-
-
- تُعرَفين إلى جانب كونك تربويّةً، ورائدةً في مجال التعليم في مصر، بكونك مؤسِّسةَ مدارس الواحة (أوازيس) في القاهرة. ارتبط اسمك بعدها بمشروع جريء يتمثّل بإنشاء مدارس حكوميّة نموذجيّة، في مغامرة، إن صحّ القول، لسدّ فجوة بين التعليم الخاصّ والحكوميّ من خلال ذهنيّة البكالوريا الدوليّة وأدواتها التعليميّة، وكان هذا في 2014. ما الذي كنت ترين أنّه يحتاج إلى تغيير في المدارس الحكوميّة، في حين أنّه متوفّر في المدارس التي تعتمد برامج البكالوريا الدوليّة؟
أتّفق معكم في أنّ مشروع مدرسة حكوميّة تُدرّس برامج البكالوريا الدوليّة هو مغامرة بالفعل، لكنّها مغامرة محسوبة مستندة إلى دراسة علميّة، بالإضافة إلى خبرتنا في مجال التعليم التي تزيدُ عن 31 عامًا، لكن لم تكن الفكرة وليدةَ عام 2014، بل امتدّت عدّة سنوات قبل ذلك، وسبقتها إسهامات متعدّدة في العديد من المدارس الحكوميّة المصريّة. تحقّق الحلم بالفعل بعد سعيٍ كبير عندما نسّقنا مع وزارة التربية والتعليم، ومنظّمة البكالوريا الدوليّة، ووقّعنا بروتوكول إنشاء المدرسة المصريّة الدوليّة بالمعراج.
نحن لا نحتاج تغيير المدارس الحكوميّة قدر احتياجنا إلى إعادة مكانة المدارس الحكوميّة المصريّة، وعراقتها. هذه المدراس التي تخرّج منها أحمد زويل، ونجيب محفوظ، وغيرهم من العظماء. وهذا ما يحقّقه نظام البكالوريا الدوليّة الذي يهتمّ ببناء الشخصيّة، ويعمل على تنمية المهارات، ويخلق أجيالًا متسامحة منفتحة تشارك في تنمية مجتمعها.
يتميّز نظام البكالوريا الدوليّة بتركيزه على الهُويّة، وإلزام الطالب تعلّمَ ثقافة وطنه، وتاريخه، ولغته. من هنا نستطيع تحقيق المعادلة: طالبٌ مثقّف متعلّم مصريّ الهُويّة والثقافة يمتلك العلم، والمهارة التي تضاهي أقرانه في أيّ مكان في العالم.
-
- اليوم، بعد سبع سنوات، ما تقييمك لما أُنجِز؟
فخورةٌ بما تمّ إنجازه على أرض الواقع، وأذكر هنا:
- استطاعت المدرسة الحصول على الترخيص الدوليّ للبرامج الثلاثة الخاصّة بالبكالوريا الدوليّة، برنامج السنوات الابتدائيّة PYP، وبرنامج السنوات المتوسّطة MYP، وبرنامج الدبلوم DP.
- استطعنا تكوين بيئة مدرسيّة مترابطة تشمل معلّمًا مؤهّلًا جيّد التدريب، وأولياء أمر تدرّبوا على التربية الإيجابيّة، وكيفيّة العمل مع المدرسة من أجل أبنائهم.
- أصبح لدينا الآن كوادر مؤهّلة تزيد عن 30 معلّمًا وإداريًّا، مدرّبين على أعلى مستوًى، حاصلين على أحدث الدورات التدريبيّة داخل مصر وخارجها في طرائق التدريس، وتكنولوجيا التعليم، وبرامج البكالوريا الدوليّة، ونظام التربية الإيجابيّة، والتعليم خارج الفصول، والإتيكيت، وغيرها.
- امتنع المعلّم الآن عن الدروس الخصوصيّة بسبب الحافز الماديّ الذي يحصل عليه من المدرسة، وعادت إليه مكانته، وهيبته بين الناس.
- أفخر بصورة خاصّة بالطلاب الذين صاروا الآن في مرحلة الدبلوم، وهم يتقدّمون بخطًى واثقة نحو الوصول لأفضل الجامعات، متسلّحين بمهارات التفكير والتواصل، وملامح المتعلّم الدوليّ.
- في آخر استبانة لأولياء الأمر تبيّن مقدار التغيير الذي طرأ في حياتهم الأسريّة، وحياة أبنائهم بفضل المدرسة، ونظام البكالوريا الدوليّة، حتّى إنّ أولياء الأمر أشاروا إلى أنّهم استفادوا من الدورات التدريبيّة في علاقاتهم مع زملائهم في العمل.
