يحتاج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصّة إلى مهارات وأنشطة خاصّة، واستراتيجيّات مُباشرة ومحدّدة تعتمد جميعها على المواد الملموسة والمحسوسة، إلى جانب وسائل الجذب والأنشطة التي تقلّل قصور الانتباه لديهم والتململ؛ فتوصيل المعلومة لهم وطرق علاجهم ليست بالأمر اليسير والهيّن على التربويّين وكذلك على المُختصّين، كما هناك جانب غاية في الأهمّيّة، لا يمكن الإغفال عنه، هو عدم قدرة هذه الفئة على التأقلم بسهولة مع الظروف، فهم يعشقون الروتين.
بعد ظهور فيروس كورونا وقرار التعليم عن بُعد، واجهت المدارس صعوبات تتعلّق خاصّة بصغر سنّ الطلّاب في مرحلتيّ الابتدائيّ والمتوسّط، بالإضافة إلى الضغوط النفسيّة التي تعرَّض لها الجميع بسبب الجائحة والمشكلات التكنولوجيّة غير المُتناهية؛ فكلّ هذه الأسباب تُعطي مؤشّرات لصعوبة نجاح عمليّة التعليم عن بُعد لجميع الطلبة بصفةٍ عامّة، واستحالة الفكرة مع ذوي الاحتياجات بصفة خاصة، لذلك اتخذت بعض المدارس قرارًا بإيقاف خدمات الدعم في تلك الفترة، بينما استمرّت مدارس أُخرى بتقديم الدعم عن بُعد. وهذا ما فعلناه في إطارٍ عمليّ إذ قرّرنا تنفيذَ الخطط التي وضعت للطلّاب بداية العام، حتى لا ينقطع عنهم التدريب لفترة غير معروفة، وكان التركيز على كيف وهل سيستجيب جميع هؤلاء الطلبة لجلسات الدعم من خلال المنصّات الإلكترونيّة؟ وكانت التجربة خير برهان، ومع كلّ الصعوبات والتحدّيات التي واجهتنا إلّا إنّ النتائج فاقت توقّعاتنا خاصّة على أخصائيّي اللُّغة والنطق والكلام، الذين يَعتمدونَ بشكلٍ أساسيّ في جلساتهم على تدريبات أعضاء النطق بالتلامس المُباشر.
كيف تمّت عمليّة التعليم عن بُعد مع طلبة قسم الدَّعم، وما هي الأنشطة والمواد التي استُخدمت للتدريب؟
في البداية كانت تُرسل أوراق عمل تشمل مهارات القراءة والكتابة والحساب واللُّغة والكلام، والاعتماد على أولياء الأمور لمساعدة أطفالهم في المنزل وتصويرهم لنا وهم يؤدُّون الوظائف المطلوبة منهم، ولكنّ هذا غير كافٍ مع هؤلاء الطلبة، خاصّة أنّ الأوراق كانت تصلنا محلولة بصورة مثاليّ لا يعكس أداء طلبة قسم الدعم، من هُنا، تحمّسنا لتقديم جلسات فرديّة من خلال منصّة "زووم" مع جميع طلبة قسم الدعم، ولكن قبل بداية الجلسة كان لا بدَّ من تحضير مختلف تمامًا عن أي تحضير سابق، والاعتماد على مواد ثانويّة والاستغناء عن المواد الأساسيّة فكانت المرّة الأولى التي يُركّز أخصائيّو الدعم فيها على كمّ من الوسائل التكنولوجيّة كشراء أحدث المنصّات التي تَعتمد على المثيرات الحركيّة والبصريّة، مثل منصّات (أ ب ت، ناهل ونهلة، أقرأ بالعربية)، كما أنّ إعطاء الحصص عن بُعد سهَّلَ علينا الاستعانة بالمواد المتوفّرة في البيت بشكلٍ واقعيّ، ليس فقط بالاعتماد على الصُّور لزيادة مفردات الحصيلة اللُّغويّة لدى الطلبة بل استخدمنا أيضًا، على سبيل المثال، الملابس والأدوات المتاحة في البيت لشرح درس الوظائف، مثل النجّار، والخيّاط، والطبّاخ، وهو ما لفت انتباه الأهل لكيفيّة استثمار بيئة البيت لاكتساب أطفالهم اللُّغة.
