تُرجِم هذا المقال للعربية عن المقال الأصلي لـ أيمن قويدر (مدير شبكة تمكين التعليم EENET في اللغة العربيّة/ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا)، المنشور بتاريخ 07 نوفمبر 2023.
سُجّل النصّ مع بودكاست صوت خلال العدوان على غزّة، عام 2024.
نصبُ الأطفال هدفًا
يتكوّن نصف سكّان غزّة البالغ عددهم مليونَي نسمة، من الأطفال. وفي الوقت الحاليّ، يُقتَلُ طفل واحد كلّ 10 دقائق. منذ يوم 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023 (1)، تُشير إحصاءات وزارة الصحّة في غزّة، إلى أنّ ما لا يقلّ عن 4100 طفل فلسطينيّ قُتلوا في قصف لا هوادة فيه، من الجيش الإسرائيليّ. أكثر من 1000 طفل آخر مفقود، ومن المرجّع أنّهم تحت أنقاض المباني المدمّرة.
استهداف المدنيين، ولا سيّما الأطفال، يشكّل انتهاكًا خطيرًا لاتّفاقيّات "جنيف"، ويُعدّ جريمة حرب. يجب ألّا يَستهدف أطرافُ أيّ نزاع الأطفال في أيّ حالٍ. الأطفال أكثر من يعاني عدوان إسرائيل المستمرّ، والذي حرمهم من حقوقهم الأساسيّة
طفولة محبوسة
لم يشهد أيّ طفل في غزّة الحرّيّة حتّى اليوم. فمنذ سنة 2005، تعرّضت غزّة لقيود شديدة فرضتها إسرائيل. واشتدّ الحصار عندما تولّت حماس السلطة في سنة 2006. تعتبر الأممُ المتّحدة إسرائيل "قوّة احتلال" في الأراضي الفلسطينيّة، وتشير إلى أنّ الحصار ينتهك القانون الدوليّ. غزّة واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانيّة على وجه الأرض (5850 نسمة لكل كيلومتر مربع)، وتوصف كثيرًا بأنّها أشبه بأكبر "سجن بلا سقف" في العالم.
على مدى 16 سنة، قُمِع اقتصاد غزّة، وبنيتها التحتيّة، والتوظيف، والاتّصالات، والتعليم، والنظام الصحّيّ، وقيّد تحرّك سكّانها تمامًا. لم يشهد معظم الأطفال توفّرًا مستمرًّا للكهرباء لمدّة 24 ساعة في حياتهم؛ وفي حين جذبت الكارثة الإنسانيّة القاتلة الأخيرة انتباهَ العالم، فإنّ الأمم المتّحدة والوكالات الإنسانيّة تحدّثت عن الأزمة الإنسانيّة المتفاقمة في قطاع غزّة منذ سنوات عديدة، وحذّرت من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان المتعدّدة.
تعطيل التعليم
الفلسطينيون في غزّة شعب نشط ومثقّف، يحلم بمستقبل أفضل. وتطلّعات الأجيال هذه عرضة للهجوم الآن أكثر من أيّ وقت سبق؛ إذ تأثّر أكثر من 625000 طالب، و22564 معلّمًا في القطاع بالهجوم على التعليم خلال الشهر الماضي. ليس لدى الأطفال آليات وصول إلى التعليم، ولا مكان آمن للاختباء. ألغت وزارة التربية في غزّة العام الدراسي بأكمله، وتضرّرت حتّى الآن 214 مدرسة بسبب القصف، وتوقّفت 45 مدرسة عن الخدمة تمامًا. كما قُتل بعض المعلّمين في القصف.
قتلت آلاء قويدر – وهي أمّ محبّة – في منزلها، خلال غارة جوّيّة إسرائيليّة دمّرت منزلها. كما أسفر هذا الهجوم المدمّر عن مقتل ثلاثة من أطفالها الصغار: إيمان، التي قُتلت بشكل مأساويّ في عيد ميلادها الخامس، وفايز في الرابعة من العمر، والصغيرة سارة التي لم تبلغ سوى سبعة أشهر. قُتل أربعة عشر فردًا آخرين من أفراد العائلة في الغارة ذاتها. ما ترك زوج ألاء الناجي الوحيد.
آلاء لم تكن مجرّد أمّ، بل معلّمة رياضيّات محترمة في إحدى المدارس الثانويّة في مدينة غزّة. وكانت دائمًا فخورة بمهنتها وبأهمّيّة مهمّتها في تعليم العقول الشابة. غالبًا ما كانت تشارك صور إنجازاتها معي. كانت تفهم سياق حياة طلابها - العيش تحت الحصار لمدة 16 عامًا ضمن نظام فصل عنصريّ (2)، ومعاينة العمليات العسكريّة المتكرّرة - وكيف يؤثّر ذلك في تعلّمهم واحتياجاتهم العاطفيّة. سعت بنشاط إلى فرص التدريب وتطوير المهارات لدعم طلّابها بشكل أفضل، خصوصًا أولئك الذين تعرّضوا للصدمات.
تشير وزارة التعليم العالي الفلسطينيّة إلى أنّ 437 طالبًا في التعليم العالي، و12 من أعضاء هيئة التدريس، قتلوا في الأسابيع الثلاثة الأولى من هذه الحرب، وكان 85٪ منهم في مدينة غزّة. ويخشى أن يكون هناك المزيد من الطلّاب مدفونون تحت الأنقاض. كما تعطّل تعليم ما يقرب من تسعين ألف طالب في التعليم العالي؛ إذ اضطرّت الجامعات إلى تعليق كافّة أنشطتها. ودفعت الأوضاع إحدى الجامعات في غزّة، إلى إلغاء العام الدراسي 2023-2024 بسبب فقدان جميع طلابها في القصف الإسرائيليّ.
