إنّك تقدر أن تصحب الحصان إلى حوض الماء، ولكنّك لا تستطيع أن تجبره على أن يشرب منه
الدافعيّة إلى التعلّم من الموضوعات الهامّة التي حظيت باهتمام بالغ في المجال التربويّ، من قبل الباحثين والعلماء والفلاسفة. ترجع أهمّيّتها إلى دورها في تحقيق الاستمرار والنجاح في عمليّة التعلم. فعندما يمتلك الطلبة دافعًا إلى التعلّم، سيحقّقون نتائج فُضلى، وسيكتسبون المعرفة بسهولة، وسيقومون بأداء المهام بشكل جيّد، وسيتقدّمون بثبات في مسيرتهم التعليميّة. وللدافع دور كبير في تجاوز حالة الإحباط واليأس والحزن عند الطلبة، من خلال مساعدتهم على امتلاك قيم، منها التحدّي، والصبر، وعدم الاستسلام للمصاعب، وزيادة الثقة بالنفس، واتّخاذ القرارات السليمة والمناسبة للموقف، وحلّ المشكلات.
فما هي الدافعيّة؟ ما الذي يجذب ويحفّز الطلبة على التعلّم ويزيد من دافعيّتهم؟
الدافعيّة هي القوّة المحرّكة التي تدفع الطلبة إلى الرغبة والاهتمام بالعمليّة التعليميّة، لإشباع حاجاتهم ورغباتهم. وتعدّ مصدرًا للعمليّات المهمّة التي تحفّزهم وتشجعهم على عملٍ معيّن، والسعي نحو تحقيق أهدافهم وما يرغبون بالحصول عليه، والانتباه للموقف التعليميّ والإقبال عليه. وتعتمد الدافعيّة على درجة الجهد والمثابرة والاستمرار المبذولة في التعلّم والبحث والاستكشاف.
ويعرّفها العلماء أيضًا "بأنّها تشير إلى مدى استعداد الفرد وميله إلى السعي في سبيل تحقيق هدف ما، والنجاح في تحقيق ذلك الهدف وإتقانه".
وتنبع الدافعيّة للتعلّم من المصادر الداخليّة؛ أي من داخل الطالب، إذ يسعى إلى إرضاء نفسه بالشعور بالسعادة لتقدير المعلّمين والأسرة له. ومن المصادر الخارجيّة المُحفّزة لشعور الدافعيّة، وتشدّ الطالب وتشجّعه على التعلّم: الأصدقاء والأسرة والمعلّم ومدير المدرسة، ومؤسّسات المجتمع مثل الأندية، والمكتبات، ووسائل التواصل الاجتماعيّ صاحبة الدور الكبير في التأثير في دافعيّة الطلبة.
قوّة البدايات هي ما يهمّنا. عندما يبدأ الطالب عامه الدراسيّ بقوّة، ويكون قادرًا على مواجهة نقاط ضعفه، ويتعلّم ما هي مصادر قوّته، تزداد ثقته بقدراته وصلابته نحو تحقيق هدفه، ويكون قادرًا على الاستمرار وتخطّي الصعاب. وكلّما تعرف أكثر إلى احتياجاته الأساسيّة وربطها بالدافعيّة، يصير أكثر قدرة على إدراك سلوكه واتّجاهاته وأهدافه نحو الحياة، مثلًا: إذا شعر الطالب بالجوع يفكّر في الطعام، وهو احتياجه الأساسيّ في تلك اللحظة، ما يدفعه إلى البحث عن الطعام وكذلك العطش. ولا يقلّ أهمّيّة عن ذلك الاحتياج العاطفيّ والحاجة إلى التقدير، والحبّ وتحقيق الذات، ما تحدّث عنه ماسلو من خلال "هرم ماسلو" للاحتياجات الإنسانيّة، وهي: الحاجات الفسيولوجيّة من مأكل ومشرب؛ الاحتياج إلى الأمان؛ وجود مكان آمن وبيت وأسرة؛ الاحتياجات الاجتماعيّة؛ والاحتياج للتقدير؛ والحاجة إلى تحقيق الذات.
لماذا تطرقنا إلى الاحتياجات؟
الدافعيّة هي القوّة المحرّكة التي تدفع الطلبة إلى الرغبة والاهتمام بالعمليّة التعليميّة لإشباع حاجاتهم ورغباتهم، فإذا كان الطالب جائعًا أو عطشًا، هل سيتمكّن من التركيز مع المعلم؟ إنّ وعي الطالب بالاحتياجات يشكّل الواقع، ومنه سيبادر إلى تلبية احتياجاته من خلال مُشاركة المعلّم حاجته إلى الطعام في الصفّ، أو الصبر إلى موعد الاستراحة. تتطلّب هذه المُشاركة من المعلّم حساسيّة إلى احتياجات الطالب الأساسيّة، فيقدّم إليه حلًّا ويعاونهُ على تلبيه احتياجاته. كما أنّ الانتباه إلى احتياجات الطالب يساعد على زيادة دافعيّته إلى التعلّم في الحصّة، لاحقًا لتكوّن علاقة طيّبة وثقة بين المعلّم والطالب نتيجة حساسيّة المعلّم وتعبير الطالب.
