عندما يولد الطفل، يكون مستعدًّا تمامًا لاستقبال الخبرات الأسريّة التي تشكّل مبادئه وأفكاره وسلوكيّاته المجتمعيّة. يُنشَّأ الطفل اجتماعيًّا كي تكون له ثقافة قائمة على ما يتعلّمه من والديه وبيئته، وهذا ما يدفعنا إلى التفكير في الأساليب والأدوات الصحيحة التي تنشئ طفلًا ذا صفات اجتماعيّة صحيّة، تشعره بالانتماء وتسهّل انخراطه في بيئته.
ماذا نعني بتنشئة الطفل الاجتماعيّة؟
التنشئة الاجتماعيّة عمليّة فهم الطفل وإدراكه ثقافة البالغين المحيطين به واتّباعها. عندما نتحدّث عن الثقافة، نشير إلى مجمل المعايير الأخلاقيّة والقيم واللغة والمواقف والجوانب الأخرى التي يتكوّن منها المجتمع. كلّ منّا لديه أدوار عليه إنجازها داخل مجتمعه، فتساعدنا التنشئة الاجتماعيّة على إيواء المعرفة والمهارات، لتلبية هذه الأدوار المجتمعيّة.
ما أهمّيّة التنشئة الاجتماعيّة للطفل؟
تساعد التنشئة الاجتماعيّة طفلك على قبول المعتقدات والمواقف والأعراف المجتمعيّة أو رفضها. وبالتالي، فهي تشكّل جزءًا مهمًّا من عمليّة تكوين عقليّته وطريقة تفكيره. وفي الوقت الذي يعتبر فيه العامل الوراثيّ مكوّنًا مهمًّا في شخصيّة طفلك، تظلّ التنشئة الاجتماعيّة الأساس في لعب الدور الرئيس في تشكيل جوهر شخصيّته. ويجب التنويه هنا إلى أنّ اختلاف شخصيّة طفلك كلّما كبر في العمر يُعزى إلى ديناميكيّة التنشئة الاجتماعيّة المرتبطة بتغيّر متطلّبات التربية، مع تغيّر الظروف المحيطة. فما مصادر تنشئة الطفل اجتماعيًّا؟
يستنبط طفلك العادات الاجتماعيّة من ثلاثة مصادر رئيسة:
1. المنزل والعائلة
يلعب أفراد الأسرة دورًا مهمًّا لأنّهم أوّل من يتعايش معهم الطفل، حيث يشكّلون نماذج واعية أو غير واعية، يكتسب الأطفال من خلالها قيمًا باستمرار.
2. المدرسة
هي الوسيط الاجتماعيّ الثاني المهمّ للغاية. كيف يعلّم المعلّمون؟ وكيف يعاملون الأطفال؟ حيث تؤثّر مواقفهم في سلوك طلّابهم.
3. الوسائل الإعلاميّة
أصبحت وسائل الإعلام أكثر أهمّيّة، إذ تنقل المعلومات الاجتماعيّة من خلال المرئيّات واللغة البسيطة. يقدّم التلفاز، والوسائط الأخرى المماثلة، للأطفال أمثلة على السلوك الجيّد والسيّئ. من المهمّ مراقبة ما يشاهده أطفالك في التلفاز، والتأكّد من مناسبته لهم، واحتوائه القيم التي تريد أن يتعلّموها.
ما أنواع تنشئة الطفل الاجتماعيّة؟
لتنشئة طفلك الاجتماعيّة خمس أنواع أساسيّة:
1. التنشئة الابتدائيّة
يحدث هذا النوع من التنشئة الاجتماعيّة عندما يتعلّم الطفل القيم والأعراف والسلوكيّات التي يجب اتّباعها، من أجل العيش وفق ثقافة معيّنة.
2. التنشئة الثانويّة
عندما يتّخذ الطفل قراراته بناءً على مجتمع بأكمله، وليس بناءً على تفضيلاته الشخصيّة، إذ إنّ نظرة المجتمع أوسع وأشمل.
3. التنشئة التنمويّة
يشمل هذا النوع من التنشئة الاجتماعيّة تعلّم مهارات جديدة تخدم مصلحته، مع الأخذ بعين الاعتبار المتطلّبات المجتمعيّة للبيئة المحيطة بطفلك.