-
- كيف تعرّفين المدرسة الجامعة Inclusive School تحديدًا من ناحية البيئة المدرسيّة، ودورها في التعليم؟ وهل من نموذج تحدثيننا عنه؟
كما يقول جون ديوي: "إذا علّمنا أبناءنا اليوم كما تعلّمنا بالأمس، فنحن نسلبهم الغد". إنّ "اختلافنا سرّ قوتنا". تنظر الأمم المتّحدة للتعليم الشامل على أنّه حقّ من حقوق الإنسان، ونوع من العدالة الاجتماعيّة. ومن جانبها تنظر البكالوريا الدولية IB إلى الطلّاب جميعهم على أنّهم مميّزون، لكن مع اختلاف مجال التميّز لكلّ طالب، ووظيفة المدرسة هي تنمية هذا الجزء المميّز والتركيز عليه، واحتضان التنوّع والاختلاف، وتدريب المعلّمين وتأهيلهم للقيام بهذه الاستراتيجيّات.
وتشمل مراعاة الفروقِ الفرديّة المناهجَ الدراسيّة، وطرائقَ التدريس والتقييم، وتتّبع المدرسة استراتيجيّات تعليم متنوّعة بهدف إشراك الطلّاب جميعهم في عمليّة التعلّم، وأهمّ النظم التعليميّة المستخدمة في المدرسة هو التعليم المجتمعيّ.
وهو تعليم يتيح للطلاب حريّة العمل في مجموعات، والتعلّم من أقرانهم، وتبادل المعرفة، والاستفادة من البيئة المدرسيّة باستخدام كلّ ركن في المدرسة، وإعادة تنظيم الفصل وفق الأنشطة الدراسيّة، والتعلّم في الهواء الطلق، والمساحات المفتوحة، ويسمح التعليم المجتمعيّ للطلّاب أن يتعاملوا مع المهمّات المطلوبة وفقًا لاحتياجاتهم وميولهم الشخصيّة، وهذا التنوع في الأنشطة والمهمّات يخلق بيئة إيجابيّة لدى الطالب، ويشعره بأهمّيّة عمله.
ولا يقتصر دور المدرسة على ذلك، بل تنظّم حفلات في دار الأوبرا المصريّة لتنمية المهارات الفنيّة والثقافيّة لدى الطلّاب، ومن جهة أخرى تشارك المدرسة الحكوميّة في المسابقات العلميّة والثقافيّة العالميّة، وتحقّق مراكز متقدّمة مثل مسابقة ISEF للعلوم والتكنولوجيا، ومسابقة القراءة العربيّة.
-
- برأيك، كيف يمكن دعم التعليم الرسميّ وحمايته من طرف المدارس الخاصّة تحديدًا؟ وكيف يؤثّر هذا الدعم في المدرستين الخاصّة والعامّة انطلاقًا من تجربتكم؟
من الضروريّ إشراك منظّمات المجتمع المدنيّ، ورجال الأعمال في المساهمة في إدارة المدارس الحكوميّة الرسميّة والارتقاء بها، هذا بالإضافة إلى تطوير نظام التعليم. هذا ما يقوم به وزير التربية والتعليم د. طارق شوقي في برنامج 2.0، أيْ تجديدٌ شامل للمناهج، وأساليب التقييم، وطرائق التدريس، ودمج الموادّ الدراسيّة، لتجنب التكرار والازدواجيّة في المفاهيم، وتقديم الحقائق والمعلومات بصورةٍ كلّيّةٍ مترابطة. أمّا المدارس الخاصّة، فيجب أنّ تقوم بدورها بوصفها مدارس داعمةً، مثل ما نقوم به مع المدرسة الحكوميّة بالضبط.
أمّا من ناحية التأثير، فهو باتّجاهين، في المدرسة الخاصّة والعامّة. وسأسهب قليلًا في توضيح الأثر باتجاهين في الأطراف كلّها:
المعلّمون:
لدينا ما يشبه توأمةً بين المدرّس في المدرسة الخاصّة مع المدرّس في المدرسة العامّة، وهذا يعني شراكةً مستمرّةً خاصّةً في البداية. يأتي المدرّس من المدرسة العامّة إلى الخاصّة لحضور ورشات، وللنقاش، وتحضير الموادّ التعليميّة مع المدرّس لدينا، وكذلك يذهب المدرّس من طرفنا إلى شريكه المعلّم في المدرسة العامّة للتدريب. هكذا قد تعزّزت علاقة قويّة فعّالة.
