة، صالح، مَصلَحَة، مَنفَعَة، نَفع، يُسر، عافية. وهذه المفردة الأخيرة نراها الأقرب إلى الواقع في مجال التعليم العربيّ، أي عافية المعلّم. ففي لسان العرب نقرأ: الرَّفاهَةُ والرَّفَاهِيَة والرُّفَهْنِية: رَغَدُ الخِصْب ولينُ العيش. وهذه مرحلة تتخطّى واقع إنسان يكافح للبقاء والاستمرار والمتابعة في سيرورة مرسومة أمامه. وربّما من الأعدل أن نبحث في توصيفنا واقع المعلّمات والمعلّمين عن معاني كلمة Survive؛ أي البقاء والنجاة والصمود.

 

إنّ مراقبة عادلة لواقع المعلّم العربيّ تنحو بنا إلى أن نترجم الـ Well Being بكلمة عافية، وهي الأدقّ في وصف سعي المعلّم العربيّ في يومه: هو ينشد العافية في علاقته مع الإدارة المدرسيّة؛ ومع القوانين الناظمة لمهنته؛ وفي ضمان تقاعده وأمانه الوظيفيّ؛ وفي احترام وكالته ورأيه ومشاركته في خطط العمليّة المنوط به تنفيذها؛ وفي معاناته في صفوف مكتظّة، وخالية من الوسائل التكنولوجيّة؛ وفي علاقته مع المتعلّمين والأهل في مجتمعات باتت تسودها النظرة المادّيّة واحترام ذوي الرفاه الملموس والمنظور؛ وفي قدرته على التعبير عن رأيه... سنقبل بالعافية مأوى يحمي المعلّمين، إلى أن يصير عندنا رفاهية التفكير برفاه المعلّم!

 

بعد نشر الدعوة إلى المشاركة في الملفّ، توقّعنا ألّا نقرأ الكثير من المقالات من المعلّمين؛ فمعلّمون لا يشعرون برفاه قدرتهم على التعبير عن أنفسهم ومشاكلهم وما يواجهون، لن يقدروا على الكتابة في موضوع شائك مثل هذا. وهذا أمر طبيعيّ في مجتمعات عربيّة بعضها قد لا يأبه لرفاه الإنسان للأسف، ولا يمنحه القدرة على التعبير عن نفسه بحرّيّة، أو حقّه في تأسيس نقابات مهنيّة تعمل على ضبط القوانين وتعديلها، لن تستطيع أن تستثني فئة المعلّمين من هذه الحالة. لكنّ ذلك لن يثنينا عن طرق هذا الباب، ونحن نعرف أنّنا نكسر حجرة في جدار، فطوبى لمعلّماتنا ولمعلّمينا.

 

في هذا الملفّ نقرأ عن: أثر رفاه المعلّمين في رفاه المتعلّمين، لمحمّد حمّور؛ ومحاولة جريئة في تعريف رفاه المعلّمين، لعلي عزّ الدين؛ وقراءة للمنظور الاجتماعيّ إلى قيمة المعلّم الراهنة، لإبراهيم ماين؛ وأسئلة منطقيّة من الواقع عن رضا المعلّمين، لمحمّد الزعبي؛ وقراءة في أثر البيئة المدرسيّة في رفاه المعلّمين، لياسمين حسن؛ ونموذج تفصيليّ لواقع معلّمين في بيئة غير ودودة، لحمّود إمجيدل. كما نقرأ مقالًا مترجمًا بعنوان "المعلّمون بحاجة أيضًا إلى الرعاية المبنيّة على معرفة الصدمات"، ومقال أصداء الدردشة بعنوان "الرفاه المدرسي وراء الكواليس، رؤى من خبراء في التعليم"، إضافة إلى باب المفهوم التربويّ الذي عرّف "رفاهية المعلّمين"، والتقرير التربويّ عن رفاهيّة معلّمي المدارس.

 

وفي مقالات العدد نقرأ: "غزّة تحترق في بؤرة الثقب الأسود"، لميسون أبو موسى؛ و"مناهج العلوم الإنسانيّة: تعليم أم من سيربح المليون؟"، لزيد الخطيب؛ و"مشكلات تدريس العربيّة"، لمصطفى أمين؛ و"معًا لتعزيز المساواة في التربية"، لنسرين كزبور؛ و"تدريس التاريخ البديل"، لمروان حسن؛ و"هل يمكن استبدال التطوير المهنيّ بجلسات تأمّليّة؟"، لمرام غانم. من غير أن ننسى أبواب العدد الأخرى، والمحاورة الشيّقة مع الدكتورة منيفة عسّاف.

 

تتابع منهجيّات حثّها المعلّمات والمعلّمين العرب على مشاركة تأمّلاتهم وتجاربهم وهواجسهم، فبهذه المشاركة نضع أطرًا لتعليم جديد، ينتج جيلًا جديدًا، يكون فيه للمعلّم والمتعلّم الحقّ في القول والتعبير والحلم... فشاركونا هذا المسير.