أصدر مركز الدراسات اللبنانيّة في نيسان/ أبريل 2023، في خضمّ الأزمة الاقتصاديّة الشديدة التي شهدها لبنان وأضرّت أيّما إضرار بقطاع التعليم، تقريرًا بعنوان "كلفة التعليم في لبنان: إنفاق الخزينة وإنفاق المجتمع". جاء هذا التقرير ليقدّم مُخرجات اللقاء الأوّل ضمن سلسلة حوارات حول مستقبل قطاع التعليم في لبنان، حملت عنوان "خطوات نحو استعادة التعليم في لبنان: كلفة التعليم".
كشف التقرير عن الفجوات التي تحُول دون التوظيف الفعّال للموارد واستخدامها في بناء نظام تعليميّ جيّد وعادل ومُنصف، في ظلّ تحدّيات اقتصاديّة وسياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة خطيرة. وجاء في أربعة فصول، هي: إنفاق الخزينة على التعليم، وإنفاق الخزينة والمصالح العامّة على التعليم الخاصّ، وإنفاق المجتمع على التعليم الخاصّ، وفعاليّة الإنفاق على التعليم وجودة المُخرجات.
أشار التقرير في الفصل الأوّل، إلى أنّ الإنفاق على التعليم من الخزينة العامّة، وفق موازنة 2018، بلغ ما يقارب 2 مليار دولار (ضمنها الهبات والقـروض والمساعدات العينيّة)، مؤكّدًا على أنّ هذا التمويل الضخم للتعليم لا يستفيد منه سوى 30% من تلاميذ لبنان في القطاع الرسميّ، وجزءٌ من التلاميذ اللاجئين، بينمـا 70% مـن التلاميذ المستفيدين ينتسبون إلى القطاع الخاصّ، وهو قطاع أكّد التقرير أنّه يستنزف العائلات كما يستنزف خزينة الدولة. وأشار التقرير إلى أنّ تدفّق أموال الجهات المانحة والمساعدات الطارئة والعينيّة الموجَّهَة لتطوير التعليم والبُنى التحتيّة والنظُم الإداريّة، والمناهج، والوزارة والمركز التربويّ، لم تؤثر إيجابًا في مخرجات التعليم ونتائج الاختبارات الدوليّة حيث احتلّ لبنان، سنة 2018، المرتبة الأخيرة بين الدول العربيّة في الاختبارات الدوليّة التي تجريها منظّمة التعاون. واستمرّت مُخرجات التعليم في التراجع، ولا سيّما في القطاع الرسميّ بعد سنتين من الإغلاق بسبب جائحة كورونا، وفشلت الحلول الحكوميّة في ضمان استقرار السنوات الدراسيّة.
في الفصل الثاني، سجّل التقرير أنّ الخزينة العامّة تُنفق سنويًّا على التعليم الخاصّ، ما يقارب الـ800 مليون دولار (ضِمنَها حصّة المصالح العامّة التي يدفعها المواطنون/ات على شكل ضرائب ورسوم على الخدمات، أو مساهمات الدولة في صناديق التعاضد). وكشف التقرير أنّ مساهمات الخزينة، في تمويل جزء كبير من التعليم الخاصّ، تكون تحت مسمّيات مختلفة أبرزها التقديمات المدرسيّة، وصناديق التعاضد، ما يقود إلى التفكير في التوزيع المُنصف لهذه التقديمات، ومَن يفيد منها في ظلّ ضعف الرقابة والمحاسبة والتشوّهات التي لحقت بالنظام التعليميّ.
قارن التقرير في الفصل الثالث بين إنفاق المجتمع على التعليم الخاصّ المجانيّ، وإنفاقه على التعليم الخاصّ غير المجانيّ، مسجّلًا أنّ الإنفاق السنويّ على التعليم الخاصّ المجانيّ يبلغ 233 مليون دولار، مقابل 2000 مليون دولار على التعليم الخاصّ غير المجانيّ. واللافت للانتباه، حسب التقرير، ارتفاع أرباح التعليم الخاصّ غير المجانيّ والتي تصل إلى ثلث الموازنة المدرسيّة من الأقساط (ما لا يقلّ عن مليار دولار سنويًّا)، على الرغم من اعتبار هذه المدارس من طرف وزارة التربيّة مؤسّسات غير ربحيّة (وإعفائها من الضرائب على الأرباح وعلى القيمة المضافة). ويؤكّد التقرير أنّ هذه المدارس تُزوّر أرقام ميزانيّاتها السنويّة تفاديًّا لأيّ مساءلة قانونيّة. وما يزيد الوضع تعقيدًا أنّ الخزينة العامّة تُنفق نحو 900 مليـون دولار سـنويًّا (من خلال التقديمات المدرسيّة وصناديق التعاضـد وإيجارات المباني ومخصّصات المـدارس المجانيّة) لدعم القطاع الخاصّ، وهذا الرقم يوازي ما تنفقه وزارة التربيّة على التعليم ما قبل الجامعيّ، ويؤكّد التقرير أنّ هذا التوزيع غير منصف، ويسهم فـي توسيع الهـوّة التعليميّة والاجتماعيّة بين فئات المجتمع اللبنانيّ.
قدّم التقرير في الفصل الرابع بعض المؤشّرات التي توضّح إخفاق السلطة السياسيّة في تحقيق الإنفاق الفعّال على التعليم، وتدنّي مخرجات التعليم بالنظر إلى الكلفة العاليّة التي يدفعها المواطن مباشرة، أو من خلال الخزينة العامّة. ولاختبار فعاليّة الإنفاق على التعليم، راجع التقرير ثلاث ركائز تعتمدها الجهات المانحة ووزارة التربيّة دليلا على تحقّق أهداف التعلّم الورادة ضمن خطّة التنميّة 2030، والتي صادق عليها لبنان. تمثّلت الركيزة الأولى في مدى تحقيق التعليم في لبنان فرصًا منصفة للحصول على التعليم، وتضمّنت مسألتي البنى التحتيّة المدرسيّة والتسرّب المدرسيّ. والركيزة الثانيّة تمثّلت في مدى تحسّن جودة التعليم من خلال فعاليّة سنوات التعلّم في لبنان، وتحليل نتائج الاختبارات الدوليّة (تيمز وبيزا (TIMSS & PISA، وفقر التعلّم، والمناهج الجديدة والخطّة الخمسيّة للنهوض بالتعليم، وأيّام التدريس الفعليّ في لبنان مقارنة بدول منظّمة التعاون الاقتصاديّ للتنميّة. أمّا الركيزة الثالثة فتمثّلت في مدى تعزيز الأنظمة في وزارة التربيّة.
خلُص التقرير إلى أنّ ثمة مساعٍ من جهات معيّنة للتغلغل في النظام التعليميّ القائم، من خلال إقرار تشـريعات تعطّل فعاليّة النظـام التعليميّ الرسميّ القائم، وتهمّشه، للدفع به في مسار الخصخصة والأدلجة. ما يؤكّد أنّ السياسة التي تتبعها الـوزارة والسـلطة السياسـيّة هي من عوامل تدمير قطاع التعليم في لبنان وخسارته لمكتسباته التي راكمها لعقود. وشدّد التقرير في الختام على الدور الذي يمكن أن تؤدّيه المدارس الرسميّة في تحقيق أهداف التنميّة المسـتدامة 2030، والنهوض بقطاع التعليم.
رابط التقرير:
Education-report-april11.pdf (lebanesestudies.com)