قليلٌ من الغيرة بنّاء، وكثيرٌ منها هدّام.
جورج ساند
ليس من السَّهل أن نفصل بين روح المنافسة والغيرة خلال تعاملنا اليوميّ كأساتذة مع الطلّاب، إذ يوجد سدّ بينهما في حال أزيل اختلطت المنافسة بالغيرة، وحلّ الحقد والبغض بين الطلّاب، وفي الوقت نفسه، على المعلّم الّذي لم يتعامل بإنصاف تجاه تلاميذه على اختلاف مستوياتهم.
فكيف يوازن الأستاذ بين الدفّتين؟
تُعرَّف المنافسة على أنها بذل أقصى جهد لتحقيق هدف معيّن، ويكون التفوّق، ضمن هذا السّياق، هو الهدف. هُنا، يجب أن نُميّز بين المنافسة الإيجابيّة والمنافسة السلبيّة.
المنافسة الإيجابيّة
المنافسة الإيجابيّة، برأيي، هي تقدير الأستاذ للجهد المبذول من قِبل جميع طلّابه على اختلاف مستوياتهم العقليّة وقدراتهم، ذلك من خلال تقدير حنكة الطالب الذكيّ، وأيضًا، تقدير الجهد المبذول من قِبل الطالب ذي القدرات المحدودة، وعدم إظهار ضعف إمكانيّاته، بل على العكس، تشجيعه لبذل جهد أكبر للوصول إلى نتائج مُرضِية.
وعلى سبيل المثال، عندما يسأل المعلّم سؤالًا عليه ألّا يأخذ الإجابة الأولى من التلميذ الذي يضمن أنه سيجيب بشكل صحيح، بل عليه إعطاء فرصة للتلميذ الذي يعلّم محدوديّة إمكانيّاته، حتى لو أجاب إجابة خاطئة. هُنا، على المعلّم تشجيعه عبر القول، مثلًا: "اقتربت من الإجابة الصحيحة، أحسنت، أعجبتني طريقة تفكيرك، ولكن عليك الانتباه لهذه النقطة..." أي عليه استعمال الكلمة الطيّبة وجبر خاطر التلميذ الضعيف، لتشجيعه على تحسين مستواه.
المنافسة السلبيّة
في المقابل، إنّ إظهار المعلّم ضعف التلميذ الضعيف ومحدوديّة قدراته وتفكيره، والتعامل معه بفوقيّة، وإظهار الحبّ والتشجيع والإعجاب بالتلميذ ذي المستوى الأعلى، يؤدّي إلى هدم ثقة التلميذ بنفسه، وإطفاء قدراته ومحو شخصيّته، فيتوقّف عن المشاركة في الصّفّ، ويُمسي المعلّم الذي يُشعره بضعفه بمثابةِ عدو له، بالإضافة إلى خلق مشاعر الغيرة والحقد والغضب على زملائه الآخرين.
في هذه الحالة، يَصير مجرّد دخول المعلّم الصّفّ عبء ثقيل يحمله هذا التلميذ على كاهله، ويصارع نفسه ويلومها على تقصيرها، ويهمل دراسة هذه المادّة، وينعزل عن زملائه، ويمتنع عن المشاركة، هذا في حالة كانت النتائج أقلّ ضررًا. أمّا الأكثر خطورة، تتمثّل بأن يُصبح عدوانيًّا شرسًا يُشاغب خلال الحصّة، ويلهي زملاءه، فيمسي المعلّم بين نارين يحاول إخمادهما؛ الأولى العمل على تهدئة الصّفّ، والثانية إعطاء الدرس ضمن الحصّة المحدّدة.
قليلٌ من الغيرة بنّاء
حتى نبني جيلًا هدفه القمّة وطموحه السماء، لا بدَّ من خلق القليل من الغيرة في الصّفّ، ولكن غيرة هادفة تحدّها المنافسة الشريفة والمواضيع الهادفة. فعندما يطرح المعلّم موضوعًا للمناقشة، عليه أن يتنبه لأمر هو عدم تفضيل فئة من الطلاب على الأخرى بالإجابة؛ أي أن يُعمّم المناقشة على الجميع، وفي حال رأى فئة تتفاعل دون فئة أخرى، عليه أن يتدارك الأمر، عبر إشراك تلك الفئة في التفاعل والمشاركة بجوٍّ حماسيّ تسوده المنافسة وإيقاظ فكر التلميذ وإبداعه.
كثيرٌ منها هدّام
إياك أيها المعلّم أن تقارن تلميذًا بتلميذٍ آخر أمامه، سواء مستواه الفكريّ أو شكله أو ثيابه، فالمقارنة هي قبر الإبداع.
وعلى سبيل المثال، قد يلجأ المدرّس إلى مقارنة الطلّاب في الفصل، يمدح التلميذ المجتهد ويذمّ الكسول، بهدف تشجيع المجتهد ودفع الكسول إلى تقليد زميله، فتؤدّي هذه المقارنة، في معظم الأحيان، إلى نتائج سيّئة، فقد يشعر التلميذ الكسول بالعجز عن التفوّق ويشعر بالقلق، وتنمو عنده الغيرة من التلاميذ المتفوّقين والحقد عليهم والكراهيّة لهم، وقد يعمّم هذه الكراهيّة على المدرّسين والمدرسة والمُجتمع كلّه، ويسعى إلى الانتقام والتخريب.
وبذلك، نصنعُ جيلًا مُدمّرًا لا بنّاءً، فبدل أن نعمل على منح الحب والتشجيع، نمنح، ولو عن غير قصد، الكره والحقد، ونُخرج طلّابنا من النور إلى الظلمات، بدل أن نخرجهم من الظلمات إلى النور.