لكلّ مرحلة عمريّة مشاكلها التي تتأثّر بثلاثة أمور: أوّلًا شخصيّة الطفل نفسه؛ وثانيًا الأهل وعلاقاتهم الاجتماعيّة ببعضهم البعض؛ وثالثًا التربية المدرسيّة التي لا تنجح في تنظيم سلوك الطفل إلاّ بالتعاون مع أهله. وهناك مشاكل تخصّ المدرسة نفسها نلحظها في أيّ مرحلة، ولا سيّما الابتدائيّة، ومنها ظاهرة العدوانيّة، والتي سأتناولها من وجهة نظر معلّم وللمعلّم في هذه التدوينة.
العدوانيّة في المدارس سلوكٌ يؤدّي إلى إلحاق الأذى بالتلامذة أو بالمعلّمين، كالإهانة أو الشتم أو الضرب والعراك. كما نجده يتطوّر عند بعض الطلّاب إلى أسلوب تخريبيّ عدوانيّ يطال ممتلكات المدرسة، أو الممتلكات الخاصّة بالتلامذة.
أنواع العدوانيّة وأسبابها
يمكن تصنيف أنواع العدوانيّة في المدارس إلى خمسة أنواع:
- - عدوان لفظيّ (الإهانة والشتم).
- - عدوان جسمانيّ (الضراب والعراك).
- - عدوان على شكل نوبات غضب.
- - عدوان سلبيّ (العناد والمماطلة والتدخّل المتعمّد).
- - عدوان غير مُباشر (الاعتداء عن طريق شخص آخر).
هناك أسباب كثيرة للسلوك العدوانيّ عند التلميذ. ويمكن تقسيم هذه الأسباب إلى النقاط الآتية:
أوّلًا: أسباب انفعاليّة، كالشعور بالنقص، وكراهيّة السلطة والغيرة، وغيرها من المشاعر التي تجعل التلميذ محبًّا للانتقام من خلال التخريب والعدوانيّة تجاه التلامذة الآخرين.
ثانيًا: أسباب اجتماعيّة، ومنها مشاكل عائليّة، أو سلطة ضاغطة، أو طلاق الوالدين، أو سوء معاملة أحد أفراد العائلة للتلميذ بما يجعله يتأخّر دراسيًّا، ويصبح عدوانيًّا تجاه رفاقه.
ثالثًا: أسباب نفسيّة، ومنها عدم قبول الذات، أو رفض الأساتذة للتلميذ، أو عدم متابعة الأهل لطفلهم في المدرسة.
أثر السلوك العدوانيّ على التلامذة في المدرسة
يطبع السلوك العدوانيّ تأثيرات نفسيّة جمّة في التلامذة من كلّ الأعمار. ويصبح الطلبة، تحت تأثير العدوانيّة، أكثر ميلًا للكذب والخداع، ويتطوّر لديهم شعور بخوف غير مبرّر. كما يطوّرون عصبيّة زائدة، مع تشتّت في الأفكار مُرافق بسلوكيّات سلبيّة عديدة. وعلى هذا الصعيد، يوضّح المختصّون النفسيّون أنّ معظم الطلبة الذي يسلكون سلوكًا عدوانيًّا يعانون الاكتئاب، أو انعدام الثقة بالنفس، أو المزاجيّة، أو عدم الاستقرار النفسيّ.
ومن هُنا، على المجتمع المدرسيّ معالجة هذا السلوك معالجةً قويمة، لكون نتائجه سلبيّة على الفاعل والمفعول بهِ على السّواء.
كيف يمكن تعديل السلوك العدوانيّ بين التلامذة في المدارس؟
من الخطوات الهامّة التي تُساعد على تقليص السلوك العدوانيّ بين التلامذة في المدرسة، التوعيةُ بالعدوانيّة عبر ندوات تمتدُّ خلال فصول السنة الدراسيّة، كتنظيم ندوات تشملُ الأُسرة المدرسيّة، بكلّ مركّباتها، إلى جانب الأهل. وتهدف هذه الندوات إلى التوعية حول أهمّيّة التربية المنزليّة والمتابعة والجوّ العائليّ، لما لها من أهمّيّة بارزة في تعديل السلوك العدوانيّ. يبدأ الوعي من فهمهم لخصائص نموّ كلّ مرحلة عمريّة، خصوصًا أنّ لدى الطلبة قابليّة تعلّم السلوكات غير المقبولة اجتماعيًّا بسبب تقليد أقرانهم.
وهُناك مسؤوليّة كبيرة تقع على عاتق المعلّمين في التربية والتوجيه للتلامذة حول المواضيع الاجتماعيّة المُختلفة؛ فبدلًا من النصائح، عليهم تجسيد الأفعال للأطفال بأن يكونوا قدوة جيّدة لهم. ذلك أنّ المربّي الجيّد هو الذي يكون قريبًا من الأطفال ويدعمهم بكلمات مشجّعة، مُبتعدًا عن إحباطهم ولومهم. ناهيك عن احترامهم بدون تمييز أو تفريق أو مقارنتهم ببعضهم البعض.
كما أنّ للمختصّ الاجتماعيّ والنفسيّ المدرسيّ دورًا فارقًا في معرفة ما وراء سلوك التلميذ العدوانيّ، وفي رسم طريق التعامل مع هذا السلوك بأساليب تربويّة خلّاقة، لا بالقسوة والتعنيف اللذين قد يفاقما المُشكلة. ويمتدّ دور المختصّ النفسيّ إلى مُساعدة المعلّمين في التعرّف إلى الحاجات النفسيّة والاجتماعيّة بكلّ مرحلة عمريّة، وكيفيّة إشباعها بالأساليب والبرامج التربويّة المناسبة، ومنها الموسيقى والرياضة، إذ تخفّف هذه الأساليب من الاحتقان النفسيّ لدى التلميذ، وتدعم فكرة التفريغ النفسيّ.
وأخيرًا، من المهم عقد جلسات مصارحة بين الأساتذة وطلبتهم، وتنظيم حفلات بسيطة تساعد على تقوية الرابط ما بين الإدارة والأساتذة والتلامذة.