أطلقت إصدارات ترشيد التربويّة، 2024، كِتاب "عبور مسارات التفكير النقديّ: منهجيّات العقل والوعي الاجتماعيّ"، وهو الجزء الأوّل من كتاب "عبور التخصّصات والخِطابات: منهجيّات وتطبيقات في التعليم التكامليّ"، من تأليف: د. وائل كشك، ستتبعه ثلاثة أجزاء تُنشر مُتمّمةً المشروع.
ثمّة أربعة أُسس راسخة مؤسّسة لمشروع كتاب "عبور التخصّصات والخِطابات: منهجيّات وتطبيقات في التعليم التكامليّ"؛ أوّلها وأهمّها أنّ فهم أيّ موضوع أو تخصّص فهمًا عميقًا، يتطلّب النظر في تشابكه مع مجالات وتخصّصات أخرى. فالمشكلات والتحدّيات الواقعيّة لا تقتصر على مجال واحد، ومن ثمّ فإنّ تحليلها وحلّها يتطلّبان تكاملًا بين التخصّصات المختلفة؛ إذ لم تعُد التخصّصات المستقلّة التقليديّة في النظام التربويّ كافية لإعداد الأجيال القادمة لتحدّيات القرن الحادي والعشرين. يضاف إلى ذلك أنّه تمكن الاستفادة من معارف كثيرة ضائعة في حال اجتياز الحدود بين التخصّصات المختلفة.
هذا الكتاب بأجزائه الأربعة، يمثّل رحلة فريدة في أعماق التجربة الإنسانيّة والمعرفيّة، رحلة تتجاوز حدود التعليم التقليديّ، لتلامس جوهر الإنسانيّة، وتستكشف إمكانات التعلّم التكامليّ في سياقاتها. تفتح هذه التجربة نوافذ واسعة على آفاق جديدة في التعليم، وترسم مسارًا لا يخضع لقوالب جامدة أو مسارات محدّدة سلفًا.
التعليم في هذا الكِتاب ليس عمليّة لنقل المعرفة فحسب، بل هو أيضًا فنّ يستمدّ إلهامه من كلّ شيء: من قصص الناس، ومن مشاهد الطبيعة، ومن النصوص النثريّة والشعريّة، وحتّى من الأخطاء التي تصنع التعلّم. كلّ تجربة في هذه الرحلة بمنزلة نهر متدفّق يحمل معه آمالًا وطموحات وأفكارًا، ويلتفّ ويتشعّب، ليفتح آفاقًا عند كلّ منعطف؛ فما بدا نهايةً، كان دومًا بدايةً لطريق آخر مليء بالاكتشاف والمعنى.
يتكامل هذا المشروع بأجزائه الأربعة، ليقدّم منهجيّة تعليميّة شاملة تعزّز التفكير النقديّ، والتحليل البصريّ أو التاريخيّ، أو السرديّ. ومن خلال الربط بين هذه الأجزاء، يقدّم رؤية متكاملة تتيح للطلّاب والمعلّمين تطبيق المعارف والمهارات بطرائق متعدّدة ومتنوّعة، ما يثري العمليّة التعليميّة، ويجعلها أكثر فاعليّة وتفاعلًا مع تحدّيات العصر الحديث.
الجزء الأوّل: عبور مسارات التفكير النقديّ: منهجيّات العقل والوعي الاجتماعيّ
يضمّ الجزء الأوّل فصلًا تأسيسيًّا تمهيديًّا، يهدف إلى تقديم إطار شامل يمهّد لفهم محتويات الكتاب وأجزائه الأربعة على نحو أعمق، ووضع أساس مفاهيميّ للنقاشات والمفاهيم التي سيجري تناولها بطريقة تفصيليّة في الأجزاء اللاحقة. ويستند هذا الفصل إلى مجموعة من الأعمدة المفاهيميّة التي تشكّل ركائز الكتاب الأساسيّة، ومن شأن ذلك أن يُكسب القارئ نظرة شاملة ومنهجيّة في نظرته إلى المواضيع المتنوّعة التي يعالجها هذا الكتاب.
يُستكشَف، في هذا الجزء، عالم التفكير الناقد، والذي هو مهارة أساسيّة تزداد أهمّيّتها في عصر المعلوماتيّة الذي نعيشه. ويتيح هذا النوع من التفكير تحليل المعلومات بطريقة دقيقة ومنطقيّة، فيساعد ذلك الأفراد على اتّخاذ قرارات حكيمة، وفهم العالم من حولهم على نحو أعمق. وفي ضوء التغيّرات السريعة وتدفّق المعلومات الهائل في عصرنا الحديث، يصبح التفكير الناقد أداةً لا غنًى عنها للتفريق بين الحقيقة والزيف، وللتمكّن من تقييم المصادر والبيانات تقييمًا موضوعيًّا.
يقدّم هذا الجزء مزيجًا متوازنًا من النظريّات الأساسيّة والتطبيقات العمليّة، عبر ثلاثة أقسام تهدف إلى تعزيز فهم التفكير الناقد، وفهم قدرته على إحداث إزاحة حقيقيّة في منهجيّة التفكير. ويستعرض في كلّ قسم مفاهيم وأطرًا نظريّة متعلّقة بهذا التفكير، تكون مرتبطة بأمثلة تطبيقيّة وتمارين عمليّة حتّى تساعد القرّاء على تطوير مهاراتهم النقديّة. وتتنوّع المواضيع من استكشاف أُسس نظريّة للتفكير الناقد، إلى تطبيقاته في التخصّصات الأكاديميّة المختلفة، إلى كيفيّة مواجهة الخرافات و"العلوم الزائفة"، وصولًا إلى التعامل مع اضطراب المعلومات في عصر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ. ويشتمل هذا الجزء من الكتاب على الأقسام الآتية:
القسم الأوّل: التفكير الناقد، أُسسه وتطبيقاته
يهدف هذا القسم إلى تأسيس قاعدة معرفيّة صلبة، من شأنها أن تساعد القرّاء على تعرُّف أساسيّات التفكير النقديّ، وأهمّيّته في تحليل المعلومات وتقييمها بفاعليّة.
في الفصل الأوّل من هذا القسم، يتعمّق الكتاب في الأسس النظريّة التي تشكّل هذه الممارسة الفكريّة العميقة والضروريّة، ويبدأ بتعريف هذا التفكير بطرائق متنوّعة، موضّحًا كيف أنّ النظريّات تتقاطع وتتكامل لتشكيل فهم شامل لمهارات التفكير، مركّزًا، بشكل خاصّ، على العناصر الأساسيّة والعمليّات الواقعة في نطاق التفكير الناقد.
وفي إثر ذلك، يتناول الكتاب في الفصل الثاني من القسم، تطبيقات التفكير الناقد في مجالات مدرسيّة تخصّصيّة متنوّعة، ويستكشف إمكانات هذا المنهج الفكريّ العميق في تعزيز التعلّم وتوسيع الآفاق في مختلف التخصّصات. يشتمل القسم على عشرات الأنشطة التي يتجلّى فيها دمج التفكير الناقد في المناهج الدراسيّة، وسيُبرَز الجانب التكامليّ بين التخصّصات، ما يساعد الطلّاب والمعلّمين وغيرهم، في تطوير مهاراتهم النقديّة والتطبيقيّة في سياقات تعليميّة وعمليّة متنوّعة.
القسم الثاني: تفنيد الخرافات وتفكيك العلوم الزائفة
يقدّم الكتاب في هذا القسم فصلًا يشكّل مدخلًا مفاهيميًّا للتفكير الخرافيّ واللاعقلانيّ، ويسلّط الضوء على الخطّ الواهي بين العلوم الحقيقيّة والعلوم الزائفة. كما يقدّم فصلًا آخر من تمارين وتحرّيات، تهدف إلى تعزيز قدرات الطلّاب على نقد التفكير الخرافيّ والتصدّي للعلوم الزائفة، والتي تسعى لتشويه الحقيقة وتضليل العقول. ويستعرض إمكانات للتفكير الناقد في أن يكون أداة قويّة مواجِهة للخرافات والتزييف وصناعة الوهم.
القسم الثالث: الكشف عن اضطراب المعلومات والمحتوى الزائف
تُعرض في هذا القسم، في فصلين وعلى نحو مفصّل، أنواع اضطراب المعلومات الثلاثة: المعلومات المضلِّلة، والمعلومات الخطأ، والمعلومات المضرّة، إضافة إلى الإشاعة والبروباغندا، بوصفهما من أبرز الأدوات التي تستخدم في نشر المعلومات نشرًا مضطربًا. كما تُعرض في القسم أمثلة وأنشطة ومشاريع، تستدعي مهارات التفكير الناقد في مواجهة اضطراب المعلومات بمختلف أنواعها.
ويُطمح، من خلال هذه الأقسام الثلاث، إلى أن يكون هذا الجزء من الكتاب مرجعًا عمليًّا ونظريًّا تمكن الاستفادة منه في السياق المدرسيّ، وفي حياة الطلّاب والأفراد اليوميّة والمهنيّة أيضًا. إذ سعى المؤلّف، عبر هذه الأقسام، لتزويد القرّاء بالمعرفة والأدوات اللازمة ابتغاءً لتطوير مهارات التفكير الناقد، خصوصًا وأنّ هذا الجزء من الكتاب يقدّم دعمًا شاملًا، عمليًّا ونظريًّا، يمكن الاعتماد عليه في تحقيق هذه الأهداف.