- حاصلة على شهادة الدكتوراه في الكيمياء التحليليّة من جامعة سينسناتي/أوهايو في الولايات المتّحدة الأمريكيّة عام 1981.
- شغلت منصب المدير العامّ لمؤسّسة التعاون، وهي أكبر مؤسّسة أهليّة في فلسطين.
- عملت أستاذة ورئيسة لدائرة الكيمياء في جامعة بيرزيت
- عملت أستاذة زائرة في جامعتي سنسيناتي ومينيسوتا في الولايات المتّحدة.
- شغلت منصب عميدة لكلية العلوم التربويّة لإعداد المعلّمين والمعلّمات ومديرة لكلية مجتمع المرأة للتعليم التقنيّ والمهنيّ التابعة لوكالة الغوث الدوليّة.
- ساهمت خلال نشاطها بتأسيس العديد من مؤسّسات العمل الأهليّ وتطويرها على المستوى الوطنيّ والدوليّ بما فيها المؤسّسات التعليميّة، والعلوم التطبيقيّة والنسويّة، ويتضمن ذلك مجلس إدارة بنك فلسطين، والمجلس الأعلى للتعليم التقنيّ والمهنيّ، وهيئة الترخيص والجودة في التعليم العالي، وهيئة أخلاقيّات العلوم والتكنولوجيا التابعة لليونيسكو، واللجنة الاستشاريّة لتوأمة جامعة القدس-بارد، وأخلاقيّات العلوم الحياتيّة الخاصّة بالمرأة والتابعة لليونيسكو.
- نشرت مجموعة من الدراسات والأبحاث في الكيمياء والتعليم والتنمية وواقع المرأة العربيّة، ومن أهمّ منشوراتها كتاب "تمكين الأجيال الفلسطينيّة: التعليم والتعلّم تحت ظروف قاهرة".
- بعد إدارتك مؤسّسة التعاون لسنين طويلة ومثمرة، والتي تُعنَى بتطوير التعليم في فلسطين. ما أكثر المشاريع أو المبادرات التي عنت لك على المستويين التنفيذيّ-الإجرائيّ والنفسيّ؟ وما كانت أكبر معوقات التدخّل لتطوير التعلّم والتعليم في ظل الظروف الصعبة؟
كان هدف مؤسّسة التعاون، في أساسه، تمكين الإنسان الفلسطينيّ. فالمؤسّسة وعت منذ البداية، قبل عملي معها، أهمّيّة التعليم. لكن ما حاولتُ الاشتغال عليه بشكلٍ تنفيذيٍّ، تمثّل في اتّباع نهج المنحى الشموليّ التكامليّ في تصميم البرامج وتنفيذها لتعزيز الصمود وإتاحة الفرص لإطلاق الإبداعات والطاقات الكامنة لدى العاملين في مجال التعليم، ولدى الطلاب.
كانت لدينا مداخلات كثيرة، بعضها يُعنَى بتعزيز الهويّة والثقافة، وبعضها الآخر بالتفكير الناقد وإنتاج المعارف ومواكبة ما هو عصريّ، مع الحفاظ على الموروث الثقافيّ في الوقت نفسه. وأرغب هنا بالإشارة إلى ثلاثة مشاريع:
المشروع الأوّل: "بريدج" (Bridge Palestine):
هو مشروع حديث نسبيًّا مُوجَّه إلى الطاقات الواعدة، حيث عملنا بطريقة منهجيّة على اختيار طلبة من الصفّ التاسع في أقسام التعليم جميعًا (الحكوميّ والوكالة والمدارس الخاصّة)، مع مراعاة تنوّع المتعلّمين من ناحية الجنس والخلفيّات الاجتماعيّة والاقتصاديّة وغيرها. طوّرنا مع شركائنا الطريقة والآلية لاختيارهم، بما يشمل تصميم سلسلة من اختبارات القدرات نفّذت عبر الامتحانات التحريريّة واللقاءات المتعدّدة وتطبيقها. ٍساعدتنا الاختبارات في تقدير من يمتلكون القدرة على أن يكونوا قادة فاعلين في المستقبل، على المستوى السياسيّ أو العلميّ أو الاجتماعيّ وغير ذلك. كان هذا المشروع مهمّا جدًّا بالنسبة إلينا، لارتباطه برؤيتنا للتنمية.
