تطوير برامج التربية العمليّة لمعلّمي ما قبل الخدمة: في ضوء المدخل التأمّليّ السرديّ 
تطوير برامج التربية العمليّة لمعلّمي ما قبل الخدمة: في ضوء المدخل التأمّليّ السرديّ 

تحرص الكُتب والأدبيّات التربويّة، على قلّة وجودها مكتوبةً باللغة العربيّة لسياق عربيّ، وحداثة الموضوعات التي تُناقشها، على تغطية جوانب تربويّة مُختلفة ضمن سياق واقع المُمارِس التربويّ. وبهذا، تمثّل هذه الكُتب أو المراجع محاولة إصلاح ومواكبة متأخّرة لمشكلات مُختلفة تواجه المعلّمين، ناهيك عن عدم التطرّق إلى العديد منها. وبالإشارةِ إلى الفرق الواسع بين دراسة التربية في الكلّيّات والجامعات، ومُمارستها واقعًا يوميًّا، يصبح الطالب/ المعلّم أمام واقع لا ينعكس فيهِ تطبيق النظريّات والأفكار التي درسها في الكلّيّة أو الجامعة انعكاسًا واضحًا ومباشرًا. تُمهِّد هذه النقطة تحديدًا الطريق لاختلال هويّة المعلّم، إذ يتخلّى بذلك، نوعًا ما، عن تجربته الأكاديميّة، ويستحضر ذهنيًّا صور معلّميه السابقين، ويُعيد إنتاجهم في سياق زمانيّ ومكانيّ مُختلِف. 

 

من هُنا، أطلقت إصدارات ترشيد التربويّة دليل "تطوير برامج التربية العمليّة لمعلّمي ما قبل الخدمة: في ضوء المدخل التأمّليّ السرديّ"، تأليف: د. وائل موسى كشك. يسعى الدليل، وهو سابع عناوين إصدارات ترشيد التربويّة، إلى تسليط الضوء والاهتمام بالمعلّمين المُحتملين، والذين يقدّم إليهم إطارًا عمليًّا لتطوير برامج التربية العمليّة، مُتميّزًا بالعموميّة والمرونة، ويُمكن تكييفه واستخدامه في سياقات وظروف مُختلفة، إلى جانب تقديمهِ مقاربة مغايرة لبرامج تأهيل معلّمي ما قبل الخدمة، بالاستنادِ إلى أسس تربويّة وفلسفيّة ومعرفيّة حديثة.  

 

المدخل التأمّليّ السرديّ: صقل الهويّة المهنيّة لتجدُّدٍ مستمرٍّ  

يساعد هذا الدليل النظريّ التطبيقيّ معلّم ما قبل الخدمة في بناء هويّته المهنيّة بوصفهِ معلّمًا، ليصبح صاحب قصّة وتجربة، يفكِّر بعقلهِ ليكون صاحب معرفة وإرادة متحرِّرة من سطوة صور معلّميه السابقين واحتشادهم في هويّته. كما يقدِّم إجمالًا لكلّ ما يحتاج معلّم ما قبل الخدمة إلى أن يعرفه وفق نماذج تدريبيّة وتطبيقيّة، ودعوة إلى سرد تأمّلات تجارب مُختلفة.  

ويسعى الدليل إلى تقديم إطار عمليّ مطوَّر واسع وشامل ضمن إطار تأمّليّ سرديّ، من رؤية مؤدّاها أنّ الحقل التربويّ نظام ديناميّ حيويّ وغير ساكن، وأنّ مسار العمليّة التعليميّة ليس خطّيًّا كما في المصانع، فالعمليّة التعليميّة تخضع لواقع مركَّب وثريّ لا يمكن تبسيطه ضمن رؤية تقنيّة تحكمها قوانين خطّيّة.  

ومن هُنا، يُشرك الدليل معلّمي ما قبل الخدمة في عمليّة التأمّل الناقد لسلوكهم المعتمِد على الأفكار والمعتقدات والخبرات السابقة، ويشجّعهم على تداول أفكارهم وتفكّراتهم مع الآخرين. وذلك من مُنطلق أنّ التفكّر في الأفكار وفي تداولها يؤدّي إلى صراع ذهنيّ يُحفّزهم على بناء شبكات ذهنيّة جديدة لحلّه وإعادة التوازن. الأمر الذي قد تنتج عنه مواءمة المعرفة الجديدة مع المعرفة السابقة، وحصول تغيير في المفاهيم، وتعديل في السلوك أو إنتاج معرفة جديدة.  