أيضًا، نحن نوفّر التدريب، والتمكين، بالإضافة إلى حوافز ماليّة لائقة بالمعلّمين. هذا جعلهم يدركون أهمّيّة وجودهم في المدرسة الحكوميّة التي ندعمها، وأتاح لهم رؤية الكثير من العوامل المحفّزة الداعمة للعمل فيها والحرص عليه. من ناحيتنا نحرص على تهيئة كلّ تدريب أو نشاط، مثل استضافة خبير أو مدرّب من الخارج ليشمل المدرستين، وهو نوع من تشارك الموارد والخبرات بصورة مستديمة، تعزّز الولاء للمدرسة، وإدراك أهمّيّة ما توفّره للمعلّمين.
أولياء الأمر:
لدينا برنامج تدريبيّ تربويّ خاصّ بأولياء الأمر. حين أخبرناهم عن مشروعنا رأوه مشروعًا حالمًا، أو غير واقعيّ، مع تخوّف من ألّا يكون الجميع، في المدرسة الخاصّة والعامّة، على المستوى نفسه من الفرص في الإفادة من المشروع، لكن عند تطوّر العمل بدأت نتائج مهمّة تظهر، وحين فتحنا باب المشاركة في تدريس أولياء الأمر في المدرسة العامّة وفق برنامجنا، بادر أولياء الأمر الذين تلقّوا التدريب في المدرسة الخاصّة بالتطوّع لتدريب أولياء الأمر في المدرسة العامّة. خلال سنة، صارت الثقة عنوان العلاقة بين أولياء الأمر في المدرستين.
الطلّاب:
من جهة الطلبة، اعتمدنا دعوة طلّاب المدرسة العامّة لفعاليّات الطلبة وأنشطتهم في المدرسة الخاصّة لتوفير فرصة للتفاعل، مثل دعوة طلّاب المدرسة الحكوميّة إلى حفل تخريج طلبة المدرسة الخاصّة للحديث معهم وعرض تجاربهم، فوجد طلّاب المدرسة الحكوميّة أنفسهم محلّ اهتمام طلّاب المدرسة الخاصّة الراغبين بمعرفة المزيد عن تجاربهم وخبراتهم. هذا ما عزّز التناغم، ووطّد العلاقة بين الطلّاب في المدرستين.
أيضًا، من المهمّ الإشارة إلى أنّ طلبة المدرسة الخاصّة بلقائهم وتعرّفهم إلى طلبة المدرسة الحكوميّة، كانوا إزاء نموذج جديد، فهم يرون مقدار إصرار طلّاب المدرسة الحكوميّة، ومثابرتهم في سبيل الحصول على برنامج تعليميّ، وظروف تعليم، متوفّرة لدى طلّاب المدارس الخاصّة، فزاد ذلك من شعورهم بالمسؤولية تجاه الفرص المتاحة لهم بيسرٍ أكبر من غيرهم.
وفي المدرسة العامّة اعتمدنا نظامًا إيجابيًّا صارمًا في التعامل مع الوقت والمواعيد، والأخلاق العامّة والسلوك، وهذا أثّر بشكل كبير في شخصيّات الطلّاب، وصار الحديث عن التغيير الإيجابيّ هذا أهمَّ ما يشير إليه الطلّاب في كل استبانة سنويّة نتوجّه بها إليهم.
أخيرًا، دعم المدرسة الحكوميّة، ومشروع مدرسة "المعراج" هو بمثابة فصل جديد في الحياة، وتجربة شكّل نجاحُها الكثيرَ من المعنى بالنسبة لي. وتجربتنا صارت اليوم موجودةً في أكثرَ من مكان، وبمبادرات من مدارس أخرى. هذا نموذج مهمّ يجب أن يعمّم.
-
- في مشروعك مع المدارس الحكوميّة ثمّة عناية خاصّة بالمنهاج، وتحديدًا باللغة العربيّة، هل يمكنك الإشارة إلى أهمّ ملاحظاتك العامّة على المناهج الدراسيّة الخاصّة والحكوميّة في مصر؟ ومع قليل من التفصيل بخصوص مواءمتها للدور الاجتماعيّ، والتنمويّ الذي يفترض أن تلعبه المدرسة.
"لا يستطيع أحد تعلّم لغة ثانية دون تعلّم لغة وطنه"، هذا مختصر الفلسفة التي قامت عليها سياسة اللغة عندنا، ومنذ بداية العمل على تأسيس مدرستنا الخاصة، واختيار البرامج الأنسب لها، كان هذا محدِّدًا رئيسًا في خياراتنا. وفي المدرسة الحكوميّة جعلنا اللغة العربيّة لغة التعليم في برنامج السنوات الابتدائيّة حتى الصفّ الخامس الابتدائيّ، إذ نختار معلمين متمكّنين في اللغة، يتحدّثون اللغة الفصيحة مع الطلّاب، لا سيّما في المراحل الأولى، وهذا أيضًا المعتمد في المدرسة الخاصّة. ولأهمّيّة اللغة الإنجليزيّة، اخترنا لتعليمها منهجًا عالميًّا قويًّا.
أمّا عن المناهج في مصر، فإنّه يوجد العديد من المناهج التعليميّة الخاصّة والحكوميّة والدوليّة، ومن وجهة نظري، فإنّه لكي تلعب هذه المناهج دورًا في تنمية المجتمع، لا بدّ أن تهتمّ بالكيف لا الكمّ، وأن تربط بين متطلّبات الحياة خارج المدرسة، ومهارات الطالب التي يتعلّمها داخل المدرسة.
وهنا يكمن الحلّ في عناصر التعليم التي تقدّمها برامج البكالوريا الدوليّة، وهي تشمل: المحتوى، والمهارات، والمفاهيم، أو ما يطلق عليه التعليم ثلاثيّ الأبعاد الذي ينمّي قدرات الطالب، ويساعده على اكتشاف الحقائق، وبناء المعرفة، وتحليلها، واستنتاج المعلومات.
طيلة الوقت، نريد من خرّيجينا أن يكونوا فخورين بأنفسهم، وثقافتهم، وأن يكونوا واعين بكلّ مكوّناتها اللغويّة والتاريخيّة، قادرين على أن يكونوا أندادًا للخرّيجين في أيّ مدرسة أخرى، وفي أيّ سياق حول العالم. ودائمًا ما نخاطبهم راغبين بعودتهم إلى مصر بعد دراستهم العليا في الخارج، ليكونوا فاعلين، وليغيّروا في بلدهم.
-
- بشكل شخصيّ، ومن منظور خاصّ، انطلاقًا من تجربتك الطويلة، أيّ الدول أو التجارب على مستوى الدول تنظرين إليها بعين الإعجاب، وتتمنّين إمكانيّة تحقيقها عربيًّا؟ ولماذا؟
"التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم".
لقد زرت اليابان بهدف أن أعرف عن قرب واقعَ التعليم لديهم للإفادة من هذه التجربة. ووجدت أنّ التمسّك بالقيم والأخلاق، وغرسها في عقليّة الطلّاب من الصغر، هو أهمّ ما قامت عليه التجربة اليابانيّة بعد هزيمتهم في الحرب العالميّة الثانية عام 1945، وهذا ما يحتاجه الوطن العربيّ الآن لتنشئة أجيال مثقّفة متواضعة منفتحة متسامحة مع نفسها ومع العالم، قادرة على النهوض بالمجتمع ونبذ الخلافات والصراعات، والاهتمام بالعلم والثقافة.
بدأت التجربة اليابانيّة في التعليم بتغيير جميع المقرّرات والمناهج التي تدعو للطائفيّة والنزعات بأشكالها، واستبدلت مكانها مناهج تحثّ على الأخلاق والقيم والعلم، حتّى أصبحت نسبة الملتحقين بالتعليم الأساسيّ (الإلزاميّ) 100%، ونسبة الملتحقين بالتعليم الثانويّ تتخطّى 90%، ونسبة الأميّة صفرًا. تقوم التجربة اليابانيّة على أسس عدّة، هي:
- - تدريس مادّة "طريق إلى الأخلاق" من السنة الأولى الابتدائيّة، إلى السنة السادسة الابتدائيّة، وفيها يتعلّم التلاميذ الأخلاق، والتعاملَ مع الناس.
- - الهدف من التعليم في المراحل الأساسيّة، هو: التربية، وغرس المفاهيم، وبناء الشخصيّة، لا التعليم والتلقين فقط.
- - اليابانيّون، ليس لديهم خدم، فالأب والأمّ هما المسؤولان عن البيت والأولاد.
- - الأطفال اليابانيّون ينظّفون مدارسهم كلّ يوم مدّةَ ربع ساعة مع المدرّسين، وهو ما أدّى إلى ظهور جيل يابانيّ متواضع حريص على النظافة.
أخيرًا، تشير الأبحاث إلى أنّ مستوى التلميذ اليابانيّ في سن 12 سنة يعادل مستوى الطالب في سن 15 سنة في الدول المتقدّمة.
-
- كونك على تماسّ مع بيئتَيْ التعليم الخاصّة والحكوميّة، وكلّ ما بينهما من اختلافات وتشابهات، لو تحدثّنا عن رفاه الطلبة Wellbeing وأهمّيّته في تعلّمهم، ما هي أهمّ المعايير، أو النقاط التي ترين أنّها تكتسب الأولويّة القصوى حول هذا؟
أشارت الأبحاث التي قمنا بها إلى تأثير تطبيق التربية الإيجابيّة في رفاهيّة الطلّاب، وشعورهم بالرضا والأمان. من هنا جاءت برامج التربية الإيجابيّة على رأس أولويّاتنا في مدارسنا الخاصّة "أوازيس"، وفي المدرسة الحكوميّة منذ عام 2015 إلى الآن، وقد حصلت مجموعة مدارس "أوازيس" الدوليّة من الجمعيّة الأمريكيّة للتربيّة الإيجابيّة على ترخيص بتطبيق التربية الإيجابيّة كمدرسة معتمدة، ما يتيح لنا تدريب الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور.
التربية الإيجابيّة نموذج تربويّ لعالم النفس Alfred Adler، وقد صُمّم من أجل الأبناء، والآباء، والمعلّمين من خلال غرس الشعور بالانتماء والأهمّيّة لديهم، ليكونوا منخرطين في المجتمع مساهمين فيه، باستخدام مجموعة من الأدوات والاستراتيجيّات مثل اجتماع الفصل، وخلق الروتين، واكتشاف الاعتقاد الذي أدّى إلى السلوك. كلّ هذه الاستراتيجيّات تساهم في تنمية مهارات الطالب وقدراته.
بالتربية الإيجابيّة يحقّق الطالب الرفاهيّة، والإنجاز الأكاديميّ؛ لأنّه يعيش في بيئة تساعد على النموّ العاطفيّ والعقليّ واكتساب المهارات، وتحمي الطالب من الإحباط واليأس، وتعلّمه مواجهة السلوكيّات العدوانيّة والتنمّر.
يتميّز الطالب الذي يتعلّم من خلال التربية الإيجابيّة، بأنّه متحمّس، مشارك، منخرط في الأنشطة الصفّيّة، وغير الصفّيّة، يمتلك مهارة مواجهة المشكلات وحلّها. إذا استطعنا دمج هذه المميّزات الخاصّة بالتربية الإيجابيّة ببرامج البكالوريا الدوليّة، وبملامح المتعلّم الدوليّ IB Learner Profile بصورةٍ أدقّ، سنحقّق ما نتمنّاه من بيئة مدرسيّة ناجحة توفّر كلّ ما يحتاجه الطلّاب.
أشارت الأبحاث أيضًا إلى أنّ استراتيجيّات التربية الإيجابيّة تساهم في زيادة اكتساب الطلّاب لأساليب التعلّم ATL، وتنمّي المهارات الخمس الرئيسة لدى الطلّاب (المهارات الاجتماعيّة، والتفكير، والبحث، والتواصل، والإدارة الذاتيّة).
هنا يجب الإشارة إلى دور المعلّم الجيّد الذي خضع لاختبارات نفسيّة وعلميّة، ثم حصل على تدريب يؤهّله للتعامل مع الطلّاب وفقًا لبرامج البكالوريا الدوليّة، ثم وفّرنا له فصلًا مجهّزًا تكنولوجيًّا، وأثاثًا جيّدًا، وكثافةً طلابيّةً مناسبةً، وقدّمنا له أحدث برامج العالم، برامج البكالوريا الدوليّة، وبرامج التربية الإيجابيّة.
-
- نعيش ظروفًا خاصّةً ناتجةً من جائحة كورونا، ومن تعرّض الطلّاب لكمٍّ هائلٍ من المعلومات من شتّى وسائل التواصل، بصرف النظر عن صحّتها أو دقّتها، وهذا زاد الضغط على المدرسة والمعلّمين وعلى الأهل أيضًا. لو عدَدْنا تنمية المهارات الحياتيّة والاجتماعيّة لدى الطلبة، والبحث، والتفكير النقديّ من أولويّات العمليّة التعليميّة، كيف يمكن تنميتها في ظلّ الظروف الراهنة؟ من جانب المدرسة والمعلّمين من جهة، والأهل من جهة ثانية؟
جائحة كورونا أصابت العالم صحّيًّا واقتصاديًّا بصورة غير مسبوقة، وتأثيرها السلبيّ في التعليم في منتهى الخطورة، إذ تشير منظّمة الأمم المتّحدة إلى خطورة انقطاع الطلّاب عن الدراسة، وإغلاق المدارس.
في ظلّ هذه التحدّيات، وحالة الـ VUCA التي عانى منها العالم؛ كانت لدينا الرؤية والمرونة التي ساعدتنا على التعامل مع الأزمة، إذ إنّ مدارسنا الخاصّة "أوازيس"، والمدرسة الحكوميّة كان كلّ منها مجهّزًا تمامًا بالبنية التكنولوجيّة اللازمة؛ من إنترنت، وأجهزة كمبيوتر، وبرنامج IPad one to one مع الطلّاب والمعلّمين، وكان طلّابنا مستعدّين أيضًا؛ لأنّهم اعتادوا على التعليم البحثيّ، وتنوّع مصادر المعرفة، وتوثيق المعلومات للحفاظ على الأمانة الأكاديميّة، ولديهم خبرة في تقديم بحث علميّ متكامل الأركان.
ثم وضعنا خطّة عمل تشمل الآتي:
- - تدريب المعلّمين على برامج جديدة تناسب التعليم Online.
- - تدريب الطلّاب على البرامج نفسها.
- - توجيه أولياء الأمر، ومشاركتهم بالمعلومات الجديدة أوّلًا بأوّل.
- - استحداث برامج، ومنصّات تعليميّة جديدة للتواصل مع الطلّاب.
- - وضع خطط تقييم جديدة تناسب الوضع الحاليّ.
عندما قرّرت وزارة التربية والتعليم العام الماضي استبدال الأبحاث مكان الاختبارات، لم يجد طلّابنا أيّة مشكلة؛ لأنّها طريقة العمل المعتادة لديهم. هذا في وقتٍ عانت فيه الأسر المصريّة جميعُها من صعوبة عمل الأبحاث. ومن هنا تأتي أهمّيّة تدريب الأطفال من الصغر على التعليم البحثيّ، واستبدال الاختبارات القائمة على التفكير النقديّ والإبداعيّ مكانَ الاختبارات القائمة على الحفظ.
هنا أشير إلى ما تحدّثت عنه بخصوص توجّهنا نحو التعليم المجتمعيّ، فنحن نعمل منذ سنتين على تكييف البيئة المدرسيّة لتناسب هذا النوع من التعلّم، عبر تحويل مرافق المدرسة كلّها إلى مرافق تعليميّة، وتعزيز دور الطالب في اختيار موضوع تعلّمه، وأيّ نشاطات تعلّم يختار. هنا نعتمد الحيويّة في اختيار كيفيّة التعلّم من طرف الطالب، والتحرّك في فضاء المدرسة، والابتكار للتغلّب على ما حصل خلال فترة كورونا من جمود خلف الشاشات. هذه البنية تحوّل المدرسة إلى مجتمع كبير للتعلّم.
-
- أخيرًا، سؤال حالم نوعًا ما، لو تمكّنت من موارد غير محدودة للعمل على جانب واحد، أو عنصر واحد من مجمل العمليّة التعليميّة في مصر، علامَ ستركّزين؟ ولماذا؟
المعلّم. المعلّم الذي يحتاج الدعم الماديّ والمعنويّ والتدريب؛ فالمعلّم هو الركيزة الأساسيّة للعمليّة التعليميّة، ولن يفلح أيّ تطوير في عناصر العمليّة التعليميّة، إلّا بتطوير المعلّم.
لقد وجدنا أمثلةً كثيرةً لمعلّمين في مناطق نائية، وفقيرة استطاعوا بموارد محدودة التأثير في مجتمعهم. وتحضرني تجارب مثل:
- - المعلّمة حنان الحروب من فلسطين، مصمّمة منهج "نلعب ونتعلّم"، وهي حاصلة على جائزة أفضل معلّم في 2016.
- - المعلّم بيتر تابيشي، معلّم الرياضيّات والفيزياء في مدرسة بمنطقة نائية في كينيا، وهو الفائز بجائزة أفضل معلّم في 2019، لإسهامه في تعليم طلّابه بأقلّ الموارد المتاحة.