كان الهدف أن نزوّدهم، في مدّة ثلاث سنوات، بخبرات لا تستطيع المدارس تقديمها إليهم، مثل التحاور مع الثقافة العالميّة، وتنمية مواهبهم، والمشاركة في حلّ المشكلات على المستوى الفلسطينيّ والإنساني. اهتممنا بموضوع اللغات، خصوصًا العربيّة والإنكليزيّة، وكلّ ما له علاقة بإنتاج شخصيّة متكاملة تستطيع أن تنافس وتنتزع قبولًا في جامعات مرموقة. قدّمنا فرصًا لهؤلاء الشباب القابعين تحت الاحتلال حتّى يكونوا قادرين على المنافسة، وقد نافسوا وحصّلوا المنح والآن تخرّجوا، ونحن على تواصل معهم ونفخر بإنجازاتهم.
بدأ العمل بعقد حوارات ولقاءات معهم ومع الأهل، ثمّ انتقلنا إلى التعاون مع شركائنا، مثل مؤسّسة النيزك لتعليم العلوم والتفكير النقديّ ومهارات حلّ المشكلات، إلى جانب تعزيز المعارف. وتعاونّا مع البريتيش كاونسل (القنصليّة البريطانيّة - British Council) والآميديست (Amideast) في ما يتعلّق بتعليم اللغات. كان الهدف النهائيّ وصول هؤلاء الطلّاب إلى فهم أفضل لواقعنا ولقضيّة فلسطين والاحتلال، والاطلّاع على إمكانيّة الاستفادة من معارف العالم وخبراته في حلّ مشكلاتنا، ثمّ العودة لبناء فلسطين.
عملنا في هذا المشروع، الذي يستهدف إعداد القيادات، في فلسطين بكلّ مناطقها، وفي مخيمّات اللاجئين في لبنان. بدأ البرنامج هناك وجرى توسيعه بعد ذلك.
المشروع الثاني: أيتام غزّة، من برنامجين ("مستقبلي": 2500 يتيمًا، بدعم من مجموعة أبراج وعدد من أعضاء مؤسّسة التعاون. ووجد: 1500 يتيم، بدعم من صندوق قطر للتنمية وبنك فلسطين)
في سنة 2012، خلّف الهجوم الإسرائيليّ على غزّة 2500 يتيم، وفي سنة 2014، أضاف الهجوم الاسرائيليّ 1500 يتيم آخر. كنّا نتساءل عن كيفيّة التعامل مع هؤلاء الأطفال؛ فهم لم يفقدوا الأهل فقط، بل كانوا شهودًا على هدم ممتلكاتهم وبيوتهم. كان التحدّي يكمن في تحويل هذا المشروع الإنسانيّ الإغاثيّ إلى مشروع تنمويّ. لذلك، تبنّينا رعاية الأيتام بالكامل بما في ذلك التعليم والصحة وإطلاق المواهب، مع بقائهم مع من تبقّى من عائلاتهم، كالأمّهات والأجداد. قدّمنا التعليم من مرحلة الحضانة إلى مرحلة التخرّج من الجامعة. وشمل ذلك تغطية تكاليف التعليم والصحّة، بما فيها التغذية والصحّة النفسيّة. كما اعتنى المشروع بإطلاق طاقاتهم وإبداعاتهم في الرسم والتمثيل والمسرح والرياضة. هذا وانخرط الطلّاب الذين تخرّجوا في تقديم المساعدة للطلّاب الأصغر. امتدّ المشروع 22 سنة. واهتمّ المشروع أيضًا بالأمّهات، خصوصًا في سياق توعيتهنّ بحقوقهنّ وحقوق الأطفال وكيفيّة التعامل معهم، وتقديم الرعاية والدعم اللازمين لمن كنّ يعانين من صدمات نفسيّة، بل وقُدّمت لهنّ فرص لبدء مشاريع صغيرة. واستمرّت مواكبة كثيرين في حياتهم العمليّة، خصوصًا مَن توجّهوا إلى التعليم التقنيّ والمهنيّ. أمّا بالنسبة إلى الطالبات اللواتي تزوجن قبل بلوغ سن 22 سنة، فاستمرّ مشروع "وجد" في دعم تعلمهنّ. لذلك، كان المشروع شاملًا ومتكاملًا. حين تركتُ المؤسّسة بعد 14 سنة من العمل، كنت قد واكبتُ هؤلاء الأيتام طوال تلك السنوات عن كثب، وعرفتُ أسماءهم وإنجازاتهم والتحدّيات التي واجهتهم.