مثالٌ آخر: يحتاج الطالب إلى بيئة آمنةٍ، وهذا جزء من هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانيّة. يُحقّق هذا الاحتياج بتوفيرِ مكانٍ آمنٍ للطالب لا يُضرب فيهِ ولا يُهان، ويُحترم وتُسمع أفكاره، ضمن صفّ دراسيّ يُقاد بالعدالة والقوانين والرعاية. هذا الوضع سيؤثّر في زيادة دافعيّة الطالب إلى التعلّم، فهو ضمن بيئة تحترمُ ما يقولُ وكيف يفكّر. وكم هي كثيرة ومتكرّرة قصص الطلبة المهمّشين نتيجةَ تحصيلٍ متدنٍ، أو غيابٍ متكرّر، أو سلوكٍ غير منضبط ينبع من حاجةٍ إلى التقدير أو الانتباه. وفي اللحظة التي نلتفتُ إليهم ونتابعهم، ونُشجّعهم على تقدير أنفسهم، نلحظ، على الفور، تغييرًا ملحوظًا في اتّجاهاتهم التعليميّة، بازدياد دافعيّتهم إلى التعلّم، وبذلك تتحقّق أهدافنا من خلال تفاعلهم الإيجابيّ في الصفّ والمدرسة.
وضمن هذا السياق، هناك أسباب واحتياجات عدّة تؤثّر في دافعيّة الطلبة، نذكر منها:
- - عدم وعي الطالب لأهمّيّة التعليم ودوره في تقدّمه وتطوّره وتحسين فرصه بالحياة.
- - طرق التدريس لا تتلاءم واحتياجات الطلبة المعرفيّة والعاطفيّة، ولا سيّما التقليديّة منها التي تُفقد الطالب اهتمامهُ بالتعلّم.
- - انعدام الثقة بالنفس يؤثّر في دافعيّة الطلبة إلى التعلّم، ما يقلّل من ثقتهم بقدراتهم وإمكاناتهم وتقديرهم لذواتهم.
- - العوامل الثقافيّة والاجتماعيّة المحيطة بالطالب التي قد تقلّل من أهمّيّة التعليم، فلا تشجعه على التعلّم ولا تحفّزه، ما يُضعف دافعيّته واتّجاهاته نحو التعليم.
ومن أجل التغلُّب على هذه العوامل، وتعزيز الدافعيّة، علينا مراعاة احتياجات الطلبة، لتعزيزها لديهم، وفهم احتياجاتهم، والتواصل الفعّال معهم، وتحفيزهم على التعلّم واكتساب المعرفة بسهولة ويسر. إضافة إلى العمل على توعيتهم لأهمّيّة التعليم وإيجاد قدوتهم، باستعراض قصص نجاح لطلبة وعلماء ومخترعين أضافوا جديدًا إلى العالم، ومساعدتهم على صوغ أهداف واضحة وقابلة للقياس، وواقعيّة تلائم إمكاناتهم وقدراتهم. كما إشراكهم في تحدّيات ومنافسات مناسبة، لتزيد من دافعيّتهم ورغبتهم في تحقيق نتائج فضلى، وتصميم برامج تعليميّة وطرائق تدريس مناسبة ومتنوّعة غير تقليدية، وتوفير بيئة مشجّعة آمنة إيجابيّة داعمة، تُساعدهم على التفكير والنقد وإثارة الأسئلة، تكون ملائمة للتعلّم وللاستكشاف.
تجدر الإشارة إلى دور الأسرة الفارق في تعزيز الدافعيّة والتواصل الفعّال والتحفيز المستمرّ على التعلّم، بواسطة الكلمات التحفيزيّة، ومشاركة أبنائهم النجاح، ومساعدتهم على مواجهة التحدّيات، وتقدير جهودهم، وحثّهم المستمرّ على التعلّم.
في النهاية، تعزيز الدافعيّة إلى التعلّم عمليّة مستمرّة ومستدامة، تحتاج إلى بيئة آمنة وداعمة ومساندة ومحفّزة تلبي احتياجات الطلبة، وتساعدهم على الاستمرار وعدم اليأس، وتقلّل من الإحباط لديهم، وتسهم في تطوير قدراتهم على اكتساب المعرفة والتعلّم وتعزيز مهاراتهم الحياتيّة، ليزداد تحصيلهم المعرفيّ والأكاديميّ، فالتعليم يحتاج إلى صبرٍ وجلدٍ وقوّة البدايات.