في السَّابق، كُنّا نُعطي فقط استراتيجيّات لأولياء الأمور مكتوبة على خطط أو من خلال ورش عمل، لكن في فترة التعليم عن بُعد، كانت الاستراتيجيّات مُباشرة من خلال تنفيذها أمامهم بشكلٍ مُباشر وقت الجلسات. كما استمرّينا في استخدام أوراق العمل، التي كانت تُرسَل قَبَل الحصص حتى يقوم الأهل بطباعتها لحلّها مع الطلبة أثناء الحصص، وساهم تواجد الأهل مع أبنائهم في كلّ جلسة بتعرّفهم على أهمّ وأفضل الطرق التي تَصلُح لتدريس الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصّة، على سبيل المثال، كُنّا نطلب من أولياء الأمور إحضار دفتر ومقصّ حتى يستمرّ الطفل في تعبئة دفتره بالصور لزيادة الحصيلة اللُّغوية، فكانَ الطفل أمامنا يُمسك المقصّ ويلصق الصُّور في دفترهِ، لا نكتفي فقط بعرض الصُّور عليه من خلال الشاشة، ولكن لاستمرار التدريب على تقوية العضلات الدقيقة بجانب تنمية الحصيلة اللُّغويّة، كان لا بدَّ من استمرار فكرة الدفتر واستخدام المقصّ والقلم. ووضّحنا لأولياء الأمور كيفيّة حلّ بعض المسائل الحسابيّة بالطُّرق المختصرة وبالاستعانة بالمجسّمات، التي كان يَصعُب عليهم حلّها مع أولادهم.
أهمّ ما ميَّز تعليم هؤلاء الطلبة عن بُعد، هو تنمية مهارات الكتابة فكانت الحصّة فرديّة والتركيز على طفل واحد، وكنّا نكتب الفقرة المُراد كتابتها على الشاشة، ويقوم الأهل بمساعدة الأبناء لإنهاء كتابة الفقرة، فتظهر جهود الطفل مُباشرةً، وهي طريقة أفضل من إرسال واجبات يقوم الأهالي بحلّها بشكلٍ كامل. وفي كثيرٍ من الأحيان استعنّا بأطفالنا في البيت لتوصيل فكرة التدريب لأولياء الأمور، على سبيل المثال، مُشكلات النطق التي تحتاج إلى تدريب من قِبَل مختصّ، والضغط على مخارج الأصوات حتى يُنتج الطالب/ الطالبة الصَّوت بشكلٍ صحيح، على سبيل المثال، إحضار مرآة وتعليم الأُمّ أنّ حرف الكافّ يُصدر عندما يكون اللِّسان لأسفل لا لأعلى، لذلك يُنتجه الطفل تاءً، وهكذا على باقي مشكلات النطق. ودرّبنا الأهالي على تدريبات التنفّس التي تُساعد الأطفال الذين لديهم تأتأة لمساعدتهم بشكلٍ مكثَّف في البيت على توظيف النفس مع عمليّة الكلام، فأرسلنا فيديوهات مُسجّلة حتى يتدرّب الأهالي قبل الحصّة أو لإعطائهم جلسةً تدريبيّةً مباشرة. وهذا يرجع لظروف كلّ شخص، لاحظنا مثلًا استجابة الطلبة على كلّ ما استُخدِم في فترة التعليم عن بُعد سواء المنصّات أو الطرق التقليدية، ولكن أكثر ما لفت الانتباه هو حماس الأهالي واستجابتهم للتدريبات التي كانت تُعطى لهم.
من وجهة نظري أرى أنّ الكلام النظريّ لا يدخل العقول مثل الطُّرق العمليّة، وهذا ما حدث مع الأهل، ولذلك بعد عودة المدارس طَلَبَ الكثير من الأهل أن يَحضروا التدريب مع أبنائهم وبناتهم من خلال تشغيل منصّة "زووم" خلال الجلسة الفرديّة في المدرسة، ذلك للتَّدرُّب على المزيد من الاستراتيجيّات في الأهداف الجديدة لهذا العام.