لمن الأولوية؟ المحتوى؟ أم التفكير في المحتوى وحول المحتوى؟ كثيرًا ما يواجه المعلّمون ضغطًا حقيقيًّا في تحقيق كفايات المواد والزمن الذي عليهم تخصيصه لتنمية مهارات أخرى خاصّة، منها الفكريّة. لذا، سيتناول هذا المقال ثلاث طرق بسيطة تُساعد المعلّمين في تطوير مهارات وراء معرفيّة (التفكير في التفكير) لدى طلابهم بشكلٍ مُستمرّ في الصفّ.
مهارة التفكير في التفكير، أو بأسلوب أبسط، هي مهارة فهم الطلاب لأنفسهم ولأسلوب تفكيرهم كمتعلّمين. يُعدّ هذا النوع من المهارات ضروريًّا في فصولنا الدراسيّة لدعم التعلّم وتطوير التفكير النقديّ، وإعادة النظر في الأفكار المتناولة. من أجل تحقيق هذه المهارة، لكم بعض الخطوات البسيطة، والتي من شأنها أن تيسّر لكم تطبيقها في صفوفكم.
الخطوة الأولى
تقليل مهام الدرس، وبالتالي وقت حديث المدرّس، واستبدال ذلك بخلق فسحة زمنيّة تستوعب مجموعة من الأسئلة، ذات عمق متفاوت، ولكن تمنح المجال للطلّاب لإعادة النظر فيما تعلّموه والاستراتيجيّات المُستخدمة ومدى نجاعتها أو اختلافها. فلنأخذ، على سبيل المثال، حصّة رياضيّات تناول فيها الطلّاب تعلُّم النسب المئويّة باستخدام طرق مختلفة. على المعلّم، هنا، أن يُخطّط لما يسمّى بالمعرفة السابقة للطلاب في هذا الموضوع: "ما هي النسب المئويّة؟"، "لماذا نحتاجها؟"، "في أي سياق نراها في حياتنا العامّة؟"، "هل يستخدمها بعضنا يوميًّا؟ من؟ ولماذا؟". التحدّث عن المعارف السابقة وتجميعها يؤثّث، حتمًا، لاهتمام أعلى في الموضوع، ويفسح مجالًا للمشاركة والتعبير والتفكير في سُبل تناول الموضوع. لاحظوا أن مسار التفكير قد بدأ سلفًا. ومع تقدّم الحصّة، بإمكان المعلّم طرح مجموعة من الأسئلة، مثل "هل بدا الأمر صعبًا؟ لماذا؟"، هذا من شأنه أن يُعيد الطلاب إلى الطرق المختلفة التي استخدموها للعثور على الأجوبة، ومن هُنا، لنا أن نحثّهم على المقارنة "أي السُّبل كانت أفضل لديكم؟ لماذا؟".
حثّ الطلاب على التفكير في تفكيرهم بالتفصيل يجعل كلّ تفاصيل الحصّة أكثر وضوحًا. إنّها أيضًا نقطة تدريسيّة مفصليّة، إذ تسمح للمدرّس من تبيّن الفهم الحاليّ للطلاب ومعالجة أي مفاهيم مغلوطة أو أي نقص ما في فهم عناصر الدرس. هذا النوع من التخطيط الذكيّ يساعد الطلاب في فهم تفكيرهم وتفكير زملائهم والاستراتيجيّات المستخدمة للتغلّب على تحدّيات معيّنة، أو لتحقيق فهم وكفاءة أكبر.
الخطوة الثانية
التفكير بصوتٍ عالٍ يَصنع فارقًا كبيرًا وحقيقيًّا في الصفّ. حين يقوم المدرّس بطرح أسئلة حول ما يدرّسه ويتفاعل معه بشكلٍ فَعّال وواضح ومتدرّج، هذا من شأنه أن يطوّر فهم الطلاب ويوسّع آفاق تفكيرهم والاستراتيجيّات التي بالإمكان استخدامها. إظهار المدرس أنه ارتكب خطًأ يستوجب التصحيح له أن يعلم الطلاب أهمّيّة التدقيق في مراحل الإجابة والتفكير وأهمّية المثابرة أيضًا. هذا النوع من الخطوات يعلّم الطلاب أهمّيّة اتباع نموذج ما وكيفيّة تصحيح الأخطاء خاصّة في بعض المواد المشابهة للقراءة أو الكتابة أو الرياضيات، ويحافظ، أيضًا، على موقف إيجابيّ ومرنٍ بدلًا من الشعور بالإحباط والاستسلام.
الخطوة الثالثة
صياغة أسئلة مفتوحة. من خلال استخدام أسئلة، مثل "كيف تعرف؟"، أو "هل هناك طرق أُخرى من أجل...؟"، أو " ماذا لو...؟"، هذا النّوع، تحديدًا، من الأسئلة لا يُطوّر المهارات المعرفيّة للطالب فقط، بل ويحوّل التركيز على الإجابة المرتقبة للطلاب إلى التركيز على العمليّة المتّبعة لتحقيق هذه النتيجة أو الإجابة.
تشجيع الطلاب على طرح الأسئلة ليس فقط على المدرّس، بل، أيضًا، على زملائهم وفيما بينهم، داخل الصفّ، هي البداية الفعليّة لدعم التفاعل الفكريّ لدى الطلاب وبعض الأسئلة، مثل "ما الذي ساعدك على أن تكون ناجحًا اليوم؟"، أو "ما الذي بإمكانك فعله لتحسين أدائك؟". بمرور الوقت، يُصبح طرح الأسئلة أمرًا طبيعيًّا في الصفّ، وتصبح الأسئلة المستخدمة مختلفة وأعمق.
من المهم، في نهاية هذا المقال، التذكير بأنّ تحفيز الطلاب على التفكير في أسلوب تفكيرهم يَعتمد، أساسًا، على تغيير المدرّس لأسلوب تفكيره. ومن خلال دمجه هذه الاستراتيجيّات، بشكلٍ مُستمرٍّ، يقومُ المدرّس، فعليًّا، بخلق جيل من المتعلّمين أكثر تفاعلًا مع تعلّمهم.