في الربع الأخير من القرن الماضي، شهد العالم سلسلة من التغيّرات في إطار إعادة الهيكليّة والتقنيات المستخدمة طالت قطاع التربية والتعليم، فأدخلت المؤسّسات التربويّة الحاسوب كوسيلة تواصل تعليميّة وعصريّة في عمليّة التعلّم. ومع انتشار جائحة كورونا، وما فرضته من مستجدات، أُقفلت المدارس تجنّبًا لانتشار الفيروس. من هُنا، أصبح التعلّم عن بُعد حاجة ضروريّة ومُلحّة. في هذه التدوينة ومن وجهةِ نظري، سأقوم بالحديث عن إيجابيّات التعلّم عن بُعد.

يتطلّب هذا النوع من التعليم اعتماد سياسات جديدة تسمح بالتواصل عبر تقنية الشاشة، وإضفاء مفهوم عمليّ للتطبيق الإلكترونيّ، ذلك من خلال اعتماد الطالب، بالدرجة الأولى، على الاستخدام المتواصل للحاسوب والهاتف الذكيّ. وفي ظلّ هذا التقدّم الحاصل في مجال التقنيّة، ظهرت أنماط جديدة من التعليم زادت في ترسيخ مفهوم التعليم الذاتيّ أو الفرديّ، إذ يُتابع المتعلّم تعلّمه بنفسه، حسب طاقاته وقدراته، ووفقًا لما لديه من خبرات ومهارات سابقة.

يُعتبر التعليم الإلكترونيّ وسيلة من الوسائل الدّاعمة للعمليّة التعليميّة، لما يلعب من دورٍ مُتمثّلٍ بإيصال المعلومات للمتعلّم، عن طريق استخدام الوسائط الإلكترونيّة، بطريقةٍ بسيطةٍ من خلال عرض المعلومات داخل الصفّ، أو استخدام الحاسوب أو التلفاز التفاعليّ لبناء الصفّ الافتراضيّ.

عن الحلول

باعتقادي، أسهمَ التعليم الإلكترونيّ في توفير حلول عمليّة للعديد من المشكلات التربويّة، التي تعيق النظام التعليميّ التقليديّ. هذه العمليّة قد أتاحت فُرصًا جديدةً أمام الطلبة والمعلّمين على حدٍّ سواء، لفتح آفاق مُغايرة لتجديد التّعليم وتنويعه، ما سيسمح، مُستقبلًا، بتحقيق هدفٍ يصبو إلى تحقيق فرصٍ متكافئة في التعليم تُعزّز وترفع من شعور الطلبة بالمساواة.

هُنا يصحّ النّظر إلى هذا النّوع من التعليم بكونهِ ضروريّ للبناء على هذه الإيجابيّات، والتي منها أنّ الطالب بات يُعبّر عن رأيهِ دونَ حرج أو تردّد خلافًا لما يسود في قاعات التدريس، وإفساح المجال أمام الجميع للحصول على الفُرص ذاتها، وكذلك، لِما يوفّر هذا التعليم، من مرونة في نقل المعارف، بصرف النّظر عن الزمان والمكان الذي يتواجد بهِ الطلبة، كما يُخفّف، في الوقت ذاته، الأعباء الماليّة في عمليّة النقل والانتقال.

وأؤمنُ أنّ هذا النمط من التعليم إنّما يزيد فرص تواصل الطلاب فيما بينهم وبين معلّمهم، ويوفّر شرح المادّة التعليميّة بدقّةٍ، ويحقّق خدمة العودة إلى المادة والاستفادة منها في وقتٍ لاحقٍ.

التعليم الإلكترونيّ بديلًا: من طور التلقين إلى طور الإبداع

برأيي أنّ التعليم الإلكترونيّ يُشكّل اليوم البديل الأفضل للطالب، إذ يكتسب معارفه بنفسه، فيحقّق بذلك تفاعلًا مطلوبًا في عمليّة التعليم مع معلّمه، ومع محتوى المادّة، ومع رفاقه، والاستفادة من البرامج والتطبيقات الحديثة كونها مُتاحة في أيّ وقتٍ ومن أيّ مكانٍ.

يُمكن النظر هُنا إلى التعليم الإلكترونيّ كأداة تُمكّننا من تطويرٍ مُستمرٍّ، من قِبل المعلّم والمتعلّم، لبرامج ومناهج تعليميّة تُبني على خصائص الطلبة ومراعاة الفروق الفرديّة بينهم.

وبناءً على النّقاط السّابقة، أدعو إلى التّعاملِ مع التعليم الإلكترونيّ كوسيلةٍ تدعم العمليّة التعليميّة، وتدعم تحوّلها من طور التلقين إلى طور الإبداع والإنتاج والتفاعل وتنمية المهارات، من خلال تواصلٍ دائمٍ بنّاء بين المعلّم والمتعلّم في غرف للحوار أو مجالس للنّقاش، تجمع أشكالًا إلكترونيّةً مُختلفة للتعليم والترفيهِ معًا.

ناهيكَ على أنّ التكنولوجيا والرّقمنة باتت لُغة العصر وحاجته، المتداولة من قِبل الطلبة في مُختلف دول العالم، ومن خلالها تصل الأفكار والمعارف بأسهل الطرق. من هُنا، يُمثّل تعزيز هذا التعليم وتطويره عبر استخدام التقنيّة في التعليم، وسيلة فارقة لتعزيز قدرة الطلاب أثناء العمليّة التعليميّة على استيعاب التطوّر والتجديد في الحقول التربويّة والتعليميّة، من كونهِ يُشكّل بديلًا ناجعًا لنقل المعارف والمعلومات في حالات الطوارئ والظروف الاستثنائيّة.

وأرى من المهمّ الدعوة المُستمرّة لتحسين مستوى هذه الوسيلة لإنتاج قطاعٍ تربويّ إلكترونيّ يتمتع بصفة البحث الدائم والتطوّر المستمرّ من أجل تقديم الأفضل للمتعلّمين والمعلّمين معًا.

تحدّيات مُختلفة

في الواقع، هُناك عدّة تحدّيات تحول دون تطبيق التعليم الإلكترونيّ، وتتمثّل بنقاط عديدة، منها:

1. عدم توفّر بنية تحتيّة مناسبة للاتصالات، والافتقار إلى الإمكانيّات المادّيّة للعمل في مجال التعليم الإلكترونيّ.
2. عدم توفّر أشخاص من ذوي الخبرات والكفاءات في مجال إدارة هذا النّوع من التعليم.
3. عدم القدرة على توفير الصيانة السريعة للأجهزة الإلكترونيّة.
4. تمسّك بعض المعلّمين بالتعليم التقليديّ خوفًا من خوض تجارب ليس لديهم إلمام بها ولم يعتادوا عليها.
5. قلّة وعي بعض القائمين على العمليّة التعليميّة بمبادئ التعليم الإلكترونيّ.
6. عدم امتلاك كلّ الطلبة للأجهزة الإلكترونيّة بسبب أوضاعهم الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
7. عدم التحاق المعلّمين بدورات تدريبيّة، ورفضهم إدخال التعليم الإلكترونيّ إلى مجالات عملهم.

ولكنّنا، ومع هذه التّحديات وغيرها، لا بد لنا من تقديم كلّ الدعم لأيّ فكرة جديدة تدعم وتُطوّر التعليم، ليمسي متماشيًا مع متطلّبات العصر وتحدّياته، ذلك لأنّ التّعليم حقّ من حقوق الإنسان وليسَ امتيازًا، وعلينا، جميعًا، تطويره لبناء مُجتمعات خلّاقة تؤمنُ بذلك.