يحرص معظم الوالدين على مراقبة سلوك أبنائهم المراهقين وتتبّع تفاصيلهم وسير حركتهم، لحمايتهم من الأحداث السلبيّة وغير المتوقّعة خارج المنزل. ولكن، بينما يقومون بذلك بدافع القلق، قد يتجاوزون خصوصيّة ابنهم أو ابنتهم المراهقة تجاوزًا غير متعمَّد، ممّا يؤدّي إلى نتائج تربويّة عكسيّة، بسبب رغبة المراهق، خلال هذه المرحلة بالذات، التحرَّر من السلطة الوالديّة. نسلّط الضوء في هذا المقال على كيفيّة التعامل مع خصوصيّة المراهق، من دون تجاوز حدوده الشخصيّة.
ما أهمّيّة التعامل مع خصوصيّة المراهق؟
مع بدء المراهق رحلته نحو النضج، قد لا يدرك الوالدون أنّه آن الأوان أخيرًا أن يعطوا ابنهم أو ابنتهم المساحة الشخصيّة، حيث يستطيعون النموّ والتعلّم من أخطائهم وحدهم. وهي حقيقة لا بدّ أن يدركها الوالدون، وإن كان ابنهم لا يزال طفلًا في نظرهم. فمن الطبيعيّ أن تبدأ نزعة الاستقلاليّة في النموّ داخله، فيميل، عاجلًا أم آجلًا، إلى التمرّد على القوانين التي يفرضها الوالدان. ورغم التمهيد لهذه المرحلة مسبقًا، سواء من الطفل نفسه أم من أهله، لضمان التحكّم الإيجابيّ بمستوى هذه الخصوصيّة، إلّا أنّها تبدأ فعليًّا منذ دخول الابن أو الابنة مرحلة المراهقة.
لماذا يحتاج المراهق إلى مساحة من الخصوصيّة؟
أوّل خطوة تشعِر المراهق بدخوله عالم الكبار تمتّعه بحياة خاصّة وبعيدة عن والديه، حيث يمكنه التصرّف كما يحلو له فيها، من دون رقابة أو تقييم دائم لسلوكه، لأنّه يعتبر محاسبة الوالدين المستمرّة سلوكًا موجّهًا إلى الأطفال فقط، وهو لم يعد طفلًا من وجهة نظره. وبالتالي، نزعة ابنك المراهق نحو وضع حدود شخصيّة له، ليست عرضًا خطيرًا، ولكنّها لا تعني، كذلك، قبول الوضع كما هو، من دون أيّ تدخّلات. وعليه، كيف نحمي المراهق من دون إشعاره باقتحام منطقته الآمنة؟
لنجيب عن هذا السؤال يجب أن نحدّد أوّلًا شكل الخصوصيّة الذي يبتغيه المراهق، وأن نفهم حدود الخصوصيّة السويّة التي يجب على الوالدين احترامها.
تنمية اهتماماته
عندما يكبر المراهق، يواجه تحدّيات كبيرة، مثل فهم شخصيّته وأحلامه وأهدافه في الحياة. ونظرًا إلى التطوّر السريع لدماغ المراهق، فهو يكتسب مهارات تفكير جديدة، ويطوّر اهتمامات اجتماعيّة ورومانسيّة وعمليّة ومهنيّة جديدة. وبالنسبة إلى الوالدين، هناك الكثير من الأشياء المجهولة التي يقوم بها المراهق بهدف تنمية المهارات المرتبطة برغبته باكتشاف ذاته. قد يكون الأمر مخيفًا إذا ما تُرِك المراهق ليحلّ أموره بنفسه، ولا سيّما إذا شعرت بالقلق من إمكانيّة اتّخاذه خيارات سيّئة.
تعزيز الثقة بالنفس
عندما يُمنَح المراهق الخصوصيّة التي يحتاج إليها، يساعد ذلك على تحقيق الاستقلاليّة، ممّا يبني ثقته بنفسه بشكل أفضل، كونه إنسانًا واعيًا وقادرًا على تحمّل المسؤوليّة. بصفتك أحد الوالدين، حاول جاهدًا تحقيق التوازن بين معرفة ما يفعله ابنك المراهق، والثقة به في بعض الأمور الخاصّة.
تجنّب الخلافات
عندما يعتقد المراهق أنّ والديه ينتهكان خصوصيّته، تزداد الخلافات في المنزل، لأنّه قد يشعر أنّ والديه لا يثقان به، أو أنّهما ما يزالان يريانه طفلًا صغيرًا. لذلك، يفضِّل المراهق أن يحصل على الخصوصيّة الكافية بما يقلّل الخلافات بينه ووالديه.
