دور المعلّم في توظيف التّمايز في التّخطيط والتّدريس والتّقييم
دور المعلّم في توظيف التّمايز في التّخطيط والتّدريس والتّقييم
2024/10/27
آيات عدنان صلاح | كاتبة ومعلّمة لغة عربيّة- الأردن

التّمايز في مجمل العمليّة التّعليميّة ليس وليد اللّحظة، بل هو متطلب فطريّ جبلت النّفس البشريّة عليه. دعا إليه أبرز المفكرين، على غرار توملينسون وبلوم، على اعتباره نهجًا يهدف إلى تخصيص تجربة التّعلم لجميع الطّلبة، بما يتلاءم مع مستواهم وأسلوب تعلّمهم. ولنجاح التّمايز في التّعليم، علينا أن نوفّر فرصًا متنوّعة ومناسبة لجميع الطّلبة، ومراعاة مهارات التّعلم ومستوياته.

وفي هذا السياق، لفت انتباهي في حصّة اللغة العربيّة للصفّ السابع، تقديم المعلّمة الموجّهة حصّة التّحدّث في مختبر الحاسوب: إذ طرحت تمهيدًا مشوّقًا جذب أنظار الطّالبات، بعرض مقطع فيديو يحاكي موضوع التّحدث، غنيّ جدًا بالمؤثرات البصريّة والسمعيّة والدّلالات المنطقيّة، مع تقييمها المستمرّ لسير التّعلم باستعمال استراتيجيّتَي "العصف الذهنيّ" و"سؤال وجواب"، وتدوين التّقييم على سلم التقدير اللفظيّ. وما لبثت أن وزّعت المهام، تاركةً حرّيّة الاختيار للطالبات من أجل تكوين إذاعة مدرسيّة تحاكي موضوع التّحدّث، بحيث يتّفق كامل الأعضاء، على اختيار الفقرة التي سيقومون بإعدادها وتقديمها. واختتمت الحصة بلعبة على ((Word Wall ما خلق جوًّا تفاعليًّا وحماسيًّا، الأمر الذي دفعني إلى محاولة الإجابة عن عدّة محاور مهمّة انبثقت من تأمّلي لحصّتها:

1. كيف يوظّف المعلّم التّمايز في مجمل العمليّة التّعليميّة تخطيطًا وتدريسًا وتقييمًا؟

2. هل يلبّي توظيف التّمايز في التّعليم احتياجات المتعلّمين؟

3.كيف يحقق التّمايز تعلمًا فعّالًا؟

 

أشارت دوبيت وهوكيت في كتابهما، "Differentiation in the Elementary Grades" (2017)، إلى أنّ التّمايز رحلة دائمة لا يستطيع المعلّم أن ينتهي منها أبدًا. وتتحسّن رحلته من خلال التّخطيط لاحتياجات الطّلبة بشكل مستمرّ، وممارسة هذا التّخطيط واقعًا، ورصد تغذية راجعة من خلالها تُطوَّر التّقنيات باستمرار لتحسين تجربة التّعلم. وأوّل ما يحتاج إليه الارتقاء، تحوّلاتٍ في المعتقدات حول ماهيّة التّمايز، مصاحبة بتعديلات في الأساليب والمهام. وليس المقصود بالتّنوع هنا التّسلية، بل نهج محسّن يضمن وصول الطّلاب إلى وجهة التّعلم ذاتها (الهدف)، حتّى لو كان ذلك من خلال مسارات مختلفة، فيدرك المعلم امتلاك كلّ طالب نقاط قوة ونموّ، ويعدّل تدريسه وفقًا لذلك من خلال استخدام التجميع المرن. وأنسجم تمامًا مع الكاتبتين في ضرورة التّخطيط المراعي للتّمايز في استراتيجيّات المعلّم وتقييمه وإجراءاته، وانعكس ذلك في خططي ودعمته من خلال مهام قبليّة وبعديّة، موظفةً التّكنولوجيا ومجموعات التّواصل، وعقدت مجموعات مرنة، فلمست الأثر الفارق في الوصول السلس والممتع إلى الهدف.

وقد وضّح عبد الرّزق وسيد وحمدان في كتاب " التّعليم المتمايز: ماهيّته واستراتيجيات استخدامه في المرحلة الثّانوية" (2015)، أنّ هناك مجموعة من المبادئ العامّة لتحقيق التّمايز. تكمن هذه المبادئ في وضوح المهم من المادّة الدّراسيّة، ووعي المعلم التّام بالفروق الفرديّة بين الطّلبة، وتقديره لها وبنائه عليها، وتطبيقه للتعليم والتقويم بشكل متلازم.

يعدُّ الوصول إلى التعلّم هدف كلّ الطّلبة، ولا بدّ من تعدّد أساليب التّدريس لمراعاة الاختلاف؛ فالتّنوع حاجة ماسّة وليس خيارًا. ولا بدّ من مراعاة الأسس النّفسيّة وقابليّة التّعلم للجميع وقدرتهم عليه، بمراعاة الذّكاءات المتعدّدة، وتنوّع طرق الفهم والوصول في المخّ البشريّ، عن طريق قيام المعلم بدوره ميسّرًا ومنسّقًا لا مسيطرًا. فهو من يحدّد المهارات والقدرات ويختار الاستراتيجيّات الملائمة لتنوّع طلبته، ويحدّد المهام بناءً على قدرات الطّالب وميوله واهتماماته، مع وضع أهداف مناسبة، يكون الطّالب فيها محورَ العمليّة التّعليميّة.