المشروع الثالث: رياض الأطفال
كان المشروع موجودًا منذ سنة 1982، ويتعدّى الاهتمام بالطفل ليشمل مباني الروضات وتجهيزها وتوفير بيئة تعلّم ملائمة وتطوير المعلّمات. ثلث الروضات في فلسطين استفاد من هذا المشروع. من أهمّ عناصر تميّزه وأهمّيّته اعتماده على التشبيك مع المؤسّسات العاملة في هذا المجال، ومع أولياء الأمور والمجتمعات المحلّيّة. وتميّز أيضًا بسعة نطاق تنفيذه، ليشمل فلسطين والأردن ولبنان، بخاصة في سياق إعداد أدلّة العمل الإرشاديّة، بما فيها المحتوى وأساليب التدريس. كما تميّز بحرصه على إشراك المعلّمات، ضمن لقاءات وورشات عمل، في بلورة الرؤى وصياغة التوجّهات للعمل مع الطفل. وكان التعلّم من خلال اللعب هو الأساس في هذا السياق. أعداد كبيرة من الأطفال تخرّجوا، وأعداد كبيرة من المعلّمات اعتمدت النهج الذي طوّرته مؤسّسة التعاون، وكان له أثر كبير ومستمرّ. هذا البرنامج، برأيي، من أهم البرامج المستدامة ذات الأثر العميق ونطاق الفعل الواسع الذي أظهرته الدراسة ذات العلاقة.
- ما أكبر المعوّقات التي واجهت تدخّلكم في تطوير التعليم وما زالت؟
هي ثلاثة معوّقات رئيسة:
الاحتلال: هو عقبة ضدّ التعليم والتنمية، لأنّه إقصائيّ، يهدف إلى التخلّص منّا وإخراجنا من بلدنا. هو العقبة الرئيسة. في التخطيط، كنّا نُفكِّر دائمًا: كيف سنتعامل مع الاحتلال؟ حتّى على مستوى إدخال المعدات والأجهزة اللازمة، والمواد الإثرائيّة. لقد دخل التفكير في مخاطر الاحتلال وسياساته وإجراءاته في صلب تخطيطنا.
التمويل: هو في واقعنا تمويل سياسيّ، يتغيّر حجمه ومجالاته حسب أجندة المانحين. بالطبع يدخل حجم التمويل في صلب التخطيط للموازنات اللازمة لتنفيذ البرامج، ويتطلب اجتذابه توفّر مصداقيّة وفطنة ومهارات خاصة وتضافر الجهود، ولا سيّما في الفترة الأخيرة. وحين لا يتوفّر التمويل، يصبح استمرار البرنامج كلّه محلّ شكّ.
عناصر ذاتيّة: لا يمكن عزلها عمّا سبق؛ فمع الصعوبات والعقبات قد لا يستطيع العاملون المواصلة. قد يتعبون أو يفقدون القدرة على مواصلة تحدّي الواقع الممتدّ. إذًا، هناك تحدّ متعلّق بالكفاءات والموارد البشريّة التي تعمل. هل لدينا هؤلاء الأفراد؟ طبعًا. لكنّ وتيرة توفّرهم غير ثابتة، يظهرون في مراحل، ولا نجد مثلهم في مراحل أخرى. تظهر في بعض الفترات قيادة تربويّة قادرة على تنفيذ المهمّات، فنعيش مرحلة يمكن وصفها بـ"المدّ"، وأحيانًا يقلّ هؤلاء، فندخل في مرحلة "جزر" إن صحّ التعبير.
نحن ننفّذ مشاريعنا بالتعاون مع الشركاء في المجتمع المدنيّ، ونهتمّ ببناء علاقة متكافئة معهم. وهذا يخلق لنا تحدّيات تتعلّق بتفاوت مستوى قدراتهم في تصميم البرامج وإدارتها، وتنفيذ الاتّفاقيات مع الالتزام بمعايير الجودة والامتثال لقواعد العمل. كما أنّنا نعمل كشريك يكمل جهود الحكومة من جهة، ويمتثل لسياستها وإجراءاتها من جهة أخرى. لذا، فإنّ توفّر سياسات شاملة ومتكاملة وداعمة للعمل الأهليّ، أمرٌ هام يؤثر في مدى تحقيقنا لرسالتنا وأهدافنا المنسجمة مع الأهداف الوطنيّة.
- هل يشكّل المجتمع أو البنية الاجتماعيّة وعاء حاضنًا ومساندًا؟
حتّى وقت قريب، كان الجوّ داعمًا. المجتمع داعم "للتعاون" منذ تأسيسها، حيث عملت المؤسّسة بحياد على مستوى الأحزاب والفصائل. وكان تحدّي التعامل مع المجتمع المحلّيّ مطروحًا دائمًا، ولكنّنا كنّا دومًا قادرين، ولم يكن الأمر معيقًا أبدًا، لأنّنا نعمل بوضوح وبشفافيّة وبمنحًى إنسانيّ. في المستقبل، سيفرض شحّ مصادر التمويل المتشابك مع التعقيدات السياسيّة والمجتمعيّة، جهودًا أكبر في تعزيز التواصل مع المجتمع، وتشجيع الحوار البنّاء في ما يتعلّق بالأفكار والتوجّهات وطريقة الحياة.
