صدر كتاب "ماذا يحدث داخل المدرسة؟" لمؤلّفه محمّد تيسير الزعبي، في طبعته الأولى، عن إصدارات ترشيد التربويّة، سنة 2023.
يوثِّق الكتاب تجارب دعم المعلّمين في غرفهم الصفّيّة، وواقعهم اليوميّ. ويأتي توثيق هذه الحالات إيمانًا بأنّ أثر المعلّمين لا يتوقّف داخل جدران الغرف الصفّيّة، بل يمتدّ ليشمل المجتمع الذي يكونون فيه، ويتعاملون معه، ويعيشون بين أفراده.
يقع خامس إصدارات ترشيد التربويّة في 192 صفحة من الحجم المتوسّط، وينقسم إلى 18 حالة تعكس أهمّيّة تعليم الطلّاب ونقل المعرفة إليهم، لمساعدة المتلقّي على صقل مهاراته اللازمة من طريق تأمّل المشكلات التي واجهت غيره، والخروج منها بحلٍّ يُلائم البيئة التي يعمل فيها.
واقع المعلّم اليوميّ: التغيير من الأسفل
يستمدّ الكتاب حالاته من واقع المعلّمين والمعلّمات اليوميّ، موضِّحًا حاجات كثير منهم، ومُتطرِّقًا إلى تحدّيات تكاد تكون مشتركة بينهم. ذلك أنّ الهموم التي تؤرّق بال المسؤولين في النظم التعليميّة يحتاج حلّها إلى التفاعل مع تجارب نظم أخرى، وتبادل الخبرات معها، والاطّلاع على الحلول الإجرائيّة التي يمكن أن تجعل بيئة التعلّم أكثر أمنًا وجاذبيّة.
تتناول الحالات الثماني عشرة التي عرضها الكاتب ثيمات مختلفة: من المدرسة الآمنة والمجتمع المدرسيّ الداعم، إلى البيئة المدرسيّة الفاعلة، والمعلّم ركيزةً للاطمئنان في الصفّ وأولويّة العمل الجماعيّ، إلى التعلّم الذي يستمرّ أثناء الفرصة ويخلو من حفظ "إجابات" الأسئلة، بالإضافة إلى نقاش فكرتَي الأداء قبل العلامة، وأهمّيّة المفقود العاطفيّ. يدعو الكتاب المعلّم إلى التفكير في الحالات المعروضة، والإفادة منها بقراءة معمَّقة ومصحوبة بتساؤلات عمليّة وواقعيّة من تحدّيات الغرفة الصفّيّة المختلفة وفق التساؤل الآتي: هل يمكن للمعالجة التي تقدّمها الحالة أن تنجح في الغرفة الصفّيّة، أو تضيف إلى خبرتي فكرة جديدة يمكن أن تظهر إجرائيًّا في ممارساتي التعليميّة؟ وهل يناسب الحلّ الوارد في الحالة ما أبحث عنه؟ وما التعديل المرتبط بغرفتي الصفّيّة، والذي يساعد في حلّ المشكلات ويتلاءم مع خصوصيّة السياق؟
تكتسب هذه الحالات أهمّيّة إضافيّة لكونها تُترجِم مسيرة الكاتب الطويلة بين الورش التدريبيّة، والزيارات الداعمة، والمناقشات البنّاءة. وتصبح التجارب التي يطرحها الكتاب، ضمن هذا السياق، بمثابة عتبات تعرض صعوبات ضمن الجوانب الأكاديميّة والسلوكيّة داخل الغرفة الصفّيّة. ما يسمح للمعلّمات والمعلّمين من الإفادة الواقعيّة المباشرة من التجارب، بربطها بممارسات تعليميّة في طريق البحث عن حلول تسهِّل عملهم في الغرف الصفّيّة، وتغلّبهم على التحدّيات اليوميّة. وفي الوقت نفسه، هي بمثابة مجال لتأمّل الممارسات التعليميّة والإدارة الصفّيّة، لجعلها أفضل، والبقاء في حالة مستمرّة من التعديل والتحسين المتفاعلَين مع حاجات المعلّم وظروف تأدية عمله.
يدعو الكتاب المعلّمات والمعلّمين إلى تأمُّل الحالات المعروضة بعين ناقدة وباحثة، وعقد المقارنات المنطقيّة بين مضمونها وما يواجهونه في الغرفة الصفّيّة. قد تحتاج الحلول المقترحة التي تقدّمها هذه الحالات إلى تعديلات تفرضها حاجات الطلبة المتباينة، وحاضنة المدرسة المجتمعيّة، وتوجّهات القيادة المدرسيّة.
يدفع الكتاب إلى النظر والتأمُّل، لبناء طالب متمكِّن من المهارات العالميّة، وقادر على التعبير عن تعلّمه بأفضل الصور. وهو، بذلك، يكوِّن إضافة نوعيّة للجهود المبذولة في الميدان التربويّ في منطقتنا العربيّة، كي لا يتوقّف تدوين الممارسات التعليميّة الفاعلة في غرفنا الصفّيّة، إذ هي مجال رحب للبحث والتأمّل والخروج بنتائج تجعل اتّخاذ القرارات أمرًا أسهل وأنسب لمواجهة التحدّيات اليوميّة.
جاء كتاب "ماذا يحدث داخل المدرسة؟" إسهامًا في دفع عجلة تنمية مهارات المعلّمين، وتطوير ممارساتهم في سبيل تحقيق أهداف التعلّم، وحتّى لا تكون الغرف الصفّيّة عبئًا عليهم، ولا يجدوا ضيقًا في سلوك الطلّاب، ولتنمية قدراتهم على تحقيق أهداف التعلّم.