سينما الأطفال في غزّة والتعليم المستجيب للصدمات
حتّى 7 أكتوبر، كان مشروع سينما أطفال غزّة (GCC) يعمل في مكتبات المجتمع المحلّيّ في قطاع غزّة، بدعم من الشريك الرئيس للمبادرة، مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ.
كانت أنشطة المشروع تركّز على المجتمعات المهمّشة والحدوديّة؛ إذ تصل إلى الأطفال الذين يصعب في الوصول إليهم. للأسف، كانت هذه المجتمعات الحدوديّة عرضة للتدمير من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيليّ، ولا سيّما أثناء الاقتحامات البرّيّة. تشير التقارير إلى أنّ أكثر من 200000 وحدة سكنيّة في قطاع غزّة دُمّرت أو تضرّرت، وعانت العديد من المرافق العامة والخدمية – مثل تلك المستخدمة من قبل المشروع –أضرارًا كبيرة.
أُنشئ المشروع بهدف تقديم تجارب تعليميّة بديلة، وأنشطة ترفيهيّة للأطفال المتأثّرين بشكل عميق بالصدمة. وقدّم لهم راحة مؤقّتة من الواقع المليء بالتحدّيات الذي يواجهونه. قبل العدوان الأخير على غزّة، كان ما يقرب من ثلث الأطفال في غزّة يتلقّون بالفعل الدعم من برامج الاستجابة للصدمات. أدّى القصف المدمّر الحاليّ بمقدار غير مسبوق، إلى تعريض الأطفال في غزّة لصدمة أشدّ، وأطول أمدًا، مع تبعات قد تستمرّ طوال حياتهم؛ فالبرامج الحيويّة لدعمهم، مثل: GCC، قد مُحِيَت، وقد يستغرق إعادة بنائها سنوات عِديدة.
أعلنت اليونيسف أنّ غزّة أصبحت في الأسابيع الأخيرة "مقبرة لآلاف الأطفال". من الصعب تصوّر تأثير ذلك في الأطفال الناجين في غزّة: ستحتاج برامج التعليم للاستجابة للصدمات، إلى أن تصبح جزءًا عضويًّا من التعليم الأساسيّ في التدخّلات الطارئة في المستقبل. وهذا يعني زيادة التدريب المناسب للمعلّمين والمربّين، وتزويدهم بالمهارات اللازمة.
حماية حقوق الأطفال
يلاحظ المجتمع الدولي هذه الحرب؛ إذ وصفت أديل خضر، المديرة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في اليونيسف، هذا الصراع بأنّه "عار متنامٍ على ضميرنا الجماعيّ". دعت اليونيسف، جنبًا إلى جنب مع مئات من المنظّمات غير الحكوميّة أيضًا إلى وقف فوريّ للنار، حمايةً لأطفال غزّة.
فمن الضروريّ أن يتّخذ المجتمع الدوليّ إجراءات فوريّة لحماية حقوق أطفال غزّة ورفاهيّتهم، وتقديم المساعدات الإنسانيّة، والعمل نحو وقف إطلاق النار بشكل مستدام. يجب أن يقف العالم معًا لضمان أنّ السلامة، والرعاية الصحّيّة، والتعليم ليست رفاهية؛ وإنّما هي حقوق أساسيّة للجميع.
فقدان المتعلّمين والمعلّمين في غزّة
قتل الآلاف من الأطفال الأبرياء، وعائلاتهم، ومعلّميهم في غزّة، ليس في الأسابيع الأخيرة فحسب؛ ولكن على مدى الـ 75 سنةً الماضية.
أسامة أبو صافيا (3) كان طالبًا في كلّيّة الطبّ في جامعة الأزهر في غزّة. اجتاز مؤخّرًا الجزء الأوّل من اختبار الترخيص الطبّيّ الأميركيّ (USMLE) (4). وكان متطوّعًا نشطًا في تعزيز التثقيف الصحّيّ في المساجد والمدارس. قُضِيَ على طموحه في أن يصبح طبيبًا موهوبًا في المستقبل، ومساهماته في مجتمعه بشكل مأساويّ بسبب ضربة جوية إسرائيليّة على غزّة.
ياسمين خورشيد (5) تخرّجت قبل ثلاثة أشهر فقط بعد تخصّصها في إدارة المكتبات، قُتِلت ياسمين مع عائلتها، وعمّاتها، وأعمامها، وأطفالهم في مدينة غزّة؛ إذ قتل أكثر من 30 شخصًا من عائلة خورشيد.
خليل أبو يحيى (6) قُتل مع عائلته بأكملها في غزّة. كان خليل محاضرًا في الجامعة الإسلاميّة في غزّة، وكان معروفًا عنه بتفوّقه كاتبًا، وناشطًا، ومفكّرًا.
قائمة المراجع
1. On 7 October 2023 Hamas killed 1400 Israelis and took more than 200 hostages, including children.
and https://www.amnesty.org/en/latest/campaigns/2022/02/israels-system-of-apartheid/
3. https://twitter.com/osaidessermd/status/1719118526168899961?s=46&t=PTHQCFBhd570mEv_M8fiQw
4. United States Medical Licensing Examination
5. https://twitter.com/uzisall/status/1719699570010046958?s=46&t=PTHQCFBhd570mEv_M8fiQw
6. https://twitter.com/fatimazsaid/status/1719165606375641174?s=46&t=PTHQCFBhd570mEv_M8fiQw