ما حدود خصوصيّة المراهق؟
الخصوصيّة الصحّيّة التي يجب أن يحترم حدودها الوالدان في حياة المراهق هي القرارات الشخصيّة المناسبة لعمره، وتلك التي لا يحتاج إلى توجيه فيها، كاختيار هوايته وتفضيلاته في اختيار الملابس، أو التخصّص الذي يحبّه. بالطبع، يدخل توجيه الأهل في مثل هذه الجوانب، ولكن من باب النصيحة والنقاش، وعرض الأمور من مختلف وجهات النظر، وليس الإجبار، لأنّ القرار الذي ينحصر في مثل هذه الاختيارات لا يؤثّر مباشرةً في قيم الأسرة الجوهريّة التربويّة.
كيف أحقّق التوازن بين احترام خصوصيّة ابني المراهق وحمايته؟
يتعلّق التعامل مع خصوصيّة المراهق بالموازنة بين احترام خصوصيّته والتدخّل التربويّ عند ظهور علامات تدلّ على ضرورة توجيهه ومساعدته. إليك أهمّ وسائل الموازنة التربويّة بين احترام خصوصيّة المراهق وحمايته:
ابنِ الثقة بينك وبينه
بناء الثقة بين الوالدين والابن المراهق سرّ نجاح معادلة الخصوصيّة في حياة المراهق، لأنّ الثقة المتبادلة بين الوالدين والابن تدفعه إلى مشاركة والديه أفكاره ونواياه وعلاقاته وحياته الخاصّة بحريّة. الأمر الذي يُطمئن الوالدين أنّ المراهق يلجأ إليهما أوّلًا حين يقع في مشكلة، أو يمرّ بتغيّرات فكريّة أو نفسيّة، من شأنها التأثير في حياته سلبيًّا.
استخدم لغة الحبّ بدلًا من النقد
لا يتخيّل الوالدون مدى أهمّيّة اللغة التي يستخدمونها في توجيه أبنائهم. تعني لغة اللوم والنقد المستمرّين، بالنسبة إلى المراهق، هجومًا شخصيًّا عليه وتقليلًا من شأنه، لا رغبة في تقويم سلوكه ليعيش بصورة أفضل. لذا، تعدّ لغة الاقتراح أكثر إيجابيّة في توجيه النصح للمراهق، لأنّها توصل إليه رسالة ضمنيّة بأنّ والديه يريدان مساعدته بدافع الحبّ والحرص عليه، لا الندّيّة والرغبة في حرمانه ممّا يريد.
تقبّل شخصيّته
يحتاج المراهق إلى أن يشعر بأنّ والديه يقبلانه من دون شروط، وأنّ حبّهما له ليس مرتبطًا بصورة أو سلوك معيّن، فذلك كفيل بإقناعه بماهيّة الدافع الحقيقيّ وراء تخوّفهما من حدوده الشخصيّة التي قد تزيد عن الحدّ أحيانًا. فعندما يتفهّم كلّ طرف دافع الآخر ويتقبّله تقلّ حدّة الأزمة، ويستوعب الابن أنّ حدوده الشخصيّة لا تعني عدم وجود مكان لوالديه في حياته.
تفهّم مشاعره
يهرب الابن المراهق من أيّ مصدر للضغط النفسيّ. لذلك، يجب أن يبدي الوالدان بعض التفهّم أحيانًا، وإن كان الأمر غريبًا بالنسبة إليهما في البداية. فعندما يشعر المراهق بأنّ والديه يعطيانه مساحة التفهّم التي يحتاج إليها سوف يلجأ إليهما تلقائيًّا، ليشكو همومه أو يناقش قرارته، لأنّه يشعر بتحرّره من الضغوط والأحكام على أفكاره. بالمقابل، يهاب المراهقون مع الوالدين المتسلطين التعبير عن أفكارهم وأحداث حياتهم الخاصّة أمامهما.
* * *
يعدّ تحقيق التوازن بين خصوصيّة المراهق والتعامل معها مسعى متعدّد الأوجه، لأنّه يتطلّب فهمَ احتياجات المراهقين الخاصّة، والمخاطر المحتملة أمامه، مع التركيز على أهمّيّة تعزيز الثقة والتواصل المفتوح. يتطلّب تحقيق هذا التوازن تفاعلًا دقيقًا بين احترام استقلاليّتهم، وتقديم التوجيه اللازم لسلامتهم ورفاههم. ومن هنا، يمكنك إنشاء بيئة يمكن لابنك المراهق الازدهار فيها بحرّيّة مع إبقائه بأمان، وذلك بالتغلّب على هذه التحدّيات بالتعاطف والتعليم والتعاون.
اقرأ أيضًا
طرق التعامل مع المراهق العنيد | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)
مشكلات المراهقين النفسيّة وكيفيّة التعامل معها | منهجيات - نحو تعليم معاصر (manhajiyat.com)
المراجع
https://nalandaschool.org/why-and-how-to-respect-childs-privacy/
https://www.verywellfamily.com/why-does-my-teen-need-privacy-2609615