لو كنت طالبًا اليوم، كيف سيكون شكل التعليم الأحبّ بالنسبةِ إليك؟
التربية والتعليم المتكاملان، التربية الروحيّة، والفكريّة، والعلميّة، والاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والمهنيّة، وتفعيل أساليب السؤال والحوار، والبحث والتجربة والتطبيق، والقيادة وتحمّل المسؤوليّة، وحلّ المشكلات، وتفعيل الأنشطة، كالرحلات والزيارات والمبادرات.
إلى أي مدى يمكن التوفيق بين تعليم المهارات الاجتماعيّة وتعليم المعارف العلميّة وفق البرامج التعليميّة الحديثة؟
أعتقد أنّه يمكن ذلك من خلال الأنشطة، كالأنشطة الجماعيّة التي تنمّي التعاون والمبادرة والمسؤوليّة، وتفعيل التعلّم التعاونيّ والمشاريع الطلّابيّة، وتحفيز الطلبة على المشاركة والبحث والتطبيق.
كيف تحدّد أهمّيّة دورك، معلّمًا، أمام ما يشهده عصرنا من ثورة الذكاء الاصطناعيّ؟
المعلّم في التعليم كالرئة في الإنسان، فهو الرئة التي تتنفّس منها العمليّة التربويّة. وبرأيي، أهمّيّة المعلّم اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، ولا تستطيع التقنيّات الحديثة، أو الذكاء الاصطناعيّ، أن تقوم بدوره بشكل كامل؛ إذ لا تستطيع أن تقوم بأدوار المعلّم التربويّة، والأخلاقيّة، والاجتماعيّة، والجماليّة، والإبداعيّة. ذلك أنّ عمليّة التربية ليست عمليّة صمّاء، حتّى تحقّق أهدافها آلات وأجهزة وجمادات، مهما خزّنت بالمعلومات. التربية عمليّة تفاعليّة بين المتعلّم والمعلّم: مشاعر؛ حبّ؛ تفاعل؛ تنمية قيم؛ تعزيز سلوك؛ تعلّم مهارة؛ اكتشاف موهبة؛ تحقيق ذات؛ حلّ مشكلات... إلخ، وهذه لا تستطيع أن تقوم بها التقنية والذكاء الاصطناعيّ، لكن يمكن الاستفادة منهما في عمليّة التعليم بالقدر المعقول.
متى يكون الإشراف التربويّ مفيدًا للممارسة التعليميّة؟
من خلال التجربة والبحث، أرى أنّ الإشراف التربويّ مفيد عندما تتحقّق فيه مجموعة من المعايير، منها أن يكون عضو الإشراف من المعلّمين الذين عملوا في التدريس، لمدّة لا تقلّ، مثلًا، عن خمس سنوات، وألّا يقلّ مؤهّله العلميّ عن ماجستير تربويّ. وعندما يكون الإشراف لتحسين الأداء، ونقل الخبرات والتجارب الجيّدة للاستفادة منها، ويعزّز دور المعلّم، ويحفّزه على التجديد والإبداع، ويتيح له المجال لاختيار الوسائل التي يراها مناسبة.
ما الأساليب الناجعة، في نظرك، لحلّ النزاعات بين الطلّاب داخل غرفة الصفّ؟ وما الأطراف التي ينبغي أن تشارك في هذه العمليّة؟
أرى أنّ هناك عنصرًا أهمّ من الأساليب، وهو شخصيّة المعلّم: الشخصيّة القويّة. ولا أقصد في قوّة الشخصيّة هنا القهر والاستبداد، وإنّما الشخصيّة التي تجمع بين الشدّة والرفق، فالتربية لا تثمر بالقهر والعنف، وإنّما بالحبّ والرفق، وقدوتنا في ذلك معلّمنا الرسول صلّى الله عليه وسلّم. أمّا من الأساليب الناجعة: مهارات الإدارة الصفّيّة، والعدل بين الطلّاب، وعدم تأجيل حلّ المشكلات، وتفعيل الجلسات الثنائيّة والجماعيّة، والأنشطة التي تعزّز قيم الحبّ والتعاون. وبالنسبة إلى الأطراف، أرى أن تحلّ المشكلات من طرف المعلّم، ولا بأس في المشكلات التي تستدعي التدخّل وتعاون أطراف أخرى، من المعلّمين أو من المشرفين، وممكن من الطلّاب، وأيضًا بالتعاون مع أولياء الأمور.
هل استخدام الأدوات التكنولوجيّة في التدريس إيجابيّ دائمًا؟ وما حدود استخدامها؟
أرى أنّ استخدامها إيجابيّ، وأعتقد أنّنا لسنا بحاجة إلى استخدامها دائمًا، وإنّما في حدود الحاجة إليها، وفق متطلّبات الموقف التعليميّ، أو الموضوع، أو المادّة. لا توجد وسيلة أو برامج أو طريقة معيّنة مفيدة وما دونها غير مفيد، فلكلّ مادّة وموقف ونشاط خصوصيّته، وله ما يناسبه من الوسائل والأساليب.
هل يشكّل تدخّل الأهل مصدر دعم دائمًا في تعلّم ابنهم؟ وكيف؟ وهل هناك توقيت مناسب لهذا التدخّل؟
الأسرة والمدرسة شركاء في التربية والتعليم. وبالتالي، تدخّل الأسرة يدعم تعلّم الطالب، ويمكن أن يكون التدخّل متابعة لمدّة معيّنة في اليوم. ويستحسن التنوّع في أسلوب التدخّل، كأن يكون حوارًا، أو مناقشة، أو مراجعة، أو إثراء ما درسه برحلة أو نشاط أو تطبيق، أو اطّلاعًا على التقرير المدرسيّ. من المهمّ أن يكون التدخّل في حدود معيّنة، كتفسير إشكال إن وجد، أو تنمية مهارات، أو إثراء معلومات، أو متابعة وتقويم سلوكيّات، وألّا يكون تدخّلًا كلّيًّا يجعل الطالب اتّكاليًّا متلقّيًا، لا يشارك في البحث والمحاولة، والاستنتاج والتعلّم الذاتيّ.
هل تجد أنّه قد آن الأوان للتخلّي عن الكتاب المدرسيّ بشكل كامل؟ لماذا؟
لا أعتقد أنّ التخلّي عن الكتاب أمر إيجابيّ، سواء حاليًّا أو حتّى مستقبلًا. يظلّ الكتاب عنصرًا مهمًّا في عمليّة التعليم، ومصدرًا جيّدًا للمعلومات للطلّاب، وبالتالي ليس من الإصلاح التربويّ إلغاء الكتاب، وإنّما نستطيع القول إنّ العديد من عناصر العمليّة التعليميّة، ومنها الكتاب المدرسيّ، بحاجة اليوم إلى إصلاح وتطوير، حتّى تؤدّي دورها المنشود.
كم يجب أن تكون مدّة الدوام المدرسيّ اليوميّ برأيك؟
من خلال التجربة والبحث، أرى أن تكون من خمس إلى ستّ ساعات، شرط أن تستثمر جيّدًا، فليست العبرة في المدّة التي يقضيها الطالب في المدرسة، إنّما في الكيف والفائدة التي سيحصل عليها. ومن المقترحات التي يمكن تطبيقها لاستثمار وقت المعلّم والطالب جيّدًا، توفير البيئة المدرسيّة المناسبة والجاذبة، وأن يكون اليوم الدراسيّ في أكثر من بيئة، بما يتناسب مع الموضوع والمادّة، ولا يجلس الطالب داخل حجرة واحدة في جميع الحصص، وإنّما يمكن أن يدرس في الحجرة الدراسيّة، ويقرأ في المكتبة، ويطبّق في المعمل، ويمارس الرياضة في الملعب، وممكن أن تكون الحصّة في مكان آخر غير ما اعتاد عليه الطالب، كأن تكون في الهواء الطلق، أو في مزرعة قريبة من المدرسة، في مادّة متعلّقة بالزراعة. والأمثلة كثيرة، لكن لا يسع المجال لذكرها جميعًا
صِف لنا مسار التعليم في مدرستك مُستخدمًا عنوان رواية لذلك، وأخبرنا عن السبب وراء اختيار هذه الرواية.
قرأت العديد من الروايات، لكن هناك موقف أبلغ من كلّ الروايات، على الأقلّ بالنسبة إليّ، أثّر فيّ؛ كنت مع مجموعة من المعلّمين والزملاء، نجتمع بين فترة وأخرى في أماكن خارج المدرسة، غالبًا للترويح عن النفس. وفي أحد الأيام التقينا بعد صلاة العشاء، جلسنا وتبادلنا أطراف الحديث، والهموم المشتركة، ومارسنا بعض الألعاب، ومكثنا عدّة ساعات، ثمّ غادرنا المكان وتفرّقنا، وذهب كلّ منّا باتّجاه معيّن. منهم من عاد على متن سيّارة، وأنا، لحاجة في نفسي، اخترت مرافقة موجّه تربويّ، وعدنا سيرًا. وفي الطريق سألته: ما بك يا أستاذ صامتًا لم تشاركنا الحديث؟
فقال لي بصوت مبحوح حزين: اختبأتُ اليوم ثلاث مرات وغيّرت طريقي، مرّة من صاحب البقالة، ومرّة من جاري الذي يقرضني علاج طفلتي، وغادرت المنزل من دون أن يشعر الأهل، ليس تجاهلًا، بل لأنّني لا أريد أن يروني (يقصد زوجته وأولاده)، في لحظة ضعف، مكسورًا عاجزًا، فينكسروا ويتألّموا!
تساءلت، وفي روحي ألف غصّة، أيليق هذا الوجع والقهر بمعلّم أفنى عمره في التربية والتعليم؟ أكثر من 30 عامًا في الميدان التربويّ، في التدريس والتوجيه، في أكثر من مدرسة ومحافظة؟ أهكذا يُكافأ معلّم الأجيال؟
ثمّ حاولت أن أتماسك أمامه، أن أبتسم، أن أهوّن عليه، أن أربّت على كتفه، لكن لم أستطع، فقد خانتني العبرة، شعرت بوجعه وقهره، جعلت نفسي مكانه، فشعرت وكأنّ السماء قد انطبقت على الأرض، وأنا بينهما أتنفّس الهواء من ثقب إبرة.