يعتبر منهج مونتيسوري من أكثر المناهج انتشارًا في الآونة الأخيرة، وهو من أحدث الاتّجاهات التربويّة التي تحظى بشعبيّة متزايدة في العالم العربيّ، نتيجةً للثقة في أنّ التعليم المتميّز يمهّد الطريق إلى مستقبل أفضل. يركّز هذا المنهج على تطوير قدرات الأطفال، وتفعيل مهاراتهم بطرق مبتكرة وفعّالة. ويستندُ إلى فلسفة تربويّة تؤمن بأنّ كلّ طفل يحمل القدرة على التعلّم والتطوّر، ويجب توفير بيئة تعليميّة تساعده على بناء مهاراته وتطويرها بشكل فرديّ. لذلك، ارتبط اسمه بالجودة العالية في التعليم.
أسّست الدكتورة ماريا مونتيسوري هذا المنهج، حيث وُلدت في إيطاليا عام 1870، وكانت طبيبة ومربّية. نشأت في بيئة تعليميّة تحترم قدرات الطفل، وتشجّع على استكشاف العالم من حوله. عملت بجدٍّ في تطوير منهج تعليميّ مبتكر يلبي احتياجات الأطفال، ويستهدف مراحل تطوّر الطفل، إذ تُقسم العمليّة التعليميّة إلى مراحل متتالية تتناسب ونموّ الطفل منذ الولادة، وحتى سنّ النضج. تهدف كلّ مرحلة إلى تحقيق أهداف محدّدة تناسب احتياجات وقدرات الأطفال في تلك المرحلة.
أسّست مونتيسوري مدرسةً للأطفال ذوي الإعاقة سنة 1907 تحت اسم "سغوان"، وعملت في تربية الأطفال من ذوي الإعاقات العقليّة. نجحت نجاحًا باهرًا أدّى بها إلى الاعتقاد بوجود أخطاء كبيرة في طرق وأساليب التربية المتّبعة في تعليم الأطفال العاديّين، وتعجّبت قائلة: "بينما كان الناس في منتهى الإعجاب بنجاح تلاميذي من ذوي الإعاقة، كنت في منتهى الدهشة لبقاء الأطفال العاديّين في ذلك المستوى الضعيف من التعليم. لذا، فإنّ الطرق التي نجحت مع الأطفال من ذوي الإعاقة لو استُعملت مع الأطفال العاديّين لنجحت نجاحًا باهرًا". لهذا، صمّمت على البحث ودراسة الأمر من جميع الجوانب.
تتميّز منهجيّة "مونتيسوري" بتوفير بيئة تعليميّة محفّزة وملهمة، حيث يكون الطفل في مركز العمليّة التعليميّة، ويتمكّن من اكتشاف مواهبه وتطوير مهاراته بمساعدة المعلّمين المدرّبين على هذه الطريقة. تشمل مبادئ هذا النهج الحركة الهيكليّة، والتركيز على التجارب العمليّة، والتفاعل مع البيئة، واحترام إيقاع التطوّر الفردّيّ لكلّ طفل.
استندت ماريا مونتيسوري إلى تجربتها كطبيبة ومعرفتها بالعقل البشري في تطوير هذا المنهج، والذي يركّز على تطوير مهارات اللغة والتفكير والحسّ الحركيّ للأطفال في مراحلهم المختلفة. تتميّز غرف صفّ مونتيسوري بأنّها توفر بيئة محفّزة للتعلّم، حيث يكون الطفل في مركز العمليّة التعليميّة، ولديه حرّيّة التعبير والتفاعل والاكتشاف. يهدف المنهج إلى تطوير مهارات الاتّصال والاستقلاليّة والمسؤوليّة لدى الطفل. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يقوم التعليم حسب منهج مونتيسوري، باستخدام نظام بسيط من التعليم، والابتعاد عن تراكم المعلومات والتلقين والحفظ، لتعريف الطفل إلى العالم من حوله من خلال حواسّه.
تُعد ماريا مونتيسوري واحدة من الشخصيات التربويّة البارزة التي أثّرت في مجال التعليم على مستوى عالميّ. وعلى الرغم من وفاتها سنة 1952، إلّا أنّ إرثها ما زال حيًّا من خلال استخدام نظامها التعليميّ في العديد من المؤسّسات التعليميّة في الوطن العربيّ. كما رُشِّحت لجائزة نوبل للسّلام.
تتجسد فعاليّة منهج مونتيسوري في العديد من المؤسّسات التعليميّة في العالم العربيّ، حيث تعتبر هذه الطريقة التعليميّة خيارًا مثاليًّا للآباء الذين يسعون لتوفير بيئة تعليميّة محفّزة ومناسبة لتنمية أطفالهم. بهذا الشكل، يظهر أنّ "مونتيسوري" للتعليم يمثّل نهجًا مبتكرًا وفعّالًا في تعزيز تنمية الأطفال وتفعيل قدراتهم، وهو يستحقّ أن يُعتمد ويُطبّق على نِطاق واسع في المؤسّسات التعليميّة المختلفة في العالم العربيّ.