وفي الموضوع ذاته، نوّه مكتب اليونسكو الإقليميّ للتربية في الدول العربيّة (2008)، بأنّ فصول تنويع التّدريس تتعدّد فيها الأنشطة للمجموعات المختلفة من التّلاميذ، ويتحمّلون جزءًا كبيرًا من مسؤوليّة تعلّمهم. يؤدّي ذلك إلى تحوّل الصّف إلى مجتمع يسعى لتحقيق أهداف موّحدة، ما يزيد الدّافعيّة إلى النّجاح والالتزام بالمهام. فالتّمايز معرفة للفرد وطاقته وميوله وحاجاته ومستواه الأكاديميّ، ومعرفة المعلم بكلّ ما سبق تمكنّه من التّواصل والتّفاهم وبلوغ الأهداف، وخلق ثقة متبادلة وسيادة الاحترام وتلبية احتياجات المتعلّمين. وترى اليونسكو أنّ السّبيل إلى ذلك يكمن بتنوع طرق التّدريس والمهام وطرق تنفيذها، بحيث تغطي احتياجات المتعلّمين، وهو ما يتّفق عليه كلّ العاملين في شأن التعليم التمايزيّ.

كما أنّ وضع الطّلبة في تكوينات تمتاز بمرونة تلبّي احتياجات الجميع، وتمنح إمكانيّة الوصول وتعزز الصّداقة. وهذا أمرٌ أساسيّ في التّمايز لا يجوز أن نتجاوزه، من غير إغفال أنّ بعض الحالات تحتاج إلى التّعامل الفرديّ مع الطّالب؛ فالتّجمعات المرنة قد لا تلبّي الفضول والاعتزاز عند بعض الطلبة أصحاب القدرات العليا، لذلك لابدّ من استغلال قدراتهم داخل الصّف وخارجه بمهام تشبع الأنا عندهم، والفضول العارم لديهم، عن طريق مهام قبليّة وبعديّة وموجّهة ترضي غرورهم المعرفيّ.

 

كيف يراعي المعلّم التعليم التمايزيّ؟

دور المعلم تغيّر بشكل جذريّ، والحقيقة أنّنا لا نستطيع تحقيق تمايز فعّال من دون أن يستوعب المعلّم متغيّرات مكانه في العمليّة التعليميّة. من هنا،لا بدّ لنا، معلّمات ومعلّمين، من التّعلم المستمرّ وضمان المعرفة بأنماط التّعلم وتنوّع الذكاءات ومحاكاة طرقها، للوصول الصحيح إلى تعليم فعّال. فمهما كانت التّحدّيات المتمثّلة بالعدد الكبير للطّلبة وضيق الموارد وضعف الإمكانات، إلّا أنّ المعلّم المراعي للتّمايز يستغلّ أعقد وأبسط المتاح للوصول إلى أهدافه التّعليميّة. ولدينا في المدارس الحكوميّة مختبرات وفضاءات نستطيع بها استغلال كلّ تطبيقات التّكنولوجيا، لتحقيق التّمايز من خلال توظيفها عبر صفحات التواصل ومجموعات أولياء الأمور. كما أنّ غرف الحاسوب المزودة بالإنترنت وشاشات العرض وغرف المصادر، ومشاغل الفنّ والتربية المهنيّة ومختبرات العلوم، قادرة على تذليل الصعوبات ومحاكاة جميع الأنماط والذكاءات، إذا أراد المعلّم ذلك.

وبصفتي معلّمة متدرّبة في الدبلوم، فسأعمل جاهدةً على تحقيق التّمايز في صفوفي بتطبيق ما تعلّمته وتّدربت عليه في جلسات الدبلوم والخبرات السّابقة. وبالالتحاق الدائم بالدّورات والنّدوات المعقودة من قبل التربية في مدارس الحكومة.

كما سأعمل جاهدةً على رصد التّمايز تخطيطًا وتقويمًا وإجراءات في خطط مرفقة للمعلمة الموجّهة والمشرف الأكاديميّ، وسأحصل على تغذية راجعة منهما استغلّ فيها نقاط القوة، وأطوّر جوانب النّمو لدي. إضافة إلى ذلك، سأوظّف وبشكل مستمرّ كلّ الطّرق والسّبل لاستخدام التّكنولوجيا، لما لها من أثر عظيم في الخيال وفي محاكاة واقع الطلبة واهتماماتهم وميولهم، وتوظيف مختلف التّطبيقات التي تناولناها بالبحث في جلسات البيداغوجيا. وسأطبّق ذلك من خلال تصميم الألعاب الإلكترونيّة والصفحات، وإرسالها إلى مجموعات أولياء الأمور من خلال روابط. وسأعمل على مساعدة معلّمات اللغة العربيّة في إرسال مهمات قبليّة وبعديّة، تعزّز التّمايز وتساعد على التّقييم.

ولا بدّ لنا في هذا المجال من توظيف مكتبة المدرسة والمكتبات العامّة، فهي مفتوحة دائمًا تقدّم خدماتها للطلبة. وما علينا إلّا عقد زيارات ميدانيّة للمكتبات، والجامعات، وجميع المرافق المعرفيّة والعلميّة والتعليميّة، واستغلال أيّ مؤسّسة تحقق للطّالب الوصول، لما لها من دور في تعزيز المعرفة ومحاكاة كلّ أنماط التّعلم. وأخيرًا، سأحرص على عمل استطلاعات للرأي والتّصويت من قبل الطّلبة، لرصد هوايات واهتمامات الطلبة وميولهم؛ حيث أستطيع تنفيذ هذا التّصويت بالعديد من التّطبيقات، وإرسالها إلى مجموعات الطّلبة. وسأسعى جاهدةً لتفعيل التّقييم المناسب ورصده بشكل مستمر، وصياغة معايير تربويّة، وعرضها على مرشدي الأكاديميّ، لأخذ تغذية راجعة تطوّر مسيرتي بشكل يراعي التّمايز المحقّق للعدالة والمعرفة.