4. التنشئة الاستباقيّة
يشير هذا النوع من التنشئة الاجتماعيّة إلى العمليّة التي يتدرّب فيها الطفل على العلاقات الاجتماعيّة، ليحترف الخوض فيها مستقبلًا.
5. إعادة التوطين
يتضمّن هذا النوع من التنشئة الاجتماعيّة رفض الطفل أنماط السلوك السابقة، وقبول أنماط أخرى جديدة، حتّى يتمكّن من الانتقال من مرحلة إلى أخرى.
ما الذي يؤثِّر في تنشئة الطفل الاجتماعيّة الصحيحة؟
تعتمد شخصيّة طفلك الاجتماعيّة السويّة على الأساليب التي تتّبعها في تنشئته، والتي لا تتضمّن الأساليب غير الصحّيّة. ومن أهمّ العوامل السلبيّة في تنشئة الطفل اجتماعيًّا:
1. إهمال الطفل
إهمال طفلك يشعره بعدم الترحيب بين عائلته، وبين أفراد مجتمعه. كن دقيقًا في أقوالك وتصرّفاتك مع طفلك، ولا سيّما في المراحل العمريّة الأولى.
2. السيطرة الزائدة عن الحدّ
اترك مساحة من الحرّيّة لطفلك، حتّى يستطيع أن يعبِّر عن نفسه ويجرِّب الجديد. الأمر الذي يسهم في تشكّل صورة أوضح عن شخصيّته وتفضيلاتها.
3. عدم المساواة في معاملة جميع أطفالك
أشعر كلّ طفل من أطفالك بتفرّده وقيمته بالنسبة إليك، وعزّز ثقتهم بأنفسهم ليشعروا بأريحيّة أكبر في توسيع مداركهم، واستيعاب أكبر قدر ممكن من المبادئ والعادات التي تودّ تعليمها لهم.
4. التحكّم بقرارات الطفل
تحكّمك الزائد بقرارات طفلك يولّد لديه قناعة بأنّه غير كافٍ، وليس أهلًا لاتّخاذ القرارات التي تخصّه، مهما كانت بسيطة. الأمر الذي يؤدّي إلى عدم القدرة على تحقيق مستقبل ناجح على الصعيد المجتمعيّ والمهنيّ.
ما أهمّ أدوات التنشئة الاجتماعيّة في مرحلة الطفولة؟
على الرغم من أنّ التنشئة الاجتماعيّة عمليّة طبيعيّة ولا إراديّة، إلّا أنّ هناك بعض الأدوات التي يمكنك الاستفادة منها لمساعدة طفلك على التنشئة الصحّيّة في مرحلة الطفولة، وأهمّها:
1. التنشئة باللعب
اللعب طريقة مثاليّة لتعليم طفلك كيفيّة تكوين صداقات. يتعلّم الطفل باللعب الانسجام مع زملائه في الفصل، وتشجّعه على مشاركتهم النشاطات الجماعيّة.
2. القراءة
تغذّي القراءة خيال طفلك، وتساعده على فهم العالم فهمًا أفضل. كما تبثّ فيه القوّة، اعتمادًا على طبيعة الشخصيّات الأساسيّة في القصص التي تنتقيها له.
3. تهيئة جوّ عائليّ مناسب
حاول قدر الإمكان توفير جوّ عائليّ صحّيّ، يبتعد عن المشكلات التي من شأنها تشتيت طفلك ولفت انتباهه إلى الجوانب الثقافيّة السلبيّة. تبدأ رحلة تعلّم طفلك في اللحظة الأولى من حياته، ولا تتوقّف أبدًا. ومع ذلك، فإنّ الطفولة المبكرة مرحلة أساسيّة في عمليّة التنشئة الاجتماعيّة، إذ يكون طفلك أكثر استعدادًا للتعلّم. لذلك، تذكّر دائمًا حجم المسؤوليّة الموكلة إليك في اختيار السبل التربويّة الصحيحة في تنشئة طفلك اجتماعيًّا.
اقرأ أيضًا:
أبرز أسباب الكذب عند الأطفال | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com
الرهاب الاجتماعيّ عند الأطفال: أسبابه وعلاجه | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)