 

مهنة التعليم لها هُويّة يبنيها المعلّمون ببطء  

يقع الكتاب في 208 صفحة من القطع المتوسّط، ويضمّ خمسة فصول:   

الفصل الأوّل: الإطار الفكريّ للتربية العمليّة المرتكِز على المدخل التأمّليّ السرديّ، ويتضمّن إطارًا فكريًّا لبرامج التربية العمليّة المُستنِد إلى المدخل التأمّليّ السرديّ. ويشتمل على تعريفات بعض المفاهيم الأساسيّة التي تشكِّل مرتكزات مفاهيميّة للموضوع، وعلى منطلقات المداخل التربويّة والمعرفيّة، وعلى خلفيّة تاريخيّة ومفاهيميّة حول تطوُّر نسق الممارسة التأمّليّة في مجال تأهيل معلّمي ما قبل الخدمة.  

 

الفصل الثاني: الإطار العمليّ للمدخل التأمّليّ السرديّ في برامج إعداد معلّمي ما قبل الخدمة، وتُقدَّم ضمنه مقاصد التربية العمليّة في ضوء المدخل التأمّليّ السرديّ، وتعاد صياغة المفاهيم المتعلّقة بعناصر العمليّة التعليميّة في ضوء هذا التوجّه. كما يتضمّن الفصل إطارًا عمليًّا مطوّرًا يجمع كلّ جوانب التأمّل، مثل الجوانب الفكريّة والمعرفيّة والحياة الداخليّة في ستّة مجالات، تنفّذ على أساسها المُمارسات التأمّليّة ضمن برامج التربية العمليّة التي تتبنّى المدخل التأمّليّ السرديّ.   

 

الفصل الثالث: التطبيق العمليّ للمدخل التأمّليّ السرديّ في برامج إعداد معلّمي ما قبل الخدمة، ويشتملُ على نماذج تفكّر، وقوالب جمع بيانات منظَّمة بحسب المجالات الواردة في الإطار العمليّ المطوَّر. هذه النماذج والأوراق تعين معلّم ما قبل الخدمة في رحلته التعلّميّة عبر التجربة، وتساعد المشرف الأكاديميّ على توجيه تلك العمليّة. كما يتضمّن أوراقًا إرشاديّة ومقترحات لتحفيز التأمّل عند معلّمي ما قبل الخدمة، ولمساعدتهم على تفكيك تجربتهم وإعادة بناء فهم جديد لها.   

 

الفصل الرابع: التكنولوجيا لتعزيز الممارسات التأمّليّة، ويهدف إلى استكشاف كيفيّة استخدام التكنولوجيا لتعزيز الممارسات التأمّليّة في التربية العمليّة. ويُعرض فيه بعض التطبيقات التكنولوجيّة الملائمة، ومجالات استخدامها، مثل مجال التغذية الراجعة، والحوار التأمّليّ، والتدوين. كذلك، يُناقش الفصل التحدّيات التي قد تواجهها الممارسات التأمّليّة المدمَجة بالتكنولوجيا، وكيفيّة التعامل معها تعاملًا فعّالًا. ويعرض مقترحات للمشرف الأكاديميّ حول الاستخدام الفعّال لبعض الممكنات التكنولوجيّة.   

 

الفصل الخامس: من واقع التجربة العمليّة. يُختتم الدليل بمستلّات من واقع التجربة العمليّة، إذ تبنّى مؤلّف الدليل، د. وائل كشك، المدخل التأمّليّ السرديّ في عمله مع المعلّمين ضمن برامج تدريبيّة ومساقات جامعيّة. في هذا الفصل مستلّات من واقع التجربة العمليّة في سياقات مختلفة، بهدف إعطاء الأفكار النظريّة التي وردت في الدليل شكلًا محسوسًا. تشمل هذه المستلّات حوارات شفويّة، ويوميّات، وتأمّلات أحداث ومواقف، وشهادات طلّاب ومعلّمين، وكتابات تأمّليّة لمعلّمين ومرشدين ومشرفين.  

 

تجدر الإشارة إلى أنّ الدليل يحتوي على ملحقٍ في نهايته لممارسة التأمّل والكتابة التأمّليّة، يشتمل على أنشطة وتمارين مقترحة تساعد على كتابة اليوميّات، وتفعيل الذاكرة، وتنمية التفكير النقديّ والكتابة التأمّليّة لدى معلّمي ما قبل الخدمة.   

يتميّز دليل "تطوير برامج التربية العمليّة لمعلّمي ما قبل الخدمة: في ضوء المدخل السرديّ التأمّليّ" بالعموميّة والمرونة، ويُمكن تكييفه واستخدامه في سياقات وظروف مختلفة، ويقدّم مقاربةً مغايرة لبرامج تأهيل معلّمي ما قبل الخدمة، بالاستنادِ إلى أسس تربويّة وفلسفيّة ومعرفيّة حديثة. ومن المتوقّع أن يستفيد من هذا الدليل معلّمو ما قبل الخدمة، والمعلّمون في المدرسة التطبيقيّة، والمشرف الأكاديميّ في كلّيّات التربية وإعداد المعلّمين، بالإضافة إلى مصمّمي البرامج الخاصّة في التربية العمليّة، ومرتادي العمل البحثيّ.