فلسفتي في التعليم
فلسفتي في التعليم
2024/11/03
هناء الكردي | خبيرة تربويّة- الأردن

ستّة وخمسون عامًا في التعليم: رحلة عبر المدارس المختلفة

أمضيتُ ستّة وخمسين سنة من حياتي في مجال التعليم، متنقلةً بين المدارس الحكوميّة والخاصّة، العربيّة والأجنبيّة. تنوّعت هذه المدارس بشكلٍ كبيرٍ، إذ حمل كلّ منها طابعًا خاصًّا ومبادئ مميّزة، كان لها تأثير مباشر في أسلوب الممارسة التعليميّة والعمل اليوميّ.

 

هدف التعليم: تحقيق التوازن والنموّ الشامل

التعليم أكثر من مجرّد نقل المعرفة؛ إنّه عمليّة شاملة تهدف إلى تمكين الطفل من الوصول إلى أقصى درجات الإنجاز، ضمن توازن مثاليّ بين النموّ الروحانيّ والعاطفيّ والاجتماعيّ. هذه الأبعاد الثلاثة تُشكّل الأساس لتطوير شخصيّة متكاملة قادرة على التعامل مع تحدّيات الحياة.

 

المبادئ التي تساعد في إنشاء مدرسة جيّدة:

1. نوعيّة المدرسة التي يرغبون في بنائها: يجب أن تكون هناك رؤية واضحة لنوعيّة المدرسة، سواء كانت تركّز على الإبداع أو الانضباط أو القيم الاجتماعيّة.

2. المبادئ والوسائل التربويّة التي يتّبعها البالغون لمساعدة الطفل على النموّ، مع التركيز على تطوير مهارات التفكير النقديّ، والقدرة على التعاون، وحلّ المشكلات.

3. بيئة تعليميّة داعمة: توفير بيئة آمنة ومحفّزة تساعد الطلّاب على التعلّم والنموّ. يجب أن تكون هذه البيئة خالية من التنمُّر والتمييز، وتدعم التعاون والاحترام المتبادل.

4. احترام الاخرين: هو الأساس الذي يقوم عليه المجتمع المدرسيّ الحقيقيّ مع الممارسة. وهو يعني أنّ على المدير احترام كادره، والكادر بدوره يحترم بعضه كمجموعة أصدقاء اجتمعوا على مهمّة صعبة، مثل تسلّق جبال، كلّ منهم يعرف أنّ جزءًا من الطريق يعتمد على عمله. وهُم فريق اجتمعَ على الاخلاق الحميدة والثقة المتبادلة والتعاون.

 

الانضباط والحرّيّة: المعادلة الذهبيّة

لا يمكن تعليم الانضباط الذاتيّ في فراغ. الأطفال، مثل البالغين، قد يجدون متعة مؤقّتة في الفوضى، لكنّهم سرعان ما يفضّلون بيئة منظّمة توفّر لهم إطارًا يساعدهم على العمل واللعب بفعّاليّة. لذلك، يجب أن تكون المدرسة مكانًا يُحترم فيه القانون والنظام. ومع ذلك، يجب أن يكون هذا الاحترام نابعًا من فهم عميق لأهمّيّة النظام في تحقيق الأهداف المشتركة، وليس مجرد فرض للسُّلطة.

 

المدرسة مكان للتعلّم لا للتلقين

المدرسة ليست مصنعًا لتلقين المعلومات، وليست مجرّد مؤسّسة تهدف إلى التنافس الأكاديميّ. إنّها مجتمع يسعى أفراده لتحقيق هدف مشترك يتمثّل في بناء شخصيّة متكاملة للطلّاب. عندما تكون العلاقات الشخصيّة مبنيّة على الاحترام المتبادل والثقة، ينعكس ذلك بشكل إيجابيّ على البيئة التعليميّة، ويُعزّز من روح التعاون.

 

العلاقات الشخصيّة: جوهر المدرسة الناجحة

العامل المشترك بين المدارس الناجحة هو العلاقات الشخصيّة السليمة داخلها. في هذه المدارس، تُتّخذ معظم القرارات من خلال الحوار والنقاش، مع احترام آراء الجميع. الأفراد في المدرسة، سواء أكانوا طلّابًا أم معلّمين، هم من يصنعون نجاحها. فالأبنية الجيّدة والمعدّات ليست سوى إطار خارجيّ، الأهمّ كيفيّة تعامل الناس مع بعضهم.

 

تحدّيات القيادة التعليميّة: رؤية إلى المستقبل

القيادة التعليميّة تتطلّب رؤية واضحة تعتمد على احترام الآخرين، أساسًا للمجتمع المدرسيّ الحقيقيّ. المدير يجب أن يحترم كادره، والمعلّمون يجب أن يحترموا بعضهم فريقًا يعمل معًا لتحقيق مهمة صعبة.

 

دور القيم الدينيّة/ الأخلاقيّة في التعليم

القيم الدينيّة/ الأخلاقيّة تشكّل إطارًا أساسيًّا لتأثير التعليم في الشخصيّة والتفاعل المجتمعيّ. من خلال دمج القيم الروحيّة في المناهج الدراسيّة. يمكن للإدارة والمعلّمين أن يوفّروا للطلّاب تجربة تعليميّة تُعزّز من فهمهم للمسؤولية الأخلاقيّة واحترام الآخرين. المعلّمون يجب أن يسعوا جاهدين لتوحيد تعاليمهم الدينيّة والأخلاقيّة مع سلوكهم الشخصيّ، ليكونوا قدوة حسنة للطلّاب الذين يراقبون كلّ تصرّف.

 

التحدّيات والمبادئ: في مواجهة المستقبل

غياب الشعور المهنيّ لدى بعض المعلّمين يؤدّي إلى فشلهم وفشل طلابهم. وعلى الرغم من التحدّيات التي تواجهها المدارس، إلّا أنّ النجاح يعتمد بشكل كبير على العلاقات الإنسانيّة الجيّدة بين جميع أفراد المجتمع المدرسيّ. السلطة يجب أن تكون موجودة ولكن بتأثير بسيط، لكسب ثقة الأطفال وإيمانهم بأنّها من مصلحتهم.

 

نحو مستقبل تعليميّ مشرق

فلسفتي في التعليم تعتمد على الإيمان بأنّ التعليم يجب أن يسعى لخير الإنسان في الماضي والمستقبل. هذا الاعتقاد يمنحُ معنى لعمل المعلّم، فهو ليس مجرد ناقل للمعرفة، إنّما موجّه يُسهم بتطوير سلوكيّات الطلّاب وتعاملهم مع الآخرين. التعليم ليس مجرّد عمليّة نقل للمعرفة، بل رحلة مستمرّة نحو اكتشاف الذات وتنمية المهارات الحياتيّة.

 

في نهاية المطاف، تتطلّب القيادة التعليميّة رؤية تتعدّى حدود الفصول الدراسيّة، لتشمل مستقبل الأجيال القادمة. بتحقيق هذه الرؤية، يمكننا أن نضمن توفير بيئة تعليميّة نابضة بالحياة، وتحفّز الابتكار، وتلهم الأفراد لتحقيق إمكاناتهم الكاملة.