- ما الذي لا يزال ناقصًا حتّى نحقِّق الأثر المطلوب مجتمعيًّا من التعليم، وفي التعليم؟
الحكومات هي الجهات المنظِّمة، وهي أيضًا أكبر منفِّذ في مجال التعليم. والعمل الأهليّ له ما ينظّمه من قوانين وسياسات. لكنْ، للحكومة دور رئيس في وضعها، وهذا ما يجعل العلاقة متشابكة. كان دور العمل الأهليّ، سابقًا، متعلِّقًا بالضغط والتأثير، في مرحلة الاحتلال، قبل نشوء السلطة تحديدًا، حين كان الاحتلال هو المنفِّذ للتعليم. هذا الوضع ضَعُفَ بعد اتفاقيّة أوسلو، وصار ثمّة توجّه عند الجمعيّات الناشطة إلى توزيع مهمّات وفق قناعة بأنّ الرؤية الوطنيّة فوق الجميع. وبرأيي، نحن نواجه تحدّيات كبيرة متعلّقة بالنظّام ككلّ: سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة، ويشكّل النظام التربويّ واحدًا من أهمّ هذه المشكلات.
- "التعليم المجتمعيّ" موضوع كتاب لك بالمساهمة مع الأستاذ خليل نخلة. ما تعريف هذا التعليم؟ وهل لا يزال تعريفكم صالحًا؟
لقد تناولنا في الكتاب موضوع التربية من المنظور التنمويّ الواسع الذي يتضمّن توارث الثقافة ونقل المعارف والمهارات عبر الأجيال، بهدف تمكينها. وعليه، اشتمل تعريفنا للتعليم المجتمعيّ على شقَّيه النظاميّ الرسميّ بجميع قطاعاته ومراحله، وغير النظاميّ بما يتضمّن الأسرة ومؤسّسات المجتمع الأهليّ، ليكون هذا التعريف متكاملًا ومتفاعلًا ومُتّفقًا على توجّهاته. لا يمكن فصل ماذا يُعلِّم عن ماذا يُثقِّف، والتعليم ليس حكرًا على قطاع محدّد. الحكومة هي المُنفِّذ الأكبر في مجال التعليم، ولكنّها لا تستطيع تحقيق جميع أهدافها وإحداث الأثر التنمويّ المستدام إلّا بمشاركة المجتمع. يعمل التعاون والتنسيق ما بين قطاعات التعليم الرسميّ والمجتمع المدنيّ تحديدًا على جسر الثغرات وتعزيز مواطن القوّة؛ فبينما يركّز التعليم الحكوميّ على مباحث الرياضيات واللغة على حساب تعليم الفنون والرياضة مثلًا، يتدخَّل المجتمع المدنيّ ليشارك في سدّ هذه الثغرة. كما يقوم المجتمع المدنيّ بتصميم البرامج وتنفيذها، لتكون برامج مساندة ومعزّزة لجهود التعليم النظاميّ في سياق بناء مهارات التفكير العليا والمهارات القياديّة، ومهارات التواصل بما فيها استخدام التكنولوجيا، والحفاظ على البيئة، والتدريب المهنيّ والتقنيّ على سبيل المثال لا الحصر.
يولي كتابنا أهميّة خاصّة لضرورة الاتّفاق على ملامح الثقافة التي نريدها، بما يتضمّن المنظومة القيميّة التي نريد غرسها في الأجيال لتنشئتها وتمكينها من خدمة المجتمع والإنسانيّة. مثلًا، كنّا في السابق، نركّز، في سياق النظام الأبويّ، على قيمة الطاعة العمياء. لكن، ومن المنظور التحرريّ، ما القيم التي نريد أن نغرسها ونعزّزها؟ وكيف ننشئ جيلًا مبدعًا يثور ضدّ الظلم والاضطهاد؟
دور المجتمع في التعليم جوهريّ. لا نستطيع أن نعلِّم ونثقِّف إن لم نتّفق على المنظومة القيميّة. لن تراجعك الأسرة إذا علّمت الرياضيّات بأيّ طريقة تراها، ولكن القيم موضوع يتدخّل فيه الأهل. باختصار، هناك ضرورة لهدم الجدران بين ما يُعلّم في المدرسة وما يثقَّف في المجتمع.
ركّزنا في كتابنا على أهميّة التفكير النقديّ، ولا سيّما مع كثرة المعلومات في ظلّ ثورة التقنيّات الجديدة؛ إذ تشكّل المعلومات أساس التحليل المرتبط بطرق حلّ المشكلات، البسيطة منها والمعقّدة، مثل انعكاسات الاحتباس الحراريّ على البيئة واستدامة حياة الإنسان.
منطلقنا في الكتاب هو التكامل بين كلّ الأطراف، ولا سيّما بالفعل. الهيكليّات العامّة تتضمّن تمثيل الأهل والمجتمع، ولكن عند النظر إلى الفعل نجده مبتورًا. فإذا لم تُشرِك الحكومة، بقيادتها للتعليم، ممثّلي المجتمع على اختلافهم، للاتّفاق على الجيل الذي نريد تنشئته، لا يمكن تحقيق نتائج مرضية. الأدوار الشكليّة الحاليّة ذات طابع تجميليّ، وليس حقيقيًّا.
إن كنّا لا نقرأ ولا نُفكِّر ولا نُنتِج إلّا في مجالات ضيّقة، فكيف يمكننا المساهمة، مثلًا، في حلّ المشكلات المتعلّقة بالاستدامة، والتي تحتلّ مركز الاهتمام العالميّ حاليًا؟ أين دور الجامعات في هذا السياق؟ هل لديها توجهات معمَّمة على الطلّاب والأساتذة؟ هل ساعدت في توفير منح للبحث في الموضوع؟ ما زالت إسهاماتنا تتركّز في الأدب، ولكنّها ضعيفة في العلوم والمعرفة التطبيقيّة. لدينا مبادرات مشتّتة وفرديّة، لا يجمعها توجّه عام وجمعيّ يُحدث أثرًا تنمويًّا.
- كيف يمكن إدخال الاستدامة في النظام التربويّ، بالمنهاج والسياسات؟
أنا مع هذا المنحى الذي سيساهم التعليم من خلاله في حلّ الكثير من المشكلات المعقّدة التي تواجهنا، وتواجه العالم حاليًا. يتطلّب استخدام هذا المنحى توفّر قرار سياسيّ يفيد بأنّنا نريد أن نتبنّى هذا النهج. وحتى نتبنّاه، لا بدّ من مراجعة السياسات والهيكليّات وتطوير الموارد البشريّة. ولا بدّ من توفير خبراء يدرسون المناهج والعمليّة التربويّة برمّتها، للإجابة عن تساؤلات تتعلّق ببلورة نموذج عمل تؤطّره ركائز الاستدامة البيئيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وتشكّل الحوكمة وتكنولوجيا المعلومات قاسمها المشترك. لا يقتصر تبنّي منحى الاستدامة على إدخال مباحث دراسيّة جديدة فقط، بل يتعدّى ذلك ليدخل في صياغة الإطار العام للخطط الاستراتيجيّة، وفي بناء الخطط التنفيذيّة ومؤشّرات الأداء، وتقارير الإفصاح عنها. يرتبط هذا المنحى بشكل وثيق بالمنحى الشموليّ التكامليّ، ويوظّف التعليم لينشئ جيلًا قادرًا على حلّ المشكلات المعقّدة.
ولمتابعة التنفيذ، لا بدّ من إجراء تعديلات على البنى والهيكليّات التنظيميّة، والتأكّد من وجود ممثّلين في الدوائر المختلفة، ليقودوا عمليّة التغيير من جهة، ويتأكّدوا من اتّباع المؤسّسات التعليميّة للممارسات الصحيحة. ويتضمّن ذلك الحدَّ من السلوكيّات التي تضرّ بالبيئة والصحّة العامة، كاستخدام البلاستيك وإلقاء النفايات في كلّ مكان، وتدخين السجائر. ما قيمة الحديث في المناهج عن التصحّر الناجم عن قطع الأشجار لصناعة الورق مثلًا، إن كانت المدرسة والجامعة تستخدمان الورق بإفراط؟
الأمر يحتاج إلى موقف علنيّ وواضح من الجهات الرسميّة لاعتماد هذا التوجّه، ثمّ إلى تدعيم المناهج (محتوى وأساليب تدريس وتأهيلًا للمعلمين) بما ينقصها. كان لدينا، في ما مضى، مباحث مخصّصة للصحّة والبيئة، وتمّ التخلّي عنها واختفت من المنهاج. ينسحب الأمر ذاته على الأخلاق التي لم تعد جزءًا يُركّز عليه في التعليم بمبحث مخصّص لتدريسها. في السياق نفسه، هناك حاجة لإدخال مواضيع تتعلّق بالمسؤوليّة العلميّة والاجتماعيّة، والأمن الغذائيّ، وحقوق الإنسان، مع التركيز على الممارسة اليوميّة وتنفيذ الأنشطة المعزّزة لها.
الاستدامة نهج مرتبط بالتنمية من منظور توفير العيش الرغيد للإنسان، في الحاضر والمستقبل، مع الحفاظ على الموارد الطبيعيّة اللازمة للحفاظ على حياته وحياة الكائنات الحيّة جميعها. وفي ظلّ ممارسات الإنسان الخاطئة التي أدّت الى تلوّث المياه والهواء والتربة، مع الاستهلاك المفرط لمصادر الطاقة، غدا كوكب الأرض غير قادر على الاستمرار بتوفير مصادر العيش الكريم للإنسان، وأصبحت حياته في خطر. يمثّل الاحتباس الحراريّ، مثلًا مشكلة رئيسة تهدّد حياة الإنسان والكائنات الحيّة، وتتطلّب معالجتها ابتكار الحلول المرتبطة بتعقيدات تشابُكِ أسبابها وتعدّدها. في اعتقادي، إنّ استخدام منحى الاستدامة في التعليم سيساهم في تخريج طلبة قادرين على معالجة المشكلات ذات الأسباب الاجتماعيّة والبيئيّة والاقتصاديّة المتداخلة والمعقّدة.
- ما تقييمك لتجربة التعليم الإلكترونيّ بشكل عام في فلسطين؟
من إيجابيّات كورونا، إن صحّ التعبير، إسهامها في تفعيل استخدام التعليم الإلكترونيّ ودفعه إلى الأمام. لم يسرّع التباعد الاجتماعيّ الناجم عن انتشار الجائحة في استخدام التعليم الإلكترونيّ فقط، بل حثّ على تطويره بطريقة أحدثت تغييرات جوهرية في بُنى التعليم وعمليّته على الصعيد العالميّ. فمنذ اليوم الأوّل للجائحة، بادرت العديد من الدول والجامعات إلى تطوير هيكليّاتها وسياساتها وإجراءاتها وخططها لتتواءم مع استخدام التعليم الإلكترونيّ. وعليه، طُوِّرت العديد من المساقات التي تُدرّس عن بعد، لتنتهي بحصول الطلبة على شهادات من أرقى الجامعات. وابتُكِرت العديد من البرامج والمنصّات التعليميّة، وأُنشئت منتديات الحوار، وطوِّرت أدوات التواصل والمتابعة والتقييم. كما استحدِثت مراكز خاصة تعنى بإعداد المناهج والإرشادات وتدريب المعلّمين والطلبة على أنجع طرق استخدام التعليم الإلكترونيّ. هذا بالإضافة إلى دأب الخبراء على الحوار والمشاركة في عمليّة تطوير هذا التعليم، وتقديم الاستشارة للدول والمؤسّسات التعليميّة.
في المقابل، وبالحديث عن فلسطين، اضطر الأساتذة إلى استخدام التعليم الإلكترونيّ برغم عدم جاهزيّة المؤسّسات التعليميّة، من المدارس إلى الجامعات. شكّل ضعف البنية التحتيّة وعدم توفّر الإنترنت وأجهزة الحاسوب لجميع الطلبة، وانقطاع التيّار الكهربائيّ المتكرّر أهمّ العقبات. إضافة إلى ذلك، كانت جاهزيّة المعلّمين لاستخدام البرامج والتقنيات ذات العلاقة ضعيفةً في أحسن الأحوال، ولم يكن لديهم الإلمام بأساليب التعليم والمتابعة. وجاءت استجابة وزارة التعليم والجامعات متأخّرة ومنقوصة، خصوصًا في مجال سنّ السياسات وإعداد الإجراءات الداعمة. كان التحوّل لاستخدام التعليم الإلكترونيّ مفاجأة خاطفة في البداية، ثمّ تحسّن الوضع شيئًا فشيئًا، ولكن ليس بالصورة التي نتمنّاها. لم تكن هناك تعليمات وتوجّهات بتبنّي هذا التعليم، ولم يتمّ تطوير البنية التحتيّة، وتوفير الأدوات الإلكترونيّة اللازمة. هذه مشكلات كبيرة في فلسطين، وللأسف، لم نعمل منهجيًّا على هذه الأولويّات. ولم تتبلور رؤية أو سياسة أو خطّة عمل للتعامل مع هذا النوع من التعليم.
التعليم الإلكترونيّ أحدُ أساليب التدريس التي أحدثت ثورة في التعليم. مثلًا، تواجه الجامعات الفلسطينيّة الآن قرارًا إسرائيليًّا يحصر عدد الأساتذة الأجانب المسموح بدخولهم إلى فلسطين بمائة وخمسين فقط. بالطبع لهذا القرار التعسفيّ انعكاسات سلبيّة على نوعيّة التعليم، ولا سيّما في سياق المشاركة في الخبرات وإنتاج المعارف وإفادة الطلبة وتوسيع آفاقهم وتعميق تفاعلهم مع الثقافات المتعدّدة. سيساهم التعليم الإلكترونيّ في التخفيف من تلك الآثار عن طريق التعاقد مع الخبراء والأساتذة في جامعات العالم للمشاركة في تصميم مساقات ومحاضرات من أيّ مكان في العالم وتنفيذها. لقد فتحت المنصّات لنا آفاقًا كبيرة في التعلّم والمشاركة في نشر الأبحاث مع أفضل الخبراء والمفكّرين، ووفّرت للشباب الفلسطينيّ القابع تحت الاحتلال إمكانيّات التفاعل مع أترابهم، كما أتاحت لهم الوصول إلى مصادر المعرفة، واستجابت لشغفهم وأطلقت إبداعاتهم في تطوير البرمجيّات. في هذا السياق، نال العديد من الشباب الفلسطينيّ جوائز عالميّة لتطويرهم برمجيّات مهمّة، وحصلوا على براءات اختراع ومنح استطاعوا من خلالها تأسيس شركات خاصة.
اقتربت المسافات أيضًا، وأصبح تنظيم المؤتمرات واللقاءات عبر الأثير أكثر سهولة، وأقلّ كلفة وتلويثًا للبيئة. وجدير بنا الإشارة الى أنّ ثورة التعليم الإلكترونيّ وفوائدها لم تصل ذروتها بعد؛ فالآفاق التطويريّة هائلة، وجسر الثغرات ما زال موضع البحث والتفكير. ناهيك عن قصور هذا التعليم عن تغطية حاجات التفاعل الوجاهيّ في سياق العلاقات الاجتماعيّة مثلًا.
- أهميّة التعليم الإلكترونيّ بعد جائحة كورونا هي موضوع ملف هذا العدد. الآن، عاد الطلّاب إلى المدرسة ولدينا خبرة وإرث من مرحلة الإغلاق. فكيف ندمج بين التعليمين الإلكترونيّ والوجاهيّ؟
بالرغم من سعادتي بعودة التعليم الوجاهيّ، إلّا أنّني أدعو إلى الاستفادة القصوى من مزاياه بطريقة مدروسة ومنظّمة. هل نعود إلى التعليم التقليديّ؟ بالطبع لا. أعتقد أنّ التعليم الذي يدمج ما بين التعلّم الوجاهيّ والإلكترونيّ هو الأفضل. في هذا السياق، لا بدّ لجهات التعليم الرسميّة كالوزارة والجامعات من تعريف التعليم المدمج، وإعداد التوجّهات الاستراتيجيّة حول كيفيّة استخدام التعليم الإلكترونيّ في كلّ مرحلة من مراحل التعليم، مع ترك مساحة من المرونة تتبع طبيعة المادّة والدرس. إمكانيّة إدخال التعليم الإلكترونيّ جزئيًا في كلّ درس واردة؛ إذا أردتُ تقديم درس في الأخلاق مثلًا، يمكن إثارة نقاش في الصفّ، يليه إجراء لقاء بين الطلبة، عبر الإنترنت، مع مجموعة من القادة وممثّلي المجتمع والمتخصّصين في علم الأخلاق، للتفاعل معهم والاستفادة من خبراتهم.
في النهاية، أنا أتحدّث عن تعليم مدمج، تخضع نسب الوجاهيّ والإلكترونيّ فيه إلى تخطيط شامل، وفي هذا، لا بدّ أن يكون للأهل رأي أيضًا. يحتاج التعليم المدمج إلى تأهيل المعلّمين ومتابعة أدائهم ومواكبتهم، ووضع نظام لهذا التطوير. نحن غير جاهزين، وهذه مهمّة كبيرة تشمل القطاع الحكوميّ والمدارس والجامعات، مع ضرورة التنسيق بين الجميع.
وفّرت هذه الثورة إمكانيّة كبيرة للوصول إلى كلّ ما يحتاج إليه الباحث أو المعلّم والطالب. صار بإمكانك الحديث مع مجموعة كبيرة من الباحثين. وهذا يسمح بتجاوز الضعف إن وُجد محليًّا.
لا بدّ من الاستدراك هنا، والحديث عن سلبيّة رئيسة للتعليم الإلكترونيّ، وهي ضعف التواصل الإنسانيّ؛ فهذا التواصل مركزيّ في بناء القيم مثل الديمقراطية وممارساتها، وممارسة الانتخابات المرتبطة باجتماع الناس ونقاشهم وتفاعلهم، وهذه من أهمّ العوامل أو المؤثّرات لصياغة الشخصيّة.
- لو كنت وزيرة للتعليم في ظروف داعمة، ما التغييرات التي ستعملين على تنفيذها في مجال التعليم؟
تجربة تشكيل فريق وطنيّ لتطوير المناهج الفلسطينيّة، كما حصل في التسعينيّات بقيادة الدكتور إبراهيم أبو لغد، كانت تجربة مهمّة، وهناك حاجة للبناء عليها في مراجعة العمليّة التعليميّة وإحداث تغييرات جوهريّة في النظام التعليميّ برمّته. موقع الوزير لا يتّسم بالاستمراريّة، وخاضع لتبدّلات، لذلك، أميل إلى فكرة تشكيل الفريق الوطنيّ، وأن يكون لرئيس الفريق صلاحيّات نابعة من قمّة الإرادة السياسيّة.
أعتقد أنّ لدينا خبراء فلسطينيين قادرين ومستعدّين للمساهمة في إعادة النظر في النظام التعليميّ، بما يشمل الرؤى والسياسات والحوكمة وعمليّة التعليم بما فيها المناهج وتطوير المعلمين. ما تغيّر منذ سنة 1996 كبير جدًّا على المستويين العالميّ والمحليّ، ولا بدّ من التغيير لمواكبة ما يجري من تطوير. يمكننا إجراء تحليل سريع للوضع في فلسطين، ثمّ إعداد خطّة للتنفيذ وصولًا إلى تطوير المناهج، ولا سيّما ما يتّصل منها بالاستدامة والتعليم الإلكترونيّ. نموذج العمل نحو الاستدامة مهمّ جدًّا في تصوّري للتعليم، فالنموذج مبنيّ على ثلاث دوائر تنمويّة متقاطعة تقع في صلب أهداف التعليم: اجتماعيّة، وبيئيّة، واقتصاديّة. وكلّما زادت مساحة تقاطع هذه الدوائر، زادت إمكانيّات استدامة التنمية. وفي ظلّ هذه الدوائر، تقع أهداف التنمية المستدامة.
التعليم في فلسطين يدرّب الطلبة على حلّ المشكلات البسيطة التي تقع ضمن نطاق ضيّق في مبحث ما، وبطريقة جزئيّة. هذا المنحى في التعليم لا يتواءم مع احتياجاتنا؛ فهو عاجز عن تخريج أجيال تستطيع أن تأتي بحلول مبتكرة للمشكلات المعقّدة التي تتشابك أسبابها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئيّة. كما أنّه عاجز عن بناء قيادات تعمل مع بعضها كفريق واحد، لمواجهة التحدّيّات المصيريّة التي يواجهها الشعب الفلسطينيّ. وعلى الرغم من توفّر الخطط الاستراتيجيّة التطويريّة، إلّا أنّ تطبيقها يبقى مبتورًا وعاجزًا عن تحقيق الأهداف الوطنيّة.
نخلص إلى تقييم أداء التعليم من أربعة مناظير:
1. الأثر: ما مواصفات الأجيال التي أنشأها؟ وما كانت مساهماتها في تطوير المجتمع، بما فيها الأثر الاجتماعيّ والأثر الاقتصاديّ؟ فالأثر مهمّ لإنتاج جيل تحرّري ناقد ومنتج للمعارف، مدرك لهويّته ولمسؤوليّاته ومنتمٍ للوطن، وقادر على حلّ المشكلات العصريّة المعقّدة، وفاعل.
2. الأنظمة: حداثة الأنظمة الإداريّة والتعليميّة، وتكنولوجيا المعلومات وفاعليّتها.
3. الموارد البشريّة: توفّر الموارد البشريّة الفاعلة، بما فيها القيادات التربويّة والخبراء.
4. التمويل: القدرة على اجتذابه، وإعداد الموازنات وادارتها بفاعليّة وشفافيّة
تمثل هذه المناظير أهمّ مهمّات عمل الفريق الوطنيّ الذي أرى أنّ تشكيله خطوةٌ أساسيّة للنهوض بالتعليم.