إنّ تلقّي خبر تشخيص طفلك بمرض التوحّد أمر قاسٍ حتمًا. وتزداد قسوته عند محاولة التعامل معه، فيأتي الخبر مصحوبًا بصدمة أوليّة، وإنكار، وفترة من الحداد على الآمال والأحلام التي كنت تحملها ولاقت حتفها في أيّامها الأولى. وهذه الرحلة العاطفيّة استجابةٌ طبيعيّة لحدث يغيّر مجرى الحياة. ولكن، مع مرور الوقت، يلوح القبول في الأفق، ويظهر كخطوة حاسمة نحو المضيّ قدمًا، ومحاولة رسم مستقبل أكثر إشراقًا.
ردود الفعل الشائعة على التشخيص بمرض التوحّد
تأثير تشخيص مرض التوحّد يمتدّ إلى ما هو أبعد من الطفل فقط، فيصيب العائلة بأكملها. وغالبًا ما يجد الأهل أنفسهم تحت ضغط كبير، خصوصًا أنّ الطفل المصاب بالتوحّد يحتاج إلى قدر هائل من التركيز والاهتمام، فتبدأ التحدّيات بالظهور، ما يدفع بعض الأهل إلى:
1. الشعور بالإرهاق: يمكن أن تكون مسؤوليّات رعاية الطفل المصاب بالتوحّد مرهقة للغاية، وغالبًا ما تبدو وكأنّها مهمّة لا هوادة فيها.
2. الشعور بالضغط في محاولة معرفة كلّ شيء: قد يشعر الآباء بإلحاح غير معلن ليصبحوا خبراء فوريّين بمرض التوحّد، ليتمكّنوا من التعامل مع طفلهم. ومع ذلك، من المهم أن تتذكّر أنّ التعلّم عمليّة مستمرّة، وليس من داعٍ لرفع مستوى التوتر.
3. القلق بشأن المستقبل: يمكن أن تؤدّي الشكوك المحيطة بمستقبل طفلك وحال الأسرة إلى قلق كبير.
4. النضال من أجل إيجاد التوازن: قد يكون التوفيق بين رعاية الطفل المصاب بالتوحّد، والمهامّ المنزليّة، ورعاية الأطفال الآخرين، وإدارة الأنشطة اليوميّة، مهمّة شاقّة.
5. الشعور برغبة أقلّ في مشاركة المشاعر: قد تؤدّي متطلّبات رعاية الطفل المصاب بالتوحّد إلى انسحاب الوالدين عاطفيًّا، والشعور بالافتقار إلى الوقت أو الطاقة لمشاركة مشاعرهم.
6. المعاناة من الضغوط الماليّة: يمكن أن يكون التأثير الماليّ للعلاج والدعم مصدرًا كبيرًا للتوتّر، خصوصًا في ضوء عدم القدرة على التنبّؤ بالمواقف.
7. مواجهة المشكلات الصحّيّة: يمكن أن يتخلّل التوتّر والقلق جميع جوانب الحياة، ما قد يؤثّر في العمل، والصحّة الشخصيّة، والعلاقات.
تذكّر أنّ أهل الأطفال المصابين بالتوحّد ليسوا وحدهم في رحلتهم. يمكن أن يكون طلب الدعم من الاختصاصيّين وشبكات الأهل الآخرين مفيدًا في التغلّب على هذه التحدّيات. إنّ إدراك حدودك، وطلب المساعدة، ليس علامة ضعف، بل هو عرض للقوّة والأبوّة الجيّدة.
فهم التوحّد وتحدّياته التعليميّة
مع ثقل تشخيص مرض التوحّد، غالبًا ما يجد الأهل أنفسهم يرتدون العديد من القبّعات، كمقدّمي رعاية، ومدافعين، ومعلّمين، وأكثر من ذلك. من الضروريّ فهم تعقيدات مرض التوحّد، وكيفيّة دعم طفلك بشكل فعّال، سواء في المنزل أو في النظام التعليميّ.
اضّطراب طيف التوحّد يشكّل حالة نموّ عصبيّ، تتميّز بتأثيرها في التفاعل الاجتماعيّ والتواصل والسلوك. وغالبًا ما يكون المسار التعليميّ للأطفال المصابين بالتوحّد محفوفًا بالتحدّيات، ويشمل ذلك بعض العقبات في المهارات الاجتماعيّة والتواصل، والتنظيم العاطفيّ، والمهامّ الأكاديميّة. إنّ مواجهة هذه التحدّيات بشكل مباشر، وتقديم الدعم المناسب، أمر بالغ الأهمّيّة لضمان النجاح في البيئة التعليميّة. كما إنّ دمج أهداف التعلّم الاجتماعيّ- العاطفيّ في أهداف خطّة التعليم يمكن أن يزيد من إثراء النموّ الشامل للطفل.
المكوّنات الرئيسة لأهداف برنامج التعليم الفعّال لمرض التوحّد
إنّ تطوير أهداف خطّة التعليم المصمّمة خصّيصًا للأطفال المصابين بالتوحّد يتطلّب دراسة دقيقة لعدّة مكوّنات رئيسة:
1. الخصوصيّة وقابليّة القياس
يجب أن تكون أهداف خطّة التعليم واضحة وقابلة للقياس، ما يسهّل تقييم التقدّم الدقيق. يصبح الهدف العامّ، مثل "تحسين المهارات الاجتماعيّة" أكثر فعاليّة حين جعله أكثر تفصيلًا، مثل "زيادة التواصل البصريّ أثناء التفاعلات الاجتماعيّة من خلال الحفاظ على التواصل البصريّ لمدّة 3 ثوانٍ على الأقل في 80% من الفرص".
2. التفرّد
يمتلك كلّ طفل مصاب بالتوحّد نقاط قوّة واحتياجات فريدة من نوعها، ويجب تخصيص أهداف خطّة التعليم لمعالجة هذه الصفات المميّزة، وضمان أن تتوافق الأهداف مع نموّ الطفل.
3. التعاون
أهداف خطّة التعليم الفعّالة هي نتيجة للتعاون بين أولياء الأمور والمعلّمين والمهنيّين. يوفّر هذا الجهد الجماعيّ رؤى لا تقدّر بثمن حول نقاط القوّة والتحدّيات التي يواجهها الطفل، ممّا يضمن تحقيق أهداف شاملة ومتوافقة مع التنمية.
4. دمج أهداف التعلّم الاجتماعيّ- العاطفيّ
التعلّم الاجتماعيّ- العاطفيّ محور نموّ الأطفال المصابين بالتوحّد. يؤدّي تضمين أهداف التعلّم الاجتماعيّ- العاطفيّ في أهداف خطّة التعليم إلى زيادة مهاراتهم الاجتماعيّة، والتنظيم العاطفيّ، والرفاهيّة العامّة.
نموذج لأهداف خطّة التعليم الخاصّة بالتوحّد
1. مهارات الاتّصال واللغة
- - تحسين التواصل اللفظيّ من خلال التوسّع في استخدام الكلمات والعبارات الوظيفيّة في المحادثات التلقائيّة.
- - تعزيز التواصل غير اللفظيّ من خلال الإيماءات المناسبة، وتعبيرات الوجه، ولغة الجسد.
2. المهارات الاجتماعيّة
- - تعزيز التفاعل الاجتماعيّ والمشاركة، من خلال بدء المحادثات مع الأصدقاء والحفاظ عليها.
- - تعزيز مهارات أخذ المنظور والتعاطف لفهم مشاعر الآخرين بشكل أفضل، والاستجابة بشكل مناسب.
- - تحسين قدرات تبادل الأدوار والمشاركة أثناء الأنشطة الاجتماعيّة، من خلال تعزيز الصبر ومشاركة الموارد مع الأصدقاء.
3. التنظيم العاطفيّ
- - تطوير استراتيجيّات التكيّف للتنظيم العاطفيّ، مثل تقنيات التنفّس العميق، والأنشطة الحسّيّة أثناء لحظات التوتّر.
- - تعزيز الوعي الذاتيّ والتعبير عن الذات، من خلال التعرّف إلى مشاعرها والتعبير عنها بشكل مناسب.
- - تعزيز مهارات حلّ المشكلات، من خلال تعليمهم تحديد المشكلات، وطرح الأفكار، وتقييم فعاليّة الاستراتيجيّات المختارة.
4. المهارات الأكاديميّة
- - تحسين الانتباه والتركيز أثناء المهامّ الأكاديميّة، من خلال استخدام الدعم المرئيّ، مثل الجداول الزمنيّة والمؤقّتات.
- - تعزيز مهارات الأداء التنفيذيّ، مثل التنظيم والتخطيط، من خلال تقديم استراتيجيّات مثل قوائم المراجعة وتقسيم المهامّ.
- - تعزيز استراتيجيّات التعلّم المستقلّ، من خلال تشجيعهم على طلب المساعدة عند الحاجة، والاستفادة من الموارد المتاحة، والمراقبة الذاتيّة لتقدّمهم.
التوحّد رحلة فريدة من نوعها، ومع الأدوات والمعرفة المنهجيّة، ستكون رحلة نموّ وتمكين لك ولطفلك.
المراجع
استراتيجيّات التدريس الفعّالة لأطفال التوحد