من غير الطبيعيّ أن يتجاوز طفلك مراحل طفولته الأولى من دون أن يكذب، فجميع الأطفال يكذبون لعدّة أسباب تعكس طبيعتهم البشريّة. ولا يشكّل هذا السلوك المبكِر، في معظم الأحيان، أيّ عوامل سلبيّة مُحتمَلة، ولكن عندما يبدأ طفلك باختلاق أكاذيب خادعة معظم الوقت، يدعو الأمر إلى إعادة النظر في الثغرات التي سهوت عنها، في الوقت الذي تطوّرت فيه عادة الكذب لديه.
ما أسباب الكذب عند الطفل؟
منذ سنّ مبكِرة، يُعلَّم الأطفال أنّ الكذب فشل أخلاقيّ. ويطلب العديد من الآباء أطفالهم عدم تشويه الحقيقة، مؤكِّدين لهم أهمّيّة الصدق، ولكنّهم، يقدِّمون، في الوقت نفسه، رسائل أخرى مناقضة. على سبيل المثال، قد يزعمون أنّه من المقبول أحيانًا قول الأكاذيب البيضاء لحماية مشاعر الآخرين، حتّى تختلط في ذهن الطفل المفاهيم المرتبطة بالكذب، ولا يدري بعد ذلك إن كان الكذب عادة سيّئة أم لا.
أمّا أهمّ الأسباب التي تدفع بطفلك إلى الكذب، فتتمثّل بالآتي:
التستّر على شيء ما
قد يشعر طفلك خلال عامه الثالث أو الرابع بالشغف بتجربة أشياء جديدة قد حذّرتَه منها سابقًا، وقد يدفعه هذا الشغف إلى مخالفة أوامرك في كثير من الأحيان، حتّى ينتهي به الأمر إلى محاولة التستّر على فعله بالكذب.
اختبار ردّة فعل ذويه
يميل الطفل بفطرته إلى التمعّن والإدراك، ولا سيّما الإدراك المتعلّق بتصرّفات والديه وردّة فعلهما. فحينئذٍ يبدأ الطفل، لا إراديًا، باختبار صبرك تجاه ما يقوم به من أفعال وأقوال، من ضمنها الكذب.
إضافة الحماس إلى سردهم
في معظم الأحيان، يكون جذب الانتباه السبب الرئيس وراء إضافة طفلك التحريفات على القصص التي يرويها لمن حوله، إذ ينجح فعلًا في الحصول على هذا الاهتمام بعد أن يدفعه جموحه إلى إكمال القصص من خياله.
تجربة اختلاق فكرة ما
يعشق طفلك الخيال، ففي داخله كثير من الأفكار والتخيّلات التي يعبّر عنها تعبيرًا مختلفًا يرضي خياله الواسع، ويفتح له أبوابًا أخرى من الإبداع الخياليّ.
الحصول على مبتغاه
قد يزوِّر طفلك، بطبيعته البريئة، بعض الحقائق من أجل الحصول على مبتغاه، كأن يخبرك بأنّه رتّب غرفته في الوقت الذي لم يقم بذلك، من أجل الحصول على قطعة الحلوى التي وعدته بها.
تجنُّب جرح مشاعر شخص ما
يندرج هذا التصرّف تحت مسمّى "الكذبة البيضاء" التي نشجِّع أطفالنا عليها من دون قصد، ومن الطبيعيّ أن يغفل الطفل عن التمييز بين الكذبة "السوداء"، والكذبة "البيضاء" التي نلجأ إليها للتعبير، مثلًا، عن إعجابنا المزيَّف بطبق تناولناه عند الأقرباء، حتّى يصبح الكذب لديه عادة أكثر منه حاجة.
متى يبدأ الطفل بالكذب؟
يبدأ الطفل بالكذب عندما يدرك أنّك لا تستطيع قراءة أفكاره، وبقدرته على إخبارك بمعلومات غير صحيحة من دون أن تعرف ما يدور في عقله، ويكون ذلك في عمر الثالثة. ينجح الأطفال في الكذب في هذا العمر، بقدرتهم على مناسبة تعابير وجوههم ونبرة أصواتهم مع ما يقولونه.
ما مراحل الكذب عند الأطفال؟
كما ذكرنا سابقًا، لا تكون أيّ كذبة يتفوّه بها طفلك مدعاةً لاتخاذ تصرّف حازم تجاهه، ولكن في بعض المراحل يصبح توجيهه ملزِمًا. وإليك أهمّ ثلاثة مراحل للكذب يمرّ فيها طفلك:
المرحلة الأولى
أبسط مراحل الكذب هي عندما يكذب طفلك من أجل جذب اهتمامك، كأن يخبرك بأنّه أحرز عشرة أهداف مع أصدقائه في المدرسة، وأنت تعلم لسبب ما أنّ المعلومة غير صحيحة. فلا تحاول كشف كذبته، إذ تكون هذه الكذبة نابعة من تدنّي ثقته بنفسه ومحاولته إثبات العكس أمامك.
كيف تتعامل مع طفلك في هذه المرحلة؟
عندما يتعلّق الأمر بالكذب الساعي إلى لفت الانتباه، فمن الأفضل لك تجاهل تصرّفه بدلاً من مقابلته بقسوة. عليك أن تعرف أنّ طفلك قد يفعل أيّ شيء مقابل حصوله على الاهتمام، لذلك، احرص على انتقاء كلامك انتقاءً لطيفًا من دون إدانة قاسية.
المرحلة الثانية
يصبح اختلاق القصص عادة متجذّرة في شخصيّة طفلك، ولكّنه لا يؤذي أحدًا بها. في هذه المرحلة بالذات، يتجاوز الأمر مجرّد محاولته لفت انتباهك، ليصبح طبيعة وأسلوب حياة لديه.
كيف تتعامل مع طفلك في هذه المرحلة؟
عندما يبدأ طفلك بالمبالغة في اختلاق القصص، لا بأس من توبيخه توبيخًا بسيطًا غير مبالغ فيه، إشارةً منك إلى سوء التصرّف الذي يقوم به، ومن المفترض في هذه الحالة أن يبدأ الطفل بإدراك سوء الكذب وعواقبه.
المرحلة الثالثة
هي أكثر المراحل حساسيّة، إذ من الممكن أن تستمرّ عادة الكذب مع طفلك، حتّى بعد أن يتجاوز أولى مراحل الطفولة، ليبدأ بعدها مرحلة جديدة أكثر احترافيّة في تشويه الصور الحقيقيّة للأشياء والأشخاص والمواقف.
كيف تتعامل مع طفلك في هذه المرحلة؟
عندما يستمرّ طفلك بتزوير الحقيقة بعد تجاوزه مرحلة الطفولة المبكرة، يصبح التدخّل التربويّ إجباريًّا، ولا سيّما عندما يصبّ الكذب في مصلحتهم على حساب مصلحة غيرهم. ويمكنك في هذه الحالة التصرّف بصرامة تامّة وعدم التهاون بالعقاب، حتّى يكون واضحًا لطفلك أنّ المرفوض في المنزل مرفوض أيضًا في المجتمع الخارجيّ.
كيف تشجّع طفلك على قول الحقيقة؟
يعتبر تمييز طفلك بين ما هو صحيح وما هو خطأ أولى خطوات تشجيعه على قول الحقيقة. وفي ما يلي بعض الطرق التي تستطيع بها، في أيّ مرحلة سبق ذكرها، تشجيعه على قول الحقيقة:
اعكس الآية
من منّا يحبّ أن يُكذَب عليه؟ لا أحد. انطلق من هذه النقطة واسأله إن كان سيحبّ أن تكذب عليه بخصوص اللعبة التي أخبرته بأنّك اشتريتها له، من دون أن تشتريها في الحقيقة.
ساعده على تجنّب الكذب
ساعد طفلك على تجنّب المواقف التي يشعر فيها بالحاجة إلى الكذب. على سبيل المثال، إذا سألت طفلك إن كان مَن سكب الحليب، فقد يشعر بالرغبة في الكذب. يمكنك، لتجنّب هذا الموقف، الاستعاضة عن السؤال بسؤال آخر: "أرى أنّ هناك مَن سكب الحليب. دعونا ننظّفه معًا"، حتّى لا تسهم في زرع الخوف المرتبط بالحاجة إلى الكذب لدى طفلك.
امدحه على قول الحقيقة
عبّر عن رضاك الصريح عن طفلك عند اعترافه بفعل شيء خطأ. على سبيل المثال، "أنا سعيد جدًّا لأنّك أخبرتني بما حدث، لنعمل معًا لتسوية الأمور".
كن قدوة له
رسّخ في ذهن طفلك البساطة في قول الحقيقة، قل له على سبيل المثال: "ارتكبتُ خطأ في تقرير كتبته اليوم. فأخبرتُ مديري حتّى نتمكّن من إصلاحه".
استخدم أسلوب المزاح
استخدم مزحة لتشجيع طفلك على الاعتراف بالكذب، فعندما يقول طفلك: "كسرت دميتي الصحن"، يمكنك أن تردّ عليه مازحًا: "أتساءل لماذا فعلت دميتك ذلك؟" استمرّ في المزاح حتّى يدرك طفلك أنّك تعرف تمامًا كذبته، وأنّها مرفوضة وغير منطقيّة.
* * *
لم يفت الأوان بعد لبناء عادات صحّيّة في منزل يتعامل أفراده بالصدق، من أكبرهم حتّى أصغرهم، مع الانتباه إلى الفرق بين تربية طفل يسعى إلى فعل الشيء الصحيح، وتربية طفل يحاول الابتعاد عن المشكلات أو تجنّب العقاب. دورك هنا أن تنشئ طفلًا يؤمن بقداسة الصدق، ويبغض كلّ مشوِّه للحقيقة.
اقرأ أيضًا
أضرار الصراخ على الأطفال: حقيقة أم خيال؟ | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)
معالجة التنمّر عند الأطفال | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)
المراجع
- - https://www.parentingforbrain.com/why-do-kids-lie/
- - https://raisingchildren.net.au/preschoolers/behaviour/common-concerns/lies
- - https://childmind.org/article/why-kids-lie/