التدريس وفق المستوى المناسب: إيجابيّاته ونقائصه
التدريس وفق المستوى المناسب: إيجابيّاته ونقائصه
2025/02/09
عالي حمنا | أستاذ التعليم الابتدائيّ- المغرب

عندما تعجز الخطط المحلّيّة عن معالجة مشكلات ضعف المتعلّمين، يصبح من الضروري البحث عن حلول بديلة، أو اعتماد خطط ناجحة في بيئات أخرى، مع ضرورة إخضاعها للتحليل، للتأكّد من مدى توافقها مع خصوصيّات البيئة المحلّيّة. ومن هنا، تظهر أهمّيّة طرح هذه التجربة الجديدة التي اعتمدتها وزارة التربية الوطنيّة في المغرب، والمبنيّة على ابتكار من قبل منظّمة "براثام" الهنديّة، والتي تهدف إلى تسريع اكتساب المهارات الأساسيّة في القراءة والكتابة والحساب.

المقاربة التي نتحدّث عنها هي "التدريس وفق المستوى المناسب"، وهي الترجمة العربيّة لـ "Teaching at The Right Level"، وتُختصر بـ"TaRL" (وتنطق بالعربية "طَارَلْ"). تكمن خصوصيّة هذه المقاربة في كونها موجّهة أساسًا لدعم المتعلّمين في بداية الموسم الدراسيّ، وليست لإرساء المحتوى طوال السنة. بناءً على اختبارات (روائز) تُجرى في بداية العام، تُقيّم مهارات القراءة والكتابة باللُّغتين العربيّة والفرنسيّة، والحساب، ليقسّم المتعلّمون في كلّ مستوى إلى مجموعات (مسارات)، تخصّص لكلّ مجموعة أنشطة (لبنات) تعالج تعثّرًا معيّنًا في مهارات محدّدة، ضمن مدّة زمنيّة معيّنة. هذا هو الاتّجاه العامّ الذي تقدمه هذه التجربة بمفاهيمها الجديدة. فكيف يمكننا تقييم هذه التجربة؟ وما إيجابيّاتها ونقائصها؟

 

من غير الممكن إلّا أن نثني على أيّ إصلاح تربويّ يسعى لمواكبة التغيّرات التي يشهدها العالم في مجال التعليم، ويسعى لتجاوز مشكلات التعليم، وتقديم حلول عمليّة لها. فهذه التجربة تتّسم في بعض جوانبها بالواقعيّة والطموح. فالأدوات التي توفّرت، والمساحات التي جُهّزت، والأطر التي كوّنت، جميعها مؤشّرات على واقعيّة هذا المشروع. كما أنّ التدرّج في تطبيقه، يعزّز من طموحه، ويرسّخ من فرص نجاحه على المدى الطويل.

ومع ذلك، وبعد سنة من التجريب، يُلاحظ عدم خضوع المشروع لتقييم موضوعيّ يكشف عن التقدّم الذي تحقّق. التقييم الموضوعيّ يجب أن تقوم به هيئات مستقلّة، لكن بدلًا من ذلك، تُقدّم حجج تؤكّد تحسّن مستوى المتعلّمين خلال العام الحاليّ مقارنة بما كانوا عليه في بدايتهِ، من دون الاستناد إلى أرقام وإحصائيّات دقيقة. وهذا يعدُّ تسرعًا وقطفًا للنتائج قبل أوانها. حاولت الحصول على بعض الإحصائيّات، ولكن تمّت إعاقة ذلك. كما أنّ اعتماد مدارس الريادة في التعليم الابتدائيّ، وتأجيلها في الإعداديّ، أدّى إلى نوع من الارتباك وربّما القطيعة بين الأسلاك التعليميّة. إضافة إلى ذلك، فإنّ المقاربة، بصيغتها الحاليّة، تحدُّ من تدخّل الأستاذ في اقتراح الأنشطة، حيث إنّها موجّهة في الأساس للمتعثّرين، ولا ترفع السقف عاليًا أمام المتفوّقين. هذا فضلًا عن كونها تقتصر على مهارات أوّليّة، كالقراءة والكتابة والحساب، من دون أن تسهم في تطوير المهارات الأخرى.

أمّا من حيث المزايا، فالتجربة تشجّع المتعثّرين على الانخراط في الأنشطة، إذ تعتمد على أنشطة مبسّطة تتدرّج في إيصال المعارف واكتساب المهارات. كما أنّها تسهم في تحفيز الأساتذة على تطوير مهاراتهم، من خلال التكوينات والانفتاح على التكنولوجيا. علاوة على ذلك، فإنّ المقاربة تهدف إلى بناء علاقة جديدة بين المعلّم والمتعلّم، تقومُ على التفاهم والتعاقد، وتعمل على تجاوز الوضع السابق الذي كان يشوب العلاقة بينهما في ظلّ خوف وقلق.

إنّ الإيمان بضرورة إصلاح المدرسة المغربيّة أمر لا بدّ منه. لكنّ هذا الإصلاح يجب أن يكون شاملًا ومستدامًا، بعيد المدى، ومستندًا إلى خصوصيّات البيئة المحلّيّة. فالإصلاحات التي تفتقر إلى هذه المبادئ، برأيي، لن تصمد أمام التحدّيات